حالة طوارئ عالمية لمواجهة «صدمة الطاقة»

هى الأخطر منذ اندلاع أزمة حظر تصدير النفط الخليجى عام 1973

حالة طوارئ عالمية لمواجهة «صدمة الطاقة»
أحمد فراج

أحمد فراج

6:24 ص, الخميس, 13 أكتوبر 22

يواجه العالم صدمة طاقة هى الأخطر منذ اندلاع أزمة حظر تصدير النفط الخليجى عام 1973، إذ فشلت كل الجهود الغربية لإقناع تحالف أوبك+ بلعب دور تعاونى للتغلب على شح الإمدادات.

وبينما تمر صناعة الطاقة عموما بتحولات جذرية، تسعى دول العالم لتبنى بدائل مختلفة للحفاظ على إمدادات الوقود مع ضمان الحفاظ على النمو الاقتصادى والتغلب على التضخم الجامح.

لكن، نظرًا لارتفاع أسعار الوقود والطاقة، تواجه معظم البلدان نموًا رديئًا، وتضخمًا، ومستويات معيشية مضغوطة، وردود فعل سياسية عنيفة، وفقا لصحيفة الإيكونومست التى أكدت أن أى استجابة «غير لائقة» من الحكومات تجاه هذا الملف قد تؤدى إلى انتكاسات مختلفة.

واللافت أن أزمة الطاقة، التى تبعت التعافى النسبى للاقتصادت فى أعقاب جائحة كورونا ثم تفاقمت نتيجة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، تكتسب مع الوقت أبعادًا أكبر وتتسبب فى حالة من الذعر بين الناس الذين يعتقدون أن الشتاء القادم قد يكون مرعبا وسط تزايد الطلب على مصادر الطاقة.

وبينما تبحث الدول الغربية عن بدائل للغاز والنفط الروسيين، تجد دول أخرى نفسها مضطرة للبحث عن بدائل لنفط الخليج فى ظل ارتفاع سعره وإصرار تكتل أوبك على حماية هذا السعر المرتفع عبر إقرار تخفيضات الإنتاج الكبرى مرة بعد أخرى.

وبصرف النظر عن الحلول التى تتمحور حول كل دولة على حدة، فمن المتوقع أن تهيمن الأفكار التى يمكن أن تجد حلولاً مشتركة لأزمة الطاقة لكل تكتل على حدة.

إعادة تقييم قرارات التخلص من المفاعلات

الأسواق الناشئة كثيفة الاستهلاك تفعل خيار «النووى»

 تتجه الأسواق الناشئة كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى التوسع فى الاعتماد على الطاقة النووية، فى محاولة لتفادى تداعيات الصعود الكبير لأسعار النفط، وفى ظل كون “النووي” خيارا نظيفا فى قائمة بدائل الطاقة.

ويأتى التوسع النووى فى الأسواق الناشئة، والذى تقوده الصين والهند وكوريا الجنوبية، بينما تراجع دول أوروبية كبرى قراراتها المتعلقة بالتخلص التام من الطاقة النووية نظرا للهزة التى تعرض لها أمن الطاقة فى تلك الدول مع توقف تدفقات الغاز الروسي.

حل فعال

ويرى محللون أنه فى مواجهة ارتفاع أسعار الغاز والطاقة يمكن أن توفر الطاقة النووية حلاً فعالا لإزالة الكربون والمخاوف المتعلقة بتأمين الإمدادات إلا أن الطاقة الإنتاجية آخذة فى التراجع فى الولايات المتحدة وأوروبا، فى حين أن الصين لديها خطط طموحة للتوسع النووى، بحسب تقريره نشره موقع “برينك نيوز”.

وتركز أوروبا بشكل متزايد على تأمين إمدادات الطاقة مع تصاعد أسعار الطاقة فى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا، وتعهد الاتحاد الأوروبى بتقليل اعتماده على الغاز الروسي.

وبحسب التقرير، فقد يؤدى هذا الضغط إلى دعم أكبر للطاقة النووية فى بعض البلدان، وفى وقت سابق من هذا العام، وافق البرلمان الأوروبى على تصنيف الطاقة النووية على أنها من المصادر الخضراء، مما يبرز قيمتها كمصدر للطاقة خالٍ من الكربون.

وتوقع التقرير تراجع توليد الطاقة النووية فى أوروبا والولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه بحلول عام 2035، فإن حصة التوليد النووى فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة قد تنخفض إلى %15 من أصل %20، وفقًا لتقديرات مزود البيانات الرئيسى فى العالم عن معلومات الطاقة والسلع «S&P Global Commodity Insights».

وعلى النقيض من ذلك، تخطط الصين لتكثيف أنشطتها بهدف مضاعفة حصة الطاقة النووية فى مزيج الطاقة إلى ما يقرب من %10 بحلول عام 2035 رغم أن الطلب على الطاقة لا يزال ينمو بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة وأوروبا.

«الناشئة» تقود التوسع

وفقا للتقرير، فإنه على مدى العقدين المقبلين، قد ينعكس معدل توليد الطاقة النووية بين البلدان المتقدمة والبلدان الناشئة إلى العكس، حيث تستحوذ المتقدمة حاليا على %60 من الإنتاج مقابل %40 للنامية.

وأوضح التقرير أنه رغم مزايا المشاريع النووية كمصدر موثوق للطاقة الخالية من الكربون، إلا أنها تواجه رياحًا معاكسة كبيرة فى الغرب.

إذ ينطوى بناء وتشغيل محطة نووية على مخاطر ائتمانية كبيرة فيما يتعلق بتكاليف البناء المرتفعة، علاوة على المخاوف الاجتماعية المتعلقة بالسلامة وإدارة النفايات النووية.

وفقًا لتوقعات “S&P Global Commodity Insights”، فإنه مع التوسع فى الطاقة المتجددة، من المرجح أن تقوض تكاليف الإنتاج المنخفضة أسعار الطاقة طويلة الأجل فى أوروبا الغربية مما يعنى أن المشاركة المباشرة للدولة، أو على الأقل الدعم المالى والسياسى، سيكون عاملاً محددًا رئيسيًا للمشاريع النووية، إلى جانب إذا ما كان المستثمرون والمشغلون يرغبون فى تحمل المخاطر المرتبطة بالبناء النووى الجديد أم لا.

وذكر التقرير أن الإجراءات التى اتخذتها العديد من الدول فى أوروبا تعنى أن توليد الطاقة النووية على المدى القريب مهيأ للانخفاض.

فى فرنسا، تسببت المشكلات الفنية فى انخفاض توليد الطاقة النووية، بينما تخطط ألمانيا للخروج من البرنامج النووى بحلول نهاية هذا العام، وستغلق بلجيكا أيضًا جميع مفاعلاتها باستثناء مفاعلين فى المستقبل القريب، وستغلق المملكة المتحدة معظم مفاعلاتها الحالية بحلول نهاية العقد.

الغرب يعيد التقييم

ومع ذلك، بعد عام 2025، تتوقع “S&P Global Commodity Insights” بعض الاستقرار فى إنتاج الطاقة النووية فى أوروبا الغربية. يأتى ذلك فى ضوء خطط بلجيكا الأخيرة لتمديد تشغيل اثنين من مفاعلاتها حتى عام 2035 وإعلان فرنسا أنها ستبقى معظم محطاتها المتبقية قيد التشغيل خلال العقد المقبل.

فى الولايات المتحدة، يتجه توليد الطاقة النووية إلى الانخفاض، رغم أن العديد من الولايات فكرت فى تقديم حوافز لإطالة العمر الافتراضى للمحطات النووية لدعم موثوقية شبكة الطاقة، ولقد أظهر انقطاع التيار الكهربائى مؤخرًا بسبب الطقس القاسى أهمية الطاقة الكهربائية ومزيج الطاقة المتنوع.

طفرة فى الصين والهند

فى المقابل، ستلعب الطاقة النووية دورًا رئيسيًا فى خطط الصين لإزالة الكربون من اقتصادها.

وبحلول عام 2035، من المتوقع أن تصل القدرة النووية الصينية إلى 105 جيجاوات، متجاوزة كلا من الولايات المتحدة (92 جيجاوات بحلول عام 2030) والاتحاد الأوروبى (76 جيجاوات بحلول عام 2030).

وبحسب التقرير، فإن التوسع النووى الصينى مدفوع إلى حد كبير بالشركات المملوكة للدولة، والتى توفر الوصول إلى التمويل الرخيص وسلاسل التوريد المتكاملة والتكنولوجيا المحلية.

نتيجة لذلك، تقدر تكاليف الإنشاءات الجديدة فى الصين بحوالى 2500 دولار لكل كيلووات من السعة المولدة، مقارنة بتكاليف رأس المال التى تصل إلى 10000 دولار لكل كيلووات فى البلدان الأخرى.

علاوة على ذلك، فإن البنية النووية الصينية أحدث بكثير من مثيلاتها فى معظم الدول المتقدمة، إذ يبلغ متوسط عمرها تسع سنوات فقط.

وبالنسبة للبلدان النامية الأخرى، تخطط الهند أيضًا لتوسيع قدرتها النووية، وإن كان ذلك من قاعدة أصغر، وفى مواجهة تحديات مماثلة لنظرائها الأوروبيين بما فى ذلك المشاكل التكنولوجية، وارتفاع التكاليف، والاستثمارات الضخمة المسبقة، أصبحت الطاقة النووية خيارًا أقل جاذبية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الأرخص ثمناً.

وفى كوريا الجنوبية، يهدف الرئيس الحالى للبلاد إلى الحفاظ على نصيب الطاقة النووية فوق %30 من مزيج الطاقة فى البلاد، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال استئناف بناء المحطات النووية وإطالة عمرها الافتراضى بحلول عام 2030.

بشرط تجنب تشويه السوق من خلال الدعم وتحديد سقف للأسعار

التخلص من «الوقود الأحفورى» يوفر فرص نمو استثنائية للاقتصادات النامية

تقدم الأسعار المرتفعة للنفط والوقود التقليدي، فرصة نمو استثنائية للاقتصادات النامية عبر تقليل اعتمادها على هذا النوع من الطاقة والتحول إلى بدائل مستدامة، بدعم تمويلى من الدول المتقدمة.

لكن، وحسب دراسة أجرتها كلية إدارة الأعمال بجامعة دورهام، قال باحثون إن البلدان النامية والناشئة ستفشل فى تقديم أى مساهمة كبيرة فى جهود الاستدامة العالمية، ما لم تتوقف حكوماتها عن تحديد سقف لأسعار الكهرباء ودعم الطاقة.

وتسعى الدراسة إلى إيجاد سبل أفضل لدعم الدول النامية لتقليل استخدام الوقود الأحفورى.

ورغم أن المبادرات العالمية مثل مؤتمر الأطراف ومؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كانت فعالة فى دفع العمل المتعلق بتغير المناخ إلى قمة جدول الأعمال السياسى والاقتصادي، وفى تشجيع البلدان على التعهد بدعم جهود إزالة الكربون، يقول الباحثون إن الدول النامية ستكافح من أجل تحقيق الأهداف التى وافقوا عليها.

وبحسب الدراسة، فإن التحدى الأكبر الذى يجب التغلب عليه هو الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري، ويقول الباحثون إنه لم يتم فعل الكثير فيما يتعلق بإصلاح أسواق الطاقة فى الدول النامية.

وتقول البروفيسور مارسيلياني، وهى إحدى المشاركين فى الدراسة: “ فى الاقتصادات النامية والناشئة، تركز سياسات الطاقة بشكل أساسى على مسألة توفير أمن الطاقة ووصولها للجميع، وغالبًا ما يتم ذلك على حساب الكفاءة الاقتصادية والاستدامة البيئية”.

وأضافت: “بينما يتفق الجميع على أن سياسات وممارسات الطاقة يجب أن تعزز بالفعل التنمية المستدامة، فإن هذه الأهداف غالبا ما تعمل على النقيض من بعضها البعض، مما يؤدى إلى عواقب وخيمة وفرص محدودة لإحراز أى تقدم حقيقي”.

وتشمل هذه العواقب تشويه السوق، من خلال تحديد سعر الكهرباء لضمان قدرة جميع الأسر على تحمل التكاليف، ودعم تكاليف الوقود لدعم إنتاج الطاقة.

وأشار التقرير إلى أن مثل هذه التدابير لها تأثير سلبى طويل الأمد على كوكب الأرض إذ تؤدى إلى رفع مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتعريض أى محاولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للخطر.

فرص استثنائية

ولمعالجة المشكلة، يبحث مشروع البروفيسور مارسيليانى وزملائها كيفية تنفيذ مجموعة متنوعة من سياسات إزالة الكربون، والتى من شأنها أن تحقق أكبر فائدة لكوكب الأرض دون التأثير سلبًا على المجتمع.

وركز الباحثون على بنجلاديش كمثال رئيسي، لاستكشاف السبل التى يمكن أن تحقق الدولة من خلالها تعهدها بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بنسبة لا تقل عن %5 بحلول عام 2030.

وتقول البروفيسور مارسيلياني: “سوق الكهرباء فى بنجلاديش يعمل حاليًا فى ظل دعم كبير للوقود الأحفورى والأسعار المنظمة من خلال تحديد أسعار الطاقة، هذه التدخلات، رغم حسن النية، ضارة للغاية لأنها تشوه مزيج الوقود فى إنتاج الكهرباء وتشجع على الاستهلاك المفرط للوقود الأحفوري، مما يؤدى إلى إبطاء أى جهود لاستخدام مصادر وقود أكثر مراعاة للبيئة، ولهذا تستمر انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى بنجلاديش فى التزايد”.

استخدم الباحثون نموذجا لملاحظة الفوائد المحتملة التى ستجنيها بنجلاديش إذا أرادت الدولة تطبيق ضريبة كربون متواضعة أو إلغاء دعم الوقود الأحفورى أو القضاء على التشوهات فى أسعار الكهرباء.

وتكشف دراسة البروفيسور مارسيليانى أنه لن تؤدى جميع الإجراءات إلى تحقيق خفض كبير فى الانبعاثات فحسب، بل قد توفر أيضًا دفعة للاقتصاد، من حيث زيادة الناتج المحلى الإجمالى.

وتم تقدير أن فرض ضريبة كربون بقيمة 5 دولارات سيؤدى إلى انخفاض فى توليد الكهرباء من قبل الشركات التى تستخدم النفط بنسبة تصل إلى %4.4، كما يقلل من استخدام الغاز من قبل الشركات الخاصة بنسبة %4.7، مما يؤدى إلى خفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة %0.3.

حققت أرباحا من الأزمة

الدول المتقدمة تختـار فرض المزيد من الضرائب على منتجى النفط والغاز

اختارت الاقتصادات التى يعمل فيها البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية حزم مختلفة من الإجراءات لمواجهة تضخم تكاليف الطاقة، بيد أن الأسواق المتقدمة فضلت فرض ضرائب “غير متوقعة” على الأرباح المرتفعة لشركات الطاقة، بما فى ذلك منتجى النفط والغاز.

وبحسب دراسة للبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، فرضت ثلاثة من ثمانية اقتصادات متقدمة تم استخدامها كمقارنات فى البحث، ضرائب غير متوقعة وهى إيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد طبق تلك السياسة أيضا 4 اقتصادات من أصل 36 اقتصادا يعمل فيها البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، وتشمل هذه الاقتصادات: اليونان والمجر ورومانيا وجمهورية سلوفاكيا، وجميعها أعضاء فى الاتحاد الأوروبى.

ويبحث المسؤولون فرض ضريبة أرباح غير متوقعة فى الاتحاد الأوروبى على منتجى الوقود الأحفوري، إذ حققوا أرباحًا مرتفعة بسبب الزيادات فى أسعار النفط والغاز.

من ناحيتها، لم تغير الأسواق الناشئة بشكل عام معدلات الضريبة على منتجى الطاقة، باستثناء أوكرانيا وألبانيا حيث جرى تخفيضها.

وكانت قسائم الدعم، أو المدفوعات لمرة واحدة للأسرة، سياسة تفضلها الاقتصادات المتقدمة، لكن تم تجنبها فى مناطق البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية إذ فضلت الدول فرض ضوابط على أسعار الطاقة، وسقوف للسعر أو هامش الربح.

ورغم أن دعم الوقود سياسة معمول بها فى الاقتصادات المتقدمة والنامية على السواء، من خلال تخفيض ضريبة القيمة المضافة أو الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على الوقود، فقد استخدمته مناطق البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية (حوالى %70 من البلدان).

وبحسب التقرير، فإن بعض تدابير التحفيز الأخرى كانت شائعة بنفس القدر، بما فى ذلك دعم الأسر الأكثر فقراً، والذى طبقه أكثر من نصف اقتصادات البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية وجهات المقارنة.

أما القيود الإلزامية على استخدام الطاقة، فرغم مناقشتها على نطاق واسع، فإنه لم يتم اعتمادها بعد فى أى من الاقتصادات المتقدمة أو النامية.

وقد تم نشر هذه البيانات كجزء من أحدث تقرير عن الآفاق الاقتصادية الإقليمية (REP) للبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، والذى يبحث فى 36 اقتصادًا يستثمر فيها البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، من شمال إفريقيا إلى وسط وشرق أوروبا وآسيا الوسطى،وركز البحث على التدابير التى تم تقديمها قبل أوائل أغسطس 2022.