حتى لا تصبح "فقاعة صنعتها الجائحة".. زووم تهندس مرحلة ما بعد "النمو المفرط"

أبرز قصة نجاح في حقبة كورونا

حتى لا تصبح "فقاعة صنعتها الجائحة".. زووم تهندس مرحلة ما بعد "النمو المفرط"
عبدالغفور أحمد محسن

عبدالغفور أحمد محسن

9:27 م, الأربعاء, 18 أغسطس 21

“كيف سأقنع زوجتي برغبتي في الاستقالة من هذه الوظيفة المربحة للسعي وراء فكرة تستلزم مغامرة طويلة وعمل شاق؟” تساؤل كان العقبة الأكبر في طريق المهندس إريك يوان، كما روى بنفسه لاحقا لمجلة فوربس.

قبل تلك اللحظة بسنوات، كان يوان قد دخل الولايات المتحدة بصعوبة (بعد رفض تأشيرته 8 مرات) قادما من وطنه الصين، وخدمته الظروف فالتحق بشركة تكنولوجيا ناشئة استحوذت عليها لاحقا شركة أخرى عملاقة ومهدت له الطريق إلى منصب مرموق.

في تلك الوظيفة التي تولى فيها إدارة نحو 800 شخص، قدم يوان لرؤسائه فكرة جديدة لتطوير أعمال الشركة لكنها قوبلت بالرفض، الأمر الذي دفعه للتفكير بجدية في الاستقالة وتنفيذها بنفسه.

 كان الأمر صعب بحق على صاحب الـ 41 عاما آنذاك، إذ أن فكرته كانت إطلاق خدمة مؤتمرات الفيديو عبر الإنترنت برؤية معينة، في سوق مزدحم فعلا بخدمات مماثلة ومن منافسين عمالقة.

على أي حال، نفذ يوان رغبته التي أكد أنه كان سيندم كثيرا لو لم يجربها، واقتحم السوق فاكتسح الميدان وأضحى مليارديرا شابا على رأس شركة صاروخية النمو.. زووم.

ومع الوقت، تحول النجاح الذي حققته الشركة إلى نمو هائل بل و”مفرط” في فترة جائحة كورونا، الأمر الذي حمّل شركته بمخاطر وتحديات جديدة تتعلق بكيفية الحفاظ على هذا التعملق في حقبة ما بعد “كوفيد”، وفي مجال أصبح محل تركيز كبير من إمبراطوريات تكنولوجية ضخمة مثل جوجل ومايكروسوفت.

إنها تلك المخاطر نفسها التي أخافت معظم المستثمرين المغامرين في أيام “زووم” الأولى قبل 10 سنوات، فكيف واجهها يوان في البداية وما خطته لمجابهة تحديات الحقبة الجديدة؟

بداية “الفكرة السيئة”: شيكات الأصدقاء

الخطوة الأولى في تنفيذ أي مشروع ناشئ هي بالطبع التواصل مع “المستثمرين الملائكة” (المغامرين) للحصول على تمويل يكفي لإطلاق العمل الجاد الذي يحول الفكرة إلى خدمة واقعية ولو في حدها الأدنى.

ولتخيل صعوبة تلك المرحلة بالنسبة ليوان، فقد كان عليه إقناع المستثمرين بجدوى تأسيس شركة ناشئة تستهدف تقديم خدمة مؤتمرات الفيديو بينما تتواجد بالفعل خدمات شبيهة وشهيرة مثل “سكاي بي” من مايكروسوفت و” هانج آوتس” من جوجل فضلا عن خدمات “ويبكس” شركته السابقة التابعة لمجموعة “سيسكو” العملاقة.

وباختصار، كان عرض يوان يتلخص في أنه يطمح إلى إطلاق خدمة مؤتمرات الفيديو والدردشات المرئية للشركات والأفراد ولكن بطريقة أبسط في الاستخدام، وعبر برمجة تتيح توفير الخدمة للهواتف الذكية أيا كان نوعها ونظام تشغيلها، وعدم التركيز فقط على أجهزة الكمبيوتر كما كان سائدا حينها.

وفي قلب هذا المخطط، كانت هناك أمور تقنية أخرى من شأنها أن تضمن تفوقا لمنتج يوان على الموجود في السوق.

فقد كان يوان يستهدف بناء منتجه اعتمادا على تقنيات الحوسبة السحابية، بما يضمن سرعة الخدمة وعدم انقطاع اتصال الفيديو مهما كان عدد المشاركين في المؤتمر المرئي عبر الإنترنت، وحتى لو كانت خدمة الإنترنت نفسها ضعيفة (بإمكان بث زووم الاستمرار حتى لو تراجعت سرعة الإنترنت 40% بعد بدء الاتصال أو واجهت بعض التقطيع).

الفشل

في الحقيقة، فشل يوان في إقناع أي مستثمر بدعم مشروعه الجديد، حيث اعتقد هؤلاء أن “الفكرة سيئة” لأن السوق مزدحمة للغاية و”اللعبة انتهت”.

لاحقا، وجد الصيني الشاب الدعم في شيكات الأصدقاء الذين كان بينهم مستثمرين مهتمين بالتكنولوجيا وبعض زملائه في عمله السابق.

طلب يوان من أصدقائه شيكات بقيمة 250 ألف دولار لتأمين أجور 30 مهندسا (بعضهم من الصين) يرغب في توظيفهم لبدء تأسيس شركته الجديدة “ساسبي” (الاسم المقترح مبدئيا للشركة).

وبالفعل، حصل يوان على ثقة أصدقائه و3 ملايين دولار دفعة واحدة فيما يطلق عليه Seed funding (تمويل أولي أو تمويل البذور)، بينما كان من غير المألوف أن تثمر هذه الجولة التمويلية عن أكثر من 2 مليون دولار في المتوسط.

وكان من بين المؤمنين الأوائل به سوبرا إليار الرئيس التنفيذي السابق لشركة “ويبكس” التي استقال منها يوان، وجيم شاينمان مؤسس شركة “مافن فينتشرز” الذي منح الشركة الوليدة اسمها الحالي: “زووم”.

عصر ما قبل الجائحة.. زووم تحلق 

من مكتب متواضع في بناية معطلة المصاعد وبين أثاث رث، عمل يوان وأعضاء فريقه بهدوء على منتجهم لمدة عامين تقريبًا.

في 21 أغسطس 2012، أطلقت “زووم” النسخة التجريبية من برمجياتها لمؤتمرات الفيديو.

ثم في 25 يناير 2013 تم طرح الإصدار الأول من البرنامج الذي أثبت بالفعل كونه مختلفا إلى حد وصفه من قبل منافسين بأنه “ساحر”، ونجح في جذب 400 ألف مستخدم بعد شهر واحد من الإطلاق.

امتلك يوان ناصية السوق وقوض منافسيه عبر سياسة تسعيرية جريئة، فقد طرح خدمات تطبيقه مقابل 9.99 دولار فقط شهريًا للشخص الواحد، بينما أتاح البرنامج مجانا للجميع مع تقليص عدد المشاركين ومدة الجلسة.

وبحلول مايو 2013 (5 أشهر من الإطلاق) أضحى لدى زووم مليون مستخدم، ثم تدريجيا بدأت الشركة تحول استهداف تقديم خدماتها من الشركات الصغيرة إلى الشركات الكبيرة.

وكأي شركة تنمو وتزدهر، واصلت زووم جولاتها التمويلية  الأربعة ضمن السلسلة المعروفة (A وB وC وD) ليصل إجمالي المبالغ التي جمعتها منذ 2011 إلى 2017 إلى نحو 165 مليون دولار.

كما حققت "زووم" إنجازا مذهلا فيما يتعلق بتقييم الشركة التي كانت تساوي 24.5 مليون دولار في جولة التمويل (A) لكن قيمتها قفزت إلى مليار دولار في جولة التمويل (D).

ومع دخولها "نادي اليوني كورنز" عام 2017 بتقييم 1 مليار دولار، أصبح من الواضح أن الخطوة القادمة هي الطرح في البورصة وهو ما حدث بالفعل، وبنجاح كبير وصخب أكبر.

اكتتاب تاريخي ومولد ملياردير جديد

قبل الاكتتاب، كان لدى زووم اشتراك مدفوع واحد على الأقل من نصف أكبر 500 شركة في أمريكا، لكن القليل من تلك الشركات وقع عقودًا كبيرة، ما يعني أنها متخمة بفرص زيادة الإيرادات فضلا عن التوسع في السوق العالمية التي لم تكن تشكل آنذاك سوى 18% من حجم أعمال الشركة في عامها المالي الأخير.

كذلك، ورغم كونها من شركات التكنولوجيا التي عادة ما "تحرق" كما هائلا من الأموال قبل التحول إلى الربحية، كانت زووم استثناءً فريداً مع تحولها للربح ومضاعفة إيراداتها بأكثر من 100% في آخر أعوامها المالية قبل الطرح.

في 18 أبريل 2019، طرحت زووم سهمها بسعر 36 دولارًا وهو مستوى أعلى من نطاق السعر المقترح آنذاك (من 33 إلى 35 دولارًا لكل سهم) ونجحت في جمع أكثر من 750 مليون دولار عبر بيع نحو 20 مليون سهم.

ومع أول يوم تداول قفز سعر سهم زووم 80٪ إلى 65 دولارًا قبل أن يغلق مرتفعا 72٪ عند 62 دولارًا، معلنا عن قيمة سوقية تاريخية للشركة  عند 15.9 مليار دولار، ومولد ملياردير جديد هو إريك يوان.

سعر سهم زووم:

  • الاكتتاب (18 أبريل 2019): 36 دولارا
  • نهاية أول يوم تداول: 62 دولارًا
  • أعلى سعر (16 أكتوبر 2020): 559 دولارا
  • آخر سعر (18 أغسطس 2021): 348.41 دولار

حقبة كورونا.. التوسع المذهل

كانت زووم تستعد بالفعل لنمو كبير لكن الجائحة وما رافقها من تداعيات أدخلها مباشرة في مرحلة النمو المفرط.

قفزة مهولة في عدد المستخدمين لدرجة أنها أضافت في فبراير 2020 فقط 2.22 مليون مستخدم وهو عدد أكبر من كل عدد مستخدميها الجدد في 2019 بالكامل.

أضحت زووم في المكاتب والبنوك والمدارس والمستشفيات ومكاتب الرؤساء التنفيذيين والوزراء ورؤساء الحكومات.

وبحلول أبريل 2020 أصبح لدى زووم 300 مليون مستخدم!

كما أصبحت برمجيات زووم الوسيلة الأكثر موثوقية ولمعانا في عالم دردشة ومؤتمرات الفيديو، وهو الأمر الذي عرضها لاحقا لكبوات فيما يتعلق بالجودة أو معايير الأمن والخصوصية والعلاقة الشائكة مع الصين (حيث توظف المئات في مقراتها هناك وتعتمد على سيرفرات يشتبه في خضوعها لرقابة حكومة بكين).

زووم:

2011: التأسيس

أغسطس 2012: إطلاق النسخة التجريبية

يناير 2013: الإصدار الأول

مايو 2013: 1 مليون مستخدم

أبريل 2020: 300 مليون مستخدم

ديسمبر 2020: 350 مليون مستخدم

لكن الشركة التي فضل رئيسها الاعتذار للجمهور، أخذت على عاتقها تصحيح المسار ومواصلة تقديم الخدمات بقوة عبر تحديثات شملت حتى الجمهور الذي يحصل على الخدمة بالمجان.

بضمان أوبرا وينفري .. زووم تقدم حلا سحريا للإعلام

كان طبيعيا أن يستفيد الإعلام شأنه شأن بقية القطاعات الأخرى من خدمات زووم، لكن البرنامج قدم حلا سحريا للقطاع في ظل الحاجة إلى تقليل ازدحام العاملين في الاستوديوهات وغرف الأخبار.

عبر زووم عقدت نشرات الأخبار والبرامج الحوارية والندوات والمؤتمرات بفضل حلول البث الفعالة، التي مكنت القنوات من عقد حوارات الفيديو بأقل زمن تأخير (للفيديو) وأقل زمن انتقال (للصوت) ما منح تلك اللقاءات سمة الحوار التلقائي السلس.

وكان استخدام أسطورة الإعلام الأمريكي أوبرا وينفري لبرمجيات زووم في مايو 2020، دليلا جديدا على المكانة التي اكتسبها في القطاع.

آنذاك، بدأت وينفري بثا أسبوعيا على الهواء مباشرة وبشكل تفاعلي ومتاح للجمهور مجانا، لتقديم سلسلة من الحلقات لمساندة الناس ودعمهم في عيش حياة صحية وجيدة.

كما تخطت زووم حدود المتوقع، فأصبحت تستخدم في العروض المسرحية وحتى في حفل توزيع جوائز المهرجانات  الشهيرة مثل حفل توزيع جوائز الإيمي.

طفل ناسداك الصغير يتحول إلى وحش.. زووم تواجه مخاطر النمو المفرط

لاشك أن زووم حققت في عام 2020 وما تلاه من أشهر في العام الجاري، أرقاما خيالية كان يصعب تصورها.

بعد 14 شهرا فقط من طرح أسهمها (حيث كانت قيمتها 9.2 مليار دولار)، ، وصلت القيمة السوقية للشركة إلى 100 مليار دولار، ثم قفزت إلى ذروتها في أكتوبر 2020 عند 159 مليار دولار (مقتربة من قيمة مجموعة سيسكو العريقة التي استقال منها يوان موظفا).

كذلك، أصبحت Zoom Video Communications التي يتولى يوان رئاسة مجلس الإدارة والرئاسة التنفيذية فيها، أكبر مزود في العالم لبرامج مؤتمرات الفيديو للأعمال.

كان هذه أدلة واضحة على أن "الطفل الصغير" في بورصة ناسداك أضحى عملاقا وسيضطر لتحمل مسؤوليات الكبار.

لكن النمو المفرط حمل في طياته مخاطرا جديدة، تجسدت في تراجع قيمة زووم منذ تلك الذروة بنحو الثلث على الرغم من نمو إيراداتها بنسبة 191٪ في آخر ربع مالي.

ومن الواضح أن هذا التراجع يعود إلى استعداد المستثمرين لمرحلة ما بعد الوباء ومستقبل تتزايد فيه المنافسة الشرسة خاصة من منتجات مايكروسوفت "تيمز" Microsoft Teams وجوجل ميت Google Meet.

ولتجاوز التحديات المقبلة، بدأت زوم في الاستفادة من أدواتها لتصبح "صانع صفقات رئيسي".

ففي يوليو 2021، استحوذت زووم على شركة Five9 بقيمة 14.7 مليار دولار، وهي شركة برمجيات متخصصة في حلول مراكز الاتصالات المستندة إلى السحابة.

بماذا يتميز زووم؟

- متوافق مع جميع أنظمة التشغيل على الحواسيب والهواتف الذكية (Windows و macOS و iOS و Android و Chrome OS و Linux)

- واجهة بسيطة وسهلة الاستخدام بالنسبة حتى لقليلي الخبرة التكنولوجية

- ميزة مشاركة الشاشة

 - القدرة على تسجيل الاجتماعات وحفظها تلقائيا على الإنترنت

- في بعض أنظمة التشغيل يمكن تحديد خلفية افتراضية ثابتة (لا قلق من عبث الأطفال في الخلف أثناء الاجتماعات الهامة)

 - لا يتعين على المشاركين تنزيل التطبيق إذا كانوا يستخدمون متصفح جوجل كروم أو فايرفوكس

- يمكن رؤية ما يصل إلى 49 شخصًا في وقت واحد على شاشة الكمبيوتر

-  4 أشخاص لكل شاشة في هواتف iPhone و Android المحمولة

- 16 شخصًا لكل شاشة على iPad

- ميزات لتسهيل استخدام التطبيق لمن يعانون من الصمم أو ضعاف السمع أو ضعاف البصر

وتعد صفقة Five9 واحدة من أكبر 10 صفقات استحواذ على شركات البرمجيات في الولايات المتحدة، وهي أكبر من أي صفقة استحواذ أبرمتها مثلا أمازون أو جوجل أو أوراكل أو سيسكو أو أدوبي في هذا القطاع.

واستهدفت زووم من تلك الصفقة اقتحام سوق مراكز الاتصال التي تبلغ قيمتها 24 مليار دولار للتنافس بشكل أفضل مع شركات من أمثال رينج سنترال إنك (RingCentral Inc) التي تربط المستخدمين حول العالم عبر الإنترنت.

وهذه الصفقة هي رابع استحواذ لزووم منذ بداية الجائحة، إذ سبقها 3 صفقات صغيرة.

أسس يوان أركان استراتيجية إلى جانب الاستحواذات، تتضمن بناء مراكز بحثية حول العالم، ونشر المكاتب لاستقطاب المواهب والمهندسين المتخصصين.

كما يعمل على تطوير منتجات جديدة لاقتحام مناطق التجارة الإلكترونية والاتصالات الهاتفية، فضلا عن ابتكار طرق جديد لتسويق المنتجات القديمة.

يريد المهندس الصيني التأكد من أن زووم لن تكون مجرد "فقاعة" صنعتها الجائحة.

وهو يسعى للحفاظ على مكانة شركته كعملاق مؤسسي تدوم هيمنته طويلاً بعد أن نقول وداعًا لكوفيد.