أغلب الظن -وليس كل الظن إثما- أن أحدا من تكنوقراط الحكومة «الإصلاحيون الجدد»، لم تطأ قدماه من قبل مسرحا أو دارا للعرض السينمائي أو حتى سيركا، ولم تتفتح حواسه على جملة لحنية، في إحدى حفلات الأوبرا أو غيرها الموسيقية.
ربما ساقت الظروف ذات يوم واحدا منهم، لحضور أوبريت غنائي، تم «ضربه» وصناعته وتعليبه خصيصا فى ذكرى مناسبة وطنية، على غرار «سبوبة» احتفالات أكتوبرالسنوية، إلا أن حتى ذلك -رغم رداءة وابتذال محتواه الفني-، يبقى في حكم ذهاب المضطر سياسياً، ولا يضع ايا منهم في مصاف الذواقة المتلهف على الاستمتاع، وأشباع حاجات حقيقة، تتعلق بالفكر والوجدان.
لو كان وزيرا منهم، قد طاف في شبابه بالعشرات من الجامعات ومراكز الشباب والكثير من مسارح الدولة، لشاهد بأم عينيه عشرات الألاف من الشباب والرجال والنساء من مختلف الأعمار، جل غايتهم ممارسة دور -أي دور- في مسرحية أو مسلسل تليفزيونى او فيلما سينمائيا روائيا أو تسجيليا، ليس جميعهم بالتأكيد من الموهوبين، إلا أنهم يمثلون قاعدة عريضة، تشكل حقلا خصبا، لظهور العشرات، بل والمئات من النوابغ في مجالات الفن المختلفة، كالتمثيل والتصوير والاخراج والمونتاج والموسيقى و -لا مؤاخدة- الرقص.
والشئ المثير للدهشة والأعجاب في أن واحد، هو ذلك الاصرار العجيب من تلك القاعدة، على الاستمرار في ممارسة هوايتها ولحلمها حتى النهاية بلا يأس، دون أن تتاح سوى لنفر محدود منهم بطبيعة الحال -بحكم عملية الفرز- فرصة النجاح.
شاهدنا «على حسنين» يأتى به المخرج داود عبد السيد من بين هؤلاء، بعد أن اقترب من مشارف الخمسين من عمره، ليدفع به بطلا فى احد أهم أفلامه «البحث عن سيد مرزوق»، ثم رأينا الممثل الظاهرة «يوسف داود» يتم اكتشافه، ليصبح نجما وقدجاوز الخمسين، أما المممثل القدير المثقف -رغم أنه ليس تكنوقراطيا- محمود حميدة، والذى لعب أدوار البطولة في ثلاثة من أهم الأفلام المصرية في السنوات العشرة الاخيرة، وهي عفاريت الأسفلت وجنة الشياطين وبحب السيما، فنه لم يسطع نجمه، إلا بعد أن تزوج وأنجب ثلاثة بنات، وتجاوز -أو كاد- سن الأربعين.
وقد يتساءل وزيرا «تكنوقراطيا»: ومن يكون أصلا على حسنين أو داود أو حميدة؟، إلا أن المشكلة ليست في جهل الوزير بهؤلاء النجوم، وإنما فى عدم إدراكه من الأساس، لما تمثله القاعدة التي جاؤا منها، ويرتكنون إليها من ثروة بشرية، يمكن إذا ما احسن استثمارها، أن تعود على وزارته وعلينا بمئات الملايين من الدولارات، تحسن من العجز المزمن فى الميزان التجارى، وتساهم في تحقيق معدلات النمو المرجوة.
عندما جاءات الحكومة الحالية، توجست قليلا بسبب النزعة المحافظة، التي أعرفها عن بعض أعضاء فريق الأحلام، رغم أن جميعهم قد درس فى جامعات أوروبية وأمريكية، وللأسف فإن هذه الهواجس قد تأكدت مع إطلاعى على المذكرة، التى أعدتها مؤخرا غرفة صناعة السينما، لتقديمها إلى اتحاد الصناعات، تشكو فيها من كون صناعة السينما هي الوحيدة، التى تعرضت لزيادة الرسوم الجمركية من خلال قرار الاصلاح الجمركى الأخير!.
فهل لوزير الثقافة أن يتدخل لإنقاذ صناعة السينما وأحلام الألاف الفنانين الموهوبين من براثن التكنوقراط الجدد؟.