جفاف مجموعة من الأنهار العالمية يهدد مياه الشرب والشحن والزراعة

أصبح الجفاف الذي أصاب نهر كولورادو الذي يشكّل مصدر المياه لـ40 مليون شخص بين دنفر ولوس أنجلوس شديداً

جفاف مجموعة من الأنهار العالمية يهدد مياه الشرب والشحن والزراعة
أيمن عزام

أيمن عزام

10:28 م, الأحد, 28 أغسطس 22

المياه تنحسر عن مجموعة من الأنهار العالمية تمتد من الولايات المتحدة إلى إيطاليا حتى الصين، ولم يتبق إلا ضفاف قاحلة من الطمي والرمال الموحلة. فرغت القنوات، وتحولت خزانات الماء إلى أمكنة يملؤها الغبار.

وتشير وكالة بلومبرج إلى أن العالم بات  في قبضة التغير المناخي المتسارع بشكل كامل، ولذلك تأثير اقتصادي عميق. حيث يمثّل فقدان الممرات المائية خطراً جسيماً على طرق الشحن والزراعة وإمدادات الطاقة وحتى مياه الشرب.

جفاف الأنهار العالمية

جفّت تقريباً الأنهار التي كانت ضرورية للتجارة لعدة قرون، ما يهدد حركة التجارة العالمية للمواد الكيميائية والوقود والغذاء والسلع الأخرى.

كان نهر الراين، الذي يُعدّ أحد أعمدة الاقتصادات الألمانية والهولندية والسويسرية غير سالك تقريباً في بعض الأحيان خلال الأسابيع الأخيرة. أما نهر الدانوب الذي يمتد بطول 1,800 ميل (حوالي 2,900 كيلومتر) عبر وسط أوروبا إلى البحر الأسود وكأنه مصمغ أيضاً. تسهم أنهار وقنوات أوروبا بحوالي 80 مليار دولار في اقتصاد المنطقة كوسيلة نقل لحركة التجارة.

أما في الصين فقد أدى الصيف القاسي إلى خسائر فادحة في نهر يانغتسي أطول أنهار آسيا. أدى انخفاض مستويات المياه إلى إعاقة توليد الكهرباء في عدد من محطات الطاقة الكهرومائية الرئيسية. تعمل المدن الضخمة ومنها شنغهاي بإطفاء الأنوار للحد من استخدام الطاقة، وحذّرت شركة “تسلا” من حدوث اضطرابات في سلسلة التوريد في مصنعها المحلي.

وأغلقت شركتا “تويوتا موتورز” (Toyota Motor Corp) و”كونتيمبوراري أمبيريكس تكنولوجيز” (Contemporary Amperex Technology Co) أكبر شركة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في العالم مصانعهما.

أصبح الجفاف الذي أصاب نهر كولورادو الذي يشكّل مصدر المياه لـ40 مليون شخص بين دنفر ولوس أنجلوس شديداً لدرجة أن جولة ثانية من الانقطاعات الشديدة في المياه ضربت أريزونا ونيفادا والمكسيك. يروي النهر وروافده حوالي 4.5 مليون فدان من الأراضي، ويولّد نحو 1.4 تريليون دولار سنوياً من الفوائد الزراعية والاقتصادية.

كشف انحسار المياه في جنوب غرب الولايات المتحدة عن جثث وآثار أقدام ديناصورات كانت مغمورة بالمياه ربما منذ ملايين السنين.

لماذا تتقلّص الأنهار؟

تبدو الأسباب التي جعلت الممرات المائية العالمية تجف وتهزل معقدة، فهناك تأثير عاصفة لا نينا التي تعكّر الطقس، إلى جانب الجفاف المطوّل في العديد من المناطق وسوء الحظ أيضاً. لكن المحفز الأكبر وراء هذا التحول هو التغير المناخي.

قال دانيال سوين عالم المناخ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “إنه مزيج من عدد من العوامل التي أدت إلى هذا الحدث المتطرف بشكل خاص. ولكن من الواضح أن هناك دوراً للتغير المناخي، ما زاد من احتمال حدوث الكثير من موجات الحرارة الكامنة التي تجاوزت الأرقام القياسية، والتي في بعض الحالات حطمت الأرقام القياسية تحطيماً، بشكل كبير”.

قالت إيسلا سيمبسون العالمة في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر بولاية كولورادو، إن ارتفاع درجات حرارة الأرض يعني أن ثلوجاً أقل ستتساقط على سلاسل الجبال، ما يعني تدفق كميات أقل من المياه إلى الجداول في الصيف أثناء ذوبان الثلج.

يمثّل ثلج الجبل خزان الطبيعة. قال سوين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إنه عندما يتضاءل تساقط الثلوج تتلاشى منابع الكثير من الأنهار من الولايات المتحدة إلى الصين إلى أوروبا إلى الشرق الأوسط.

قال سوين: “كان غياب الجليد والأنهار الجليدية الجبلية في جبال الألب أمراً استثنائياً هذا الصيف أيضاً، ما صدم حتى علماء المناخ وعلماء الجليد المخضرمين”.

ظواهر نادرة

يبرد المحيط الهادئ الاستوائي بسبب ظاهرة لا نينا التي تسبّب اضطرابات في أنماط الطقس العالمية، ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة في بعض المناطق وجفاف مناطق أخرى. يشهد العالم الحدث الثاني على التوالي من لا نينا وترتفع احتمالات أن يشهد عام 2023 حدثاً آخر.

قال ريتشارد سيغر أستاذ الأبحاث في مرصد لامونت دوهرتي للأرض بجامعة كولومبيا: “يربط حدث لا نينا المستمر والقوي بين موجات الجفاف وانخفاض تدفق الأنهار في أميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط ونصف الكرة الجنوبي”.

تعني درجات الحرارة الأكثر سخونة في العالم أيضاً أن الممرات المائية تتبخّر فعلياً. أو كما يقول سيغر، فإن الغلاف الجوي الدافئ “يمتص المزيد من الرطوبة من سطح الأرض”.