كان غياب روسيا الكلى عن حضور مؤتمر ميونيخ للأمن فبراير الحالى، أمرًا لافتًا، رغم اشتداد الأزمة الأوكرانية من بعد ثمانى سنوات خَلَت من اشتعالها فى 2014، بحيث باتت اليوم أقرب إلى شفير حرب عالمية من المتوقع أن تراجع كسابقاتها شكل النظام العالمى، إما لجهة استمرار «الأحادية الأميركية» الذى يتسم بالسيولة منذ تسعينيات القرن الماضى، أو لجهة نظام دولى ثلاثى «تعددى» يسعى للإعلان عن نفسه بجوار قوى راسخة أو دول صاعدة بسيان، إذ سرعان ما تنفضّ جلسات «ميونيخ» التى تبارى خلالها قادة الغرب فى إدانة موقف روسيا من الأزمة الأوكرانية.. إلا ويفجر زعيم الكرملين مفاجأته خلال خطابه التاريخى 21 فبراير بتفكيك أوكرانيا- عبر توقيعه فى حضور أعضاء مجلس الأمن القومى مرسوم الاعتراف باستقلال «جمهوريتين» فى الشرق الأوكرانى، ما تناوبته دول العالم بين مؤيد ومعارض، لربما تزيد من تعقد الأزمة بين الغرب وروسيا، وحلفائهما، إما باتجاه سعى الجانبين بالطرق السياسية للحيلولة دون حرب مباشرة بينهما، كلاهما خاسر، وإما بالاتجاه فى حالة تلافيها نحو الصدام غير المباشر من خلال استمرار «الحروب بالوكالة» فى أقاليم العالم، من بينها الشرق الأوسط «الموسع» الذى شهد تاريخيًّا الحروب العالمية، بما فيها الحرب الباردة، ليس آخِرها تعثر محادثات «فيينا» حول البرنامج النووى الإيرانى، حيث تدور المواجهة بين واشنطن فى معيتها إسرائيل، وحلفاؤهما، من جانب.. وبين روسيا والصين فى معيتهما إيران وحلفاوهما من جانب آخر، ناهيك عن خطورة توابع جمود مساعى السلام العادل للمسألة الفلسطينية، سواء لتفاعلاتها على الأرض فى شرق البحر المتوسط، أو فى منطقة الخليج، ذلك دون استثناء ما قد يترتب من جانب ثالث عن التهديدات الغربية بإنزال عقوبات مؤلمة ستُخرج روسيا من السوق المالية العالمية، ولما قد يترتب عليه من ردود فعل مضادة من جانب روسيا والصين بالنسبة للتعامل مع «السلة الدولارية» المعتمدة عالميًّا منذ ستينيات القرن الماضى، فضلًا عن إمكانية تلاعب روسيا بسوق الغاز الأوروبية، ذلك كغيض من فيض لإجراءات عدائية متبادلة وإن لا تصل إلى مستوى الحرب بل إلى شفيرها، إذ تصعد موسكو من مسألة نشر قواتها فى الشرق الأوكرانى، وفى مواجهة العزلة والعقوبات من جانب الولايات المتحدة التى سوف تفرض «حظرًا كاملًا» على مؤسستين ماليتين روسيتين كبيرتين، كما «عقوبات شاملة» على الديون السيادية الروسية، وما إلى ذلك من إجراءات على الجانبين موجهة (دون أن ترقى إلى مستوى الحرب) نحو تغيير نظام الأمن العالمى، ما يضع كلًّا من الأزمة الأوكرانية والصراع فى الشرق الأوسط فى صدارة الأحداث، المتصلة بالصدام المباشر أو الحرب بالوكالة، بما فى ذلك خطورة احتمال تفجير حرب نووية على الغرار نفسه الذى كاد يحدث فى الأزمة الكوبية 1962 أو على جبهة السويس أكتوبر 1973، إلا لو اقتدى الرئيسان الأميركى والروسى بعقلانية أسلافهما لتلافى التهديد بالحرب فى اللحظة الأخيرة
شريف عطية
6:26 ص, الخميس, 24 فبراير 22
End of current post