الصراع على المياه قديم بقدم الإنسان، قبل أن يتجدد التنافس مع ندرتها فى العصر الحديث، كالحاصل فى الشرق الأوسط على سبيل المثال – بين سوريا والعراق مع دولة أعالى نهر الفرات فى تركيا، وبين فلسطين والأردن وسوريا مع إسرائيل حول مياه نهر الأردن وبحيرة طبرية والمياه الجوفية.. إلخ، وليس آخراً بين دول حوض النيل ودولة أعالى النهر فى أثيوبيا، وحيث تمثل مصر أكثر الدول المستهلكة لمياهه السطحية فى الزراعة المروية، يليها السودان ثم أثيوبيا التى تعد أهم مصدر لمياه النيل (%85)، ذلك بالتوازى مع إزدياد أهمية تجارة المياه الافتراضية على مستوى العالم فى العقد الأخير، وبناء أثيوبيا لسد النهضة، ما قد يؤدى إلى خفض حصة مصر السنوية (55.5 مليار م مكعب).
إلى ذلك كان من الضرورى لمصر قبل إقدامها فى العام 1973 على استخدام القوة لاسترداد أراضيها المحتلة، أن تستبق الأمر بتعبئة الرأى العام الأممى إلى جانبها بناء على شرعية الاتفاقات والقرارات الدولية المقننة لمصالحها الوطنية، وهو ما يجب تطبيقه على ذات الغرار من حيث تجريب الوسائل القانونية مع أثيوبيا قبل اللجوء إلى تجريب وسائل أخرى أكثر خشونة حال عدم انصياع أثيوبيا لنواهى والتزامات اتفاقية 1959 ، خاصة مع تأكيد كل من مصر والسودان 9 أبريل الحالى.. تمسكهما بمرجعية مسار اتفاق وشنطن بحضور أثيوبيا والولايات المتحدة والبنك الدولى، والخاصة بقواعد الملء والتشغيل لسد النهضة، كذلك لما تم الاتفاق عليه فى إعلان المبادئ الموقع فى الخرطوم العام 2015 ، مؤيدة بمشروع قرار صادر مؤخراً عن وزراء الخارجية العرب للتضامن مع مصر والسودان – كدولتى المصب – فيما يخص سد النهضة، وفى التأكيد على حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، وبرفض أى إجراءات أحادية أثيوبية، ذلك فى الوقت الذى تقوم فيه سياسة مصر الحالية على تعزيز علاقتها بباقى دول الحوض (9 دول بخلاف مصر وأثيوبيا) من أجل اكتساب مزيد من المؤيدين لقضيتها، إضافة إلى زيادة موارد النهر من المياه التى يتم هدر معظمها نتيجة البخر وما إلى ذلك من مياه الأمطار، لاستغلالها فى عشرات المشروعات بدول الحوض، التى نفذت خلال الأشهر التسعة الأخيرة من يوليو 2019 إلى مارس من العام الحالى (..).
فى هذا السياق، لا وقت أنسب ولا أفضل من الوقت الحالى لتثبت جمعيات ومنظمات المجتمع المدنى، القانونية منها على وجه الخصوص، جدارتها ووقوفها على النهوض بدورها الأصيل والأصلى فى إثبات حقوق مصر والعرب التاريخية، فى مياههم التى تمثل أهم اعتبارات الأمن القومى العربى، سواء من خلال بلورة مقاربات قانونية جديدة إزاء أزمات المياه العربية بوجه عام، ومجمل علاقات مصر مع دول حوض النيل بوجه خاص، كذلك فى متابعة كل اتجاهات التغيير فى البيئة المرتبطة بسد النهضة فى الداخل الاثيوبى، إلى تطورات الموقف السودانى من أثيوبيا، والتحالف الاستراتيجى بينهما، وليس آخراً بتطورات موقف أريتريا من أطراف سد النهضة، ومع مصر إيجابا بصفة خاصة وإلى ضرورة بلورة موقف، استباقى على وجه العموم من التحالفات الراهنة فى شرق أفريقيا.. ولعدم السماح بتفاهمات مناهضة للمصالح المصرية.. بما فى ذلك حتمية وجود رؤية مصرية استباقية شاملة لمختلف أوضاع المياه والكهرباء لمصلحة تقوية الاحتياجات لشعوب دول حوض النيل، خاصة بعد تمسك اثيوبيا باستكمال سد النهضة، سواء بالسماح لمنظمات المجتمع المدنى بالحركة وبالتلازم بين التطبيقات القانونية.. وتجريبات استخدام القوة إذا لزم الأمر للحفاظ على الأمن القومى للمياه العربية.