تنقلات القوى الكبرى فى النظام العالمى (3 6-)

شريف عطية

8:01 ص, الخميس, 15 أغسطس 19

شريف عطية

شريف عطية

8:01 ص, الخميس, 15 أغسطس 19

كانت علاقات القصر الإمبراطورى فى بكين- لقرون طويلة خلت- بالعالم الخارجى، أشبه بعلاقة السيد بأتباعه، سواء فى محيطها المجاور (..) أو سكان البلاد الأخرى- فى نظرها- «برابرة» أجانب، حيث لم يستطع الضغط الغربى أن يقضى على هذه العزلة.. حتى القرن التاسع عشر، قبل أن تندلع الثورة الشعبية الصينية 1949، لتصبح منذ ذاك حديثة العهد بإدارة العلاقات الخارجية بالمعنى المفهوم لسياسات ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا من حيث اقتفاء توجهات السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتى، سواء بحكم جوارهما أو لانتمائهما الأيديولوجى المشترك، لم يحولا بين قيادات الكرملين.. ورفض القبول بتطلع الصينيين إلى توصلهما «معا» لما سمته بكين «المرحلة الرومانسية للاشتراكية»، ما أتاح للولايات المتحدة توظيف تفاوت السرعات بين القطبين الشيوعيين.. للتسلل من خلالها مع مطلع السبعينيات (زمن الرئيس «نيكسون» ومستشاره للأمن القومى «كيسنجر»)، لإحداث شرخ يحول بين تعاظم جبهة واحدة تضم موسكو وبكين فى مواجهة واشنطن التى أمكنها بدورها تحييد الصين، فى وقت كانت المنافسة الأميركية مع الاتحاد السوفيتى لها الأولوية الأكثر أهمية، إلا أن تفكك الأخير مطلع التسعينيات (جورباتشوف)، وسقوط روسيا «المذل» لنهاية العقد (يلتيسن)، توازى مع الصعود الاقتصادى للصين منذ 1978 (هسياو دنج)، هيأت الظروف للالتقاء مجدداً بين موسكو وبكين فى العقدين الأخيرين.. لمواجهة غطرسة «الأحادية الأميركية» وللتصدى إزاء ميولها نحو الهيمنة، ورغم تعاونهما- راهنا- من خلال مجموعة دول «بريكس» إلى «منظمة شنغهاى للتنمية» وما إليهما من اتفاقات تقنية وعسكرية… إلخ، ما يضر بشكل أو آخر بالمصالح الأميركية على النحو المشهود مؤخراً، فإنه سوف يكون على روسيا فى المديين المتوسط والأبعد.. أن تواجه مقتضيات التنافس مع الصين لغير صالحها، سواء من جانب التهديد الذى قد يمثله لعلاقاتهما.. ذلك القرب الجغرافى بينهما (الذى يقوم بدور العازل للصين عن الغرب)، إذ إن هذا الجوار الذى ترغبه روسيا مجالاً حيوياً لها، سوف يكون مرشحاً بالفعل للدخول ضمن مناطق نفوذ صينية (مبادرة الحزام والطريق التى تربط تجارياً بين الصين ومناطق وسط آسيا فى الفضاء السوفيتى السابق).. وصولاً إلى الشرق الأوسط وأوروبا.. إلخ، كما قد تستخدم الصين من ناحية أخرى.. التكنولوجيا العسكرية الروسية- من خلال إتقانها لأساليب ما تسمى «الهندسة العكسية».. لتعديل الميزان الاستراتيجى.. حتى مع روسيا نفسها، ومع ذلك فمن المستبعد إمكانية اختيار روسيا جانب الولايات المتحدة.. لموازنة نفوذ الصين الصاعدة، إذ إن المسافة الأيديولوجية بين روسيا وأميركا.. ترجح تفضيل موسكو الارتباط بالصين عن أن تربط نفسها بواشنطن.. التى تشن بدورها حرباً تجارية مع بكين منذ 2018، ألحقتها فى 6 أغسطس 2019 بفتح جبهتين جديدتين، سواء بتصنيف الصين «متلاعبة فى العملات».. (تخفيض قيمة اليوان)، أو بإعلان واشنطن عن نشر صواريخ فى منطقة آسيا- المحيط الهادى.. لمواجهة نفوذ الصين (فى مجالها الحيوي)، وهما إجراءان لن تبقى الصين إزاءهما «مكتوفة اليدين»، سواء بالاستعداد لإصدار «لائحتها السوداء» فى مواجهة التصدى للحرب التجارية الجارية مع أميركا، كلاهما فيها خاسر وإضافة إلى الاقتصاد العالى ما قد يدفعهما- و اشنطن وبكين- إلى تسويات تهدف ربما إلى المزيد من تحرير التجارة بين البلدين، أو أن يؤدى الوصول إلى طريق مسدود فى حربهما التجارية.. نحو طرح احتمال اندلاع حرب أميركية ضد الصين (وروسيا)، ستكون بحسب مراقبين، أمرا مروعا، حتى لو خرجت أميركا منتصرة، وهو أمر غير مؤكد، وحيث من الصعب التكهن بالجبهة العسكرية التى سيكون على أرضها مسرح العمليات المحتمل، إذ ربما من خلال معارك استباقية أميركية تعيق شن الصين هجوماً يهدد مصالح الولايات المتحدة فى غرب المحيط الهادى التى تطالها- مثالاً- صواريخ كوريا الشمالية، أو حال إذ إقدام روسيا للسيطرة مجددًا على منطقة ما شرق أوروبا، ذلك من دون حاجة واشنطن لإنزال هزيمة مباشرة بقوات معادية، أو حال إذ قررت الصين استخدام القوة ضد «تايوان»، خاصة مع مراوغات أميركية بشأن مبدأ «صين واحدة»، حيث الأرض بالنسبة للتراث الوطنى الصينى «وديعة السماء»، أو باتجاه دول البلطيق إذا اعتزمت روسيا استردادها على غرار «القرم»، أو ما إلى ذلك من مسارح عمليات محتملة للصدام من خلال ما يسمى «التصعيد الأفقي» الذى يمكن الولايات المتحدة من توسيع نطاق الصراع إلى داخل مناطق تتمتع فيها بميزات فى مواجهة خصومها، ولتتمكن بالتالى من إلحاق الألم بهم، ما يجبرهم نهاية الأمر على الرضوخ، سواء كان ذلك بالتصادم المباشر أو بالوكالة فى إحدى مناطق النزاعات فى الشرقين الأقصى والأوسط، ما سوف يتسبب- فضلاً عن تباطؤ النمو فى الاقتصاد العالمى، وإلى تقليص نمو معظم اقتصادات الشرق الأوسط (موقع بلومبرج) بما فى ذلك إسرائيل التى تقوم فيها الصين بمشروعات بنية أساسية جوهرية.. تثير قلق واشنطن الشديد.

خلاصة القول، إن أولويات الصين، لتجديد حضارتها، بدأت بالإنتاج 1978.. وصولاً لما بلغته من مستوى عسكرى وتكنولوجى رفيع، إنما استندت فى سبيله إلى تأكيد «الماركسية» (اللينينية)، كمنهج للنظام الصينى، بأن «العوامل الاقتصادية هى التى تحدد سياسة الدولة الخارجية، ودبلوماسيتها، فى الأمد الطويل، كرهينتين- الاقتصاد والدبلوماسية- إلى حد ما بالفترة التاريخية الراهنة، وبعوامل أخرى، لا يستثنى منها البعد الجغرافي»، ما أدى بالصين للمشاركة فى تنقلات القوى الكبرى فى النظام العالمى، ومن ثم إلى تحقيق الانضباط لرأسمالية الدولة.. ولانتظام بيروقراطيتها السياسية فى الداخل وخارج حدودها بسيان.

شريف عطية

شريف عطية

8:01 ص, الخميس, 15 أغسطس 19