يعد منجم “شياوباودان” مجرد مثال واحد على جهود تبذلها الصين بلا هوادة للاستثمار بقدر أكبر في قطاع الفحم وسط توقعات باستمرار الطلب على الفحم لعقود، بحسب وكالة بلومبرج.
استثمرت الصين 79 مليار دولار في إنتاج الفحم السنة الماضية، بحسب وكالة الطاقة الدولية، في حين أنفقت دول العالم المتبقية مجتمعة 37 مليار دولار.
قطعاً، لا يقارن إنفاق الصين على الفحم بإنفاقها على مصادر الطاقة المتجددة، التي بلغت مستويات قياسية بقيمة 164 مليار دولار السنة الماضية. وأوضح المسؤولون أنَّهم يتوقَّعون أن يتحول الفحم ببطء من مصدر طاقة مهيمن بالبلاد إلى وقود احتياطي، إذ بدأت طاقة الرياح والطاقة الشمسية الأرخص تستحوذ على حصة أكبر.
استمرار الطلب على الفحم لعقود
لكن ذلك ما يزال يعني طلباً قوياً على الفحم يدوم لأعوام وربما لعقود. وصف مدير إدارة الطاقة الوطنية تشانغ جيانهوا في وقت سابق من الشهر الحالي الفحم الصيني بأنَّه “حجر التوازن” لتأمين الطاقة. دفعت بكين عمالقة شركات التعدين المملوكة للحكومة لرفع الإنتاج لمستويات قياسية بعد أن نجم عن نقص الفحم حالات انقطاع للكهرباء على نطاق واسع أواخر 2021. تحدُ إضافة الفحم الحاجة لاستيراد غاز طبيعي مسال أكثر كلفة بعد صعود سعره العام الماضي جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.
أشار رن ليكسين، نائب المدير العام لقسم الفحم بإدارة الطاقة الوطنية، في مؤتمر صحفي أمس الأول، إلى أنَّه قد استثمر 200 مليار يوان تقريباً (29 مليار دولار) في بناء مناجم ذكية في الصين.
تابع “رين”: “أسهمت مناجم الفحم الذكية بدور بارز في رفع إنتاجية الفحم وضمان وفرة الإمدادات خلال السنتين الماضيتين”.
العمل تحت الأرض
تعود ملكية “شياوباودان” لإحدى شركات التعدين المملوكة للدولة، وهي “شنشي كول أند كيميكال إنداستري جروب”.
وأوضح ليو ويمين، نائب المدير العام لشركة “شنشي كول إنداستري، الوحدة المدرجة بالبورصة التي تخضع لها إدارة المنجم، أنَّ منتجة الفحم التي تحتل المركز الخامس في الصين بلغ إنتاجها 230 مليون طن السنة الماضية، وجنت أرباحاً قياسية بقيمة 60 مليار يوان (8.7 مليار دولار).
تستثمر الشركة جزءاً من هذه الأموال بعمليات التطوير في مناجم على غرار “شياوباودان” و”هونغليولين”، الواقعة على مشارف صحراء “أوردوس”. توجد تحت الأرض متاهة أنفاق وفتحة يدخل إليها العمال في عربات نقل وشاحنات، يقودون ببطء لمسافة كيلومترات عدّة منحدرين في هبوط يتم برفق.
بئر الفحم نفسه عبارة عن ثقب محفور لمسافة طويلة تحتوي على مادة سوداء لامعة من الجوانب كافةً، مليئة بالهواء البارد والرطب الذي تفوح منه رائحة صخور رسوبية. تنحت آلات التقطيع الصفراء العريضة في الطبقات الداخلية، وتُرسل قطع الوقود المنزوعة على سيور ناقلة بواسطة معدات معالجة وعند نهاية المنجم توجد مستودعات تخزين ومحطة تحميل القطار.
أنظمة المراقبة
تتوفّر على بعد حوالي مترين إلى ثلاثة أمتار على امتداد بئر الفحم كاميرات دائرة الفيديو المغلقة المتصلة بمحطات الجيل الخامس من الإنترنت الرئيسية التي تقدّمها شركة “هواوي تكنولوجيز”، صاحبة الشراكة مع المناجم لأتمتة أنظمتها، وسهلت الأسبوع الجاري جولة للصحفيين وخبراء التعدين بالمواقع.
في منجم “هونغليولين” وحده، رُبط ما يفوق 2700 قطعة من معدات المناجم تحت الأرض بالشبكات لنقل صور ومقاطع الفيديوهات، والبيانات التشغيلية بطريقة فورية لمركز القيادة على سطح الأرض. ويستقبل عمال المناجم مكالمات فيديو مع المديرين تحت الأرض، ويمكنهم حتى تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أثناء فترات الاستراحة.
تظهر مؤشرات على الاستثمار بالأتمتة في كل مكان، فلم تعد توجد ضرورة للعنصر البشري في عمليات مراقبة المحطات الفرعية للكهرباء أو مضخات المياه الهائلة، وذهبت هذه الوظيفة لأجهزة الاستشعار والروبوتات ذات الرؤوس المشابهة للرسوم المتحركة التي تقوم بدوريات مراقبة في الغرف ببطء، أو تتدلى رأسياً من قضيب حديدي كما يتدلى حيوان الكسلان. ويشهد منجم “شياوباودان” تجربة الشاحنات الآلية لنقل العمال من المنجم وإليه.
تملك الصين حالياً من برنامج تجريبي يشمل 71 منجماً بدأ في عام 2020 نحو 570 “منجماً ذكياً” تقريباً تستخدم التكنولوجيا لتحقيق الاستفادة القصوى لإنتاج 1.9 مليار طن سنوياً تقريباً، أي حوالي 42% من إجمالي إنتاج البلاد، بحسب مطبوعة القطاع الصادرة عن “تشاينا كول نيوز”.
تقليص العمالة
يسعى مشغلو المناجم إلى تحسين الكفاءة، وتمارس الجهات الضغوط عليهم لتعزيز السلامة وتعظيم عمليات التحول الرقمي، بحسب شو جون، كبير مسؤولي التكنولوجيا بقسم التعدين في “هواوي”.
أضاف أنَّ الأتمتة يمكن أن توفر تكاليف العمالة، وهي مسألة مهمة لا سيما مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع عمر القوى العاملة في قطاع التعدين، كما ستقلل عدد الحوادث الأقل من أوقات التوقف عن العمل، مما سيزيد من الإنتاجية.
تفضل الجهات التنظيمية الصينية أيضاً المواقع التي تستخدم معدات متطورة لمنحها الموافقات، بحسب “تشاينا كول نيوز”.
قال “شو”: “نتوقَّع أن يكون النجاح في قطاع التعدين سهل المنال، بعد أن تجاهلته شركات التكنولوجيا لمدة طويلة للغاية”.
تحسن سلامة المناجم الصينية
في حين تحسنت سلامة المناجم الصينية على مدى العقد الماضي بفضل تطبيق لوائح أمان أشد صرامة، وأغلقت الحكومة العمليات التشغيلية الصغيرة، لكنْ برغم ذلك سجلت البلاد ما يفوق 600 حالة وفاة بسبب أعمال التعدين العام الماضي.
وأسفر انهيار أرضي وقع فبراير الماضي أثناء أعمال تطوير منجم للفحم في منغوليا الداخلية عن مصرع أو عدم معرفة مصير ما يزيد على 50 عاملاً في واحدة من أسوأ الحوادث بالقطاع في الذاكرة المعاصرة.
استثمر منجم “هونغليولين” مئات الملايين من اليوان في أنظمة تُقلص أعداد الأشخاص بالموقع، بحسب شي تشاو، مدير مركز الإدارة الذكي الخاص بالمنجم. يمكن للموقع تشغيل فرق عمل مكونة من 6 عمال مناجم على الأقل، بالمقارنة مع بعض المواقع التقليدية التي تحتاج لفرق مكونة من 20 شخصاً.
اختتم “شي”: “نريد في نهاية الأمر أن يعمل جميع أفراد فرق عملنا فوق الأرض”.