ارتفع الجنيه بنسبة %3.1 أمام العملة الأمريكية، خلال أقل من شهرين منذ بداية العام الحالى، مواصلًا الأداء الذى تحقق فى 2019 وأَفقدَ الدولار نحو %11 من قيمته، مخالفًا توقعات بنوك الاستثمار التى رجّحت استقرار العملة أو ارتفاع الدولار بنسب طفيفة بنهاية 2020.
يرى محللون ومصرفيون وتقارير مؤسسات دولية أن الارتفاع مبرَّر بزيادة تدفقات الأجانب فى أدوات الدَّين المحلية، فى ظل قوة الفائدة الحقيقية واستقرار الاقتصاد المصرى، بالإضافة إلى التدفقات من المصادر الحيوية، مثل السياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج، وانعكاس قوة الجنيه على سيكولوجية القطاع العائلى والأفراد الذين عزّزوا وتيرة التنازل عن الدولار.
بينما بدأت بنوك الاستثمار إعادة النظر فى توقعاتها التى أعلنتها نهاية العام الماضى، وإعداد دراسات جديدة استنادًا للمعطيات الحالية، فى الوقت الذى سجل فيه متوسط سعر العملة الأمريكية 15.516 جنيه للشراء، و15.616 جنيه للبيع بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي؛ وهو أقلُّ مستوى منذ النصف الثانى من نوفمبر 2016.
وذهبت التوقعات إلى أن الانخفاض سيستمر خلال العام الحالى ليصل إلى مستوى 14 – 15 جنيهًا، مقابل %15.5 فى الفترة الحالية، بينما شدد البعض على ضرورة أن يتحول هذا الانخفاض إلى مسار مستدام معزَّز بموارد حقيقية قوية ليس من بينها استثمارات الأجانب فى أدوات الدين.
هانى فرحات: التدفقات النقدية من مصادر مختلفة دفعت الجنيه للارتفاع
قال هانى فرحات، رئيس قسم البحوث ببنك مصر، إن الانخفاض الذى يشهده الدولار فى السوق المحلية مبرَّر بعدة أسباب، من بينها ثقة المستثمرين الأجانب فى أداء الاقتصاد والإقبال الكبير على سوق أدوات الدين الحكومية، بجانب التدفقات من المصادر الحيوية للعملة، مثل السياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج، وتنازل المواطنين عن العملة الخضراء
وتعرَّض سعر الدولار لخسائر قاسية، خلال يناير الماضى، بعدما فقَد 26 قرشًا، وتكبّد أكبر خَسارة شهرية أمام الجنيه منذ سبتمبر الماضى، بينما فقَد نحو 7.2 قرش فى ديسمبر 2019، و1.7 قرش فى نوفمبر، و13.2 قرش فى أكتوبر، و28.5 قرش خلال سبتمبر.
محمد عبد العال: 14 جنيهًا مستوى متوقع بانتهاء العام الحالي
وقال محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، والخبير المصرفى، إن الدولار وصل لمستوى 15.5 جنيه خلال الربع الأول من العام الحالي؛ وهو المستوى الذى توقعه فى وقت سابق، مرجحًا أن يستمر تحسن العملة المحلية ليسجل الدولار 14 جنيهًا بنهاية العام .
واستند عبد العال فى ذلك إلى نمو وتحسن مصادر العملة الأجنبية، سواء على مستوى المصادر الرئيسية، مثل السياحة والصادرات وتحويلات المصريين للخارج، أو التنازل عن العملة من قِبل العملاء، بالإضافة إلى استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية التى تشهد ارتفاعًا منذ بداية العام .
وأشار إلى أن ما يدعم هذا الرأى أيضًا عدم وجود التزامات خارجية قوية، خلال الفترة المقبلة، بعد نجاح البنك المركزى فى تجديد الودائع الخليجية لديه، لافتًا إلى أن أسعار الفائدة الحقيقية أيضًا مرتفعة، وهو ما يدعم قوة العملة المحلية.
وتابع: ليس من مصلحتنا الاحتفاظ بعملة محلية ضعيفة، فى ظل تحسن اقتصادى، فقوة الجنيه تنعكس بشكل إيجابى على فاتورة الاستيراد وانخفاضها، وتعزز الإنتاج المحلى، الأمر الذى يرفع حجم الصادرات فى النهاية، كما أنها ستدفع الدولار الجمركى للانخفاض فى الفترة المقبلة .
وذكر أنه من المرجح أن تصل العملة الخضراء لمستويات 13 جنيهًا، وهو المستوى الذى حدده صندوق النقد الدولى كسعر عادل للدولار قبل تعويم العملة المحلية .
طارق متولي: تحويل الانخفاض إلى قوة مستدامة للعملة المحلية هو التحدى الأكبر
بينما رأى طارق متولى، الخبير المصرفى ونائب رئيس بنك بلوم سابقًا، أن التحدى الذى يواجه السوق المحلية فى الوقت الحالى هو تحويل قوة العملة المحلية وانخفاض الدولار إلى مسار مستدام؛ حتى لا يحدث تأثير عكسى خلال الفترة المقبلة .
وأشار متولى إلى أن الانخفاض المتوالى فى سعر الدولار مرجعُه الأساسى إلى التدفقات الضخمة لشراء أدوات الدين المحلية التى أصبحت تؤثر على سوق العرض والطلب فى البنوك منذ قرار البنك المركزى إلغاء آلية دخول هذه الأموال من خلاله مطلع 2019 .
وأوضح أن دخول هذه الأموال من خلال البنوك دفَع جانب العرض للارتفاع بشكل كبير مقابل الطلب، لكن ذلك لا يخلو من مخاطر، حيث إن تجار الفائدة ليس لديهم سلوك محدد يمكن رصده لاستمرار استثمار أموالهم فى الدولة، ويمكن أن يخرجوا فى أى وقت متأثرين بالظروف العالمية المتقبلة، وهو ما قد يمثل ضغطًا على سوق الصرف فى المستقبل .
وشدَّد على ضرورة سعى الدولة نحو مزيد من التيسير النقدى، الأمر الذى يشجع القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الصناعة؛ حتى يرتفع الإنتاج المحلى ويزيد التصدير، والحصيلة الدولارية من هذا القطاع مقابل انخفاض الواردات، وحينها ينعكس ذلك بشكل إيجابى ومستدام على سعر الصرف.
وتطرَّق أيضًا إلى أن الاستثمار الأجنبى المباشر أحد العوامل القوية التى يمكن أن يكون لها تأثير مستدام على قوة العملة المحلية، لكنه لم يشهد التطور المطلوب فى الفترة الماضية، مطالبًا بضرورة وجود تحركات فعالة لجذب المستثمرين الأجانب، ولا سيما أن هذه الأموال تنعكس على معدلات التشغيل ونمو الاقتصاد، على عكس الاستثمارات غير المباشرة.
وقال مصدر مسئول بالبنك المركزى المصرى، فى تصريحات سابقة نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط، إن مصر جذبت قبل أيام تدفقات أجنبية بقيمة 12 مليار دولار منذ بداية العام، بينما سجل إجمالى استثمارات الأجانب فى الأذون نحو 15.851 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضى.
هيرميس وفاروس تعدان دراسات جديدة حول التوقعات المستقبلية لسعر الصرف
بينما قالت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث بشركة فاروس القابضة، إن «فاروس» تُعِد دراسة جديدة حول سعر الصرف فى الوقت الحالى، ولا سيما أن المستويات التى وصلت إليها العملة الأمريكية أقلُّ مما توقعته «فاروس» بداية العام .
كان بنك الاستثمار فاروس توقّع، فى تقريره السنوى لنهاية العام الماضى، ارتفاع سعر الدولار بشكل طفيف إلى مستوى 16.5 جنيه، خلال السنة المالية 2020/2021، على أن يواصل الصعود ببطء إلى مستوى 17.1 جنيه فى العام 2022- 2023 .
وتوقعت فاروس أن يظل سعر الصرف الاسمى مستقرًّا إلى حد كبير حول النطاق المُشار اليه خلال السنوات الثلاث المقبلة، استنادًا إلى 3 عوامل رئيسية هى :
الظروف النقدية العالمية المواتية. حيث أسفرت السياسة النقدية الحالية فى الاقتصادات المتقدمة (تحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية) عن خفضين متتاليين لسعر الفائدة، تزامن ذلك مع زيادة الاحتياطيات واستقرار فجوة أسعار الفائدة، وانخفاض معدلات التضخم، مما يقلص الضغوط على أسعار الصرف، والتى أبدت مرونة فى التفاعل مع هذه المتغيرات .
بالإضافة إلى تدفقات العملة الأجنبية، والتى أسهمت فى تراجع عجز الحساب الجارى من %2.6 للناتج المحلى فى العام المالى 2018/2019 إلى %1.7 فى السنة الحالية 2019/2020، فأن التوقعات باستمرار تحسن التدفقات من السياحة وتحويلات المصريين وعائدات قناة السويس والقروض ستعزز استقرار سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية خلال الفترة المقبلة.
وقال محمد أبو باشا، نائب رئيس قطاع البحوث فى المجموعة المالية هيرميس، إن السبب الرئيس فى هبوط سعر الصرف بمصر خلال الفترة الأخيرة هو استمرار التدفقات النقدية من الأجانب على مستوى استثمارات أدوات الدين، بجانب تنازل المصريين عن العملات الأجنبية، فى الوقت الذى ينخفض فيه الطلب .
وأشار إلى أن هيرميس كانت تتوقع أن يظل سعر الدولار عند مستوى 16 جنيهًا خلال العام الحالى، لكنها فى الوقت الحالى تُراجع توقعاتها فى ضوء المعطيات الحالية.
وفيما يتعلق بتأثر العملة المحلية والتدفقات بفيروس كورونا الذى انتشر مؤخرًا أوضح أبو باشا أنه فى الفترة الأولى لانتشار الوباء حدث انخفاض طفيف فى التدفقات، لكنها عادت مرة أخرى، مضيفًا أنه فى حال استمرار تفشّيه عالميًّا، قد يكون للأمر تأثير على التدفقات المستقبلية .
«أبوظبى الأول» يرجح فقد الدولار %5 من قيمته
ورجّح تقريرٌ حديث صادر عن مجموعة أبو ظبى الأول الإماراتية، أن يرتفع الجنيه المحلى أمام العملة الأمريكية بنحو %5 خلال العام الحالى، وهى نسبة أقل من المعدل المحقق خلال أول 11 شهرًا من العام الماضي؛ حيث بلغت نسبة الارتفاع 11.5 %.
وأكد تقرير التوقعات الاقتصادية لعام 2020 أن مصر تستمر كواحدة من أكثر الاقتصادات جذبًا على مستوى الأسواق الناشئة، على الأقل خلال النصف الأول من العام الحالي؛ نتيجة ارتفاع الفائدة الحقيقية وانخفاض قيمة العملة المحلية، لافتًا إلى أن الجنيه المحلى سيظل مفضلًا للمستثمرين الأجانب، خلال العام الحالى، مع إطلاق مزيد من الإصلاحات الاقتصادية وتحسين البيئة السياسية والاقتصادية فى مصر .
وتوقَّع أن يقوم البنك المركزى المصرى بتخفيض أسعار الفائدة بواقع 200 – 300 نقطة أساس خلال العام الحالى عند مستوى 10 – %11 بعد خفضها بنسبة 350 نقطة فى 2019، مشيرًا إلى أن الخفض لن يؤثر على جاذبية السندات الحكومية، حيث إن العوائد الحقيقية ستكون على الأقل 2 – 3 %.
وتابع: يتمتع الاقتصاد المصرى بمؤشرات أقوى، ولا سيما بعد برنامج صندوق النقد الدولى الذى ساعد على تحسن الأوضاع فى البلاد وتحسين الخلل الداخلى والخارجى، وانعكس ذلك على العملة المحلية فجعلها أكثر قوة، كما أن التوقعات ما زالت أفضل خلال الفترة المقبلة عبر دعم نمو القطاع الخاص وخلق مزيد من فرص العمل.
وكان تقرير لدويتشه بنك قد توقّع أن يستمر ارتفاع الجنيه مقابل الدولار ليصل إلى مستوى 15.5 جنيه، مع نهاية النصف الأول من 2020، و15 جنيهًا فى نهاية العام، مشيرًا إلى التحسن الإضافى فى الحساب الجارى وميزان المدفوعات حيث تحسن الميزان التجارى البترولى نتيجة انخفاض أحجام الاستيراد وتحقيق مصر للاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى.
وأوضح أن تحسن الظروف الأمنية، بالإضافة إلى الاستثمارات فى البنية التحتية، يسهمان فى زيادة تدفقات السياحة وارتفاع إيرادات قناة السويس، كما أنه من المتوقع أن يؤدى سداد المستحقات السابقة للشركات الأجنبية إلى دفع المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة فى قطاع الطاقة.
وقالت وكالة بلومبرج الأمريكية إن الجنيه المصرى سيواصل أداءه القوى أمام العملة الأمريكية، حيث ارتفع بأكثر من %2 خلال يناير والثلث الأول من فبراير، ليصبح من أفضل العملات أداء خلال العام الحالى 2020.
جدير بالذكر أن الجنيه انضمّ لقائمة بلومبرج لأفضل ثلاث عملات أداء خلال العام الماضى، وحقق سعر الدولار تراجعًا بنحو %11 أمام الجنيه خلال عام 2019، مع تحسن التدفقات الأجنبية للسوق المحلية.