يتوقع جاربيس إيراديان الخبير الاقتصادى عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مينا فى معهد التمويل الدولى IIF أن يشهد الطلب والعرض على السلع الأساسية فى العالم سيشهد توازنا خلال الربع الأخير من العام الجارى وطوال 2021 مع هبوط أسعارها بحوالى %2 فى المتوسط هذا العام، لكن من المتوقع أن ترتفع %4 العام القادم بعد أن انتعشت أسعارها فى الشهرين الماضيين بفضل توليفة من ثلاثة عوامل.
ومن المرتقب أن يتحقق توازن العرض والطلب خلال الشهور القادمة نتيجة الانخفاض الواضح فى سعر الدولار والانتعاش القوى فى الاقتصاد الصينى بعد أن تمكنت حكومة بكين من احتواء وباء كورونا منذ نهاية مارس الماضى علاوة على هبوط الإنتاج بسبب سلسة إغلاقات فى حقول البترول فى العالم ومناجم استخراج المعادن فى الأمريكتين للحد من انتشار العدوى من مرض كوفيد 19 المميت.
يرى المحللون فى معهد التمويل الدولى IIF أن الطلب العالمى على سيهبط بحوالى %10 خلال العام الحالى ولكنه ربما ينمو بأكثر من %6 خلال 2021 بناء على قدرة الحكومات حول العالم فى احتواء فيروس كورونا وابتكار الأمصال والأدوية اللازمة للوقاية منه وعلاجه.
وجاء فى تقرير المعهد الصادر مؤخرا أن متوسط أسعار بترول خام برنت ستبلغ 42 دولار للبرميل هذا العام وقد ترتفع إلى 46 دولار للبرميل إذا اختفت الشكوك حول المسار الذى يسير فيه وباء فيروس كورونا خلال الفترة القادمة وإن كانت الأسعار ارتفعت خلال الشهرين الماضيين مع تعهد منظمة أوبك + وحلفائها بتخفيض الإنتاج لدعم الأسعار.
وبلغت أسعار البترول 42 دولار للبرميل فى المتوسط خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الجارى بعد أن هبطت لمدة ستة أسابيع خلال النصف الأول من هذا العام بسبب تزايد المخزون فى كبرى دول العالم المتمثلة فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD وضعف الطلب بسبب وباء كورونا.
وكانت أسعار البترول هوت فى أبريل الماضى إلى أقل من 16 دولار لبرميل برنت لتسجل أدنى مستوى منذ 21 عاما بسبب انتشار العدوى بفيروس كورونا وتوقف قطاعات عديدة بالاقتصاد العالمى ولكنها ارتفعت فى نهاية يوليو الماضى لتحقق مكاسب للشهر الثالث على التوالى بفضل تخفيضات إنتاج النفط الأمريكى فى مايو الماضى ليسجل أدنى مستوياته.
وأكد إيراديان أن أسعار الغاز الطبيعى ستواصل الارتفاع حتى فبراير القادم على الأقل بعد ارتفاعها خلال الربع الحالى بسبب الارتفاع التدريجى فى الطلب العالمى وهبوط الإنتاج الأمريكى وانخفاض تدفق الغاز الروسى على أوروبا مما سيؤدى إلى استمرار ارتفاع الأسعار خلال الخمس شهور القادمة عندما ينتهى موسم الشتاء وتقل حاجة دول أوروبا للغاز الروسى.
وأدى تفاقم الإصابة بفيروس كورونا وانتشار العدوى فى حوالى 240 دولة إلى هبوط الإنفاق الرأسمالى على المعادن الأساسية مما ساهم فى انخفاض حاد فى إنتاجها ولاسيما فى بيرو التى هوى الإنتاج فيها %25 خلال السبعة أشهر الأولى من العام الجارى يالمقارنى بنفس الشهور من العام الماضى لتسجل أسوأ انخفاض فى أمريكا الجنوبية التى تعرضت لأعلى مستوى من الإصابات بمرض كوفيد 19 منذ مايو الماضى.
وهبط أيضا إنتاج الحديد الخام بأكثر من %10 فى البرازيل خلال نفس الشهور وانخفض إنتاج النحاس فى شيلى طوال الشهور الماضية حتى نهاية يونيو بسبب الوباء الذى قلص إنتاج المعادن الأساسية فى الأمريكتين ولكن هذا الانخفاض ساعد على ارتفاع الأسعار خلال الربع الحالى ليعوض معظم الخسائر التى تكبدتها خلال الربعين الأول والثانى من العام الجارى.
وساعدت التدابير التحفيزية التى نفذتها الصين والتى أدت إلى تزايد الإنفاق على البنية التحتية وأعمال البناء على ارتفاع أسعار الحديد الخام والوفاذ نظراً لانتعاش اقتصادها الأقوى من المتوقع بعد إغلاق مصانعها خلال الربع الأول عندما انتشر الوباء فيها وهو ما يفسر زيادة أسعار النحاس حاليا المقارنة بالمستوى المتدنى فى مارس الماضى ولاسيما أن الصين تستحوذ وحدها على %40 من الاستهلاك العالمى للنحاس.
وأوضح تقرير المعهد انتعاشاً متواضعاً فى إنتاج دول أمريكا اللاتينية من المعادن الأساسية بعد الهبوط الحاد فى الفترة من يناير وحتى نهاية يوليو الماضى بسبب الوباء ولكنه بدأ يتحسن نسبيا الشهر الماضى وحتى الآن ولاسيما بالنسبة للنحاس والزنك.
ولكن استمرار نقص الاستثمارات فى المناجم الجديدة سيؤثر سلبا على انتعاش الإنتاج علاوة على أن الارتفاع التدريجى فى الطلب العالمى سيؤدى إلى انخفاض المخزونات من المعادن الأولية وبالتالى زيادة أسعارها ومنها النحاس والزنك بصفة خاصة.
ومن ناحية أخرى يتوقع إيراديان ارتفاعاً طفيفاً فى أسعار المواد الغذائية بحوالى %3 هذا العام و%2 العام القادم بسبب الظروف المناخية غير المواتية فى الولايات المتحدة وبلاد أخرى مما سيؤدى إلى هبوط نتاجية العديد من المحاصيل.
وأضاف أن الصادرات الزراعية الضخمة من الولايات المتحدة والبرازيل إلى الصين وضعف الدولار خلال الشهرين الماضيين ساعدا على ارتفاع أسعار فول الصويا وزيت النخيل غير أن أسعار السلع الغذائية أقل حساسية للنشاط الاقتصادى بصفة عامة عن السلع الأولية المستخدمة فى الصناعة.
كما أن هناك دولاً عديدة فرضت قيوداً تجارية مثل حظر التصدير بينما قامت دول أخرى بتخزين المحاصيل الزراعية من خلال زيادة الاستيراد بسبب وباء كورونا وإذا ستمرت هذه الإجراءات فسوف ترتفع الأسعار أكثر خلال الشهور القادمة كما جاء فى تقرير IIF.
ومع ذلك فإن المخاطر التى ستواجه الأسعار خلال العام المقبل تبدو متوازنة فى رأى إيراديان الذى قال إن الاحتواء السريع لمرض كوفيد 19 سيدعم انخفاض الأسعار وسيؤدى إلى تعاف قوى للطلب العالمى فى حين أن استمرار وباء كورونا سينجم عنه ركود متواصل فى نمو الاقتصاد العالمى.