تقرير: السياسات الأمريكية تسببت في تحفيز الاضطرابات الاقتصادية العالمية

تصاعد المخاوف بشأن النظام المصرفي للقوة الاقتصادية العظمى

تقرير: السياسات الأمريكية تسببت في تحفيز الاضطرابات الاقتصادية العالمية
أحمد فراج

أحمد فراج

12:23 م, السبت, 19 أغسطس 23

بعد أسبوع فقط من قيام وكالة موديز بخفض التصنيفات الائتمانية لعشرة بنوك أمريكية صغيرة ومتوسطة الحجم وتلميحها إلى إمكانية خفض التصنيفات الائتمانية لبعض البنوك الأمريكية الكبيرة، واجه القطاع المصرفي الأمريكي تحديا آخر، وفقا لوكالة شينخوا.

ففي يوم الثلاثاء عقب الخطوة التي اتخذتها موديز، حذرت وكالة تصنيف دولية أخرى، (فيتش ريتينجز)، من أنها قد تخفض تصنيف عشرات البنوك الأمريكية، بما في ذلك جيه بي مورجان تشيس.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف بشأن النظام المصرفي للقوة الاقتصادية العظمى، فمن المؤسف أن الاضطرابات لم تقتصر على القطاع المصرفي، ولم تقتصر على الولايات المتحدة.

آثار جانبية

قال كريس وولف، المحلل في وكالة فيتش، في مقابلة أجرتها معه قناة أخبار المستهلك والأعمال (سي إن بي سي) أن الصناعة المصرفية في الولايات المتحدة اقتربت من “مصدر آخر للاضطراب”.

ففي وقت سابق من هذا الشهر، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من “إيه إيه إيه” (AAA) إلى “إيه إيه بلس” (AA+) ، وهو ما جعلها وكالة دولية أخرى للتصنيف الائتماني تقوم بإثارة تساؤلات حول قدرات الحوكمة والإدارة المالية للحكومة الأمريكية منذ قيام ستاندرد آند بورز بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في عام 2011.

إن “العيش عالة على الاقتراض” يصور واقع السياسة المالية الأمريكية. فعلى مدى العام الماضي، لم تؤد الزيادات الكبيرة التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي في أسعار الفائدة إلى حدوث اضطرابات مصرفية محلية فحسب، بل أدت أيضا إلى شد وجذب في الكونغرس بشأن مسألة سقف الديون.

وتأثير هذا يمتد إلى ما هو أبعد من أرض أمريكا ذاتها. فقد صرح هيديتوشي تاشيرو، كبير الاقتصاديين بشركة (إنفينيتي) اليابانية، لوكالة شينخوا بأنه طالما أن أمريكا تقترض بالدولار من دول أجنبية، فإنها تستطيع سداد الديون الخارجية بشكل مباشر من خلال طباعة عدد كبير من الدولارات، ما يخفف بدوره من عبء تلك الديون.

وأشار تاشيرو إلى أن “السياسات والممارسات غير السوقية… التي تشوه المنافسة والتجارة والاستثمار في العالم” هي بالضبط ما تلجأ إليه الولايات المتحدة بشكل استباقي.

تشديد شروط الائتمان

وذكر تقرير نشرته صحيفة ” وول ستريت جورنال” في وقت سابق من هذا العام أن “الآثار المتلاحقة لإجهاد النظام المالي في الولايات المتحدة يمكن أن تؤدي إلى تشديد شروط الائتمان وتباطؤ أكثر حدة في جميع أنحاء العالم”. فالاضطرابات في القطاع المصرفي الأمريكي لا تمثل مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة فحسب، بل تزيد أيضا من مخاطر حدوث ركود عالمي”.

وفي هذا الصدد، قال عادل محمود، رئيس منتدى القاهرة للأبحاث الاقتصادية، إن الولايات المتحدة تصدر أزمتها الداخلية لدول أخرى من خلال الاستفادة من هيمنة الدولار.

كما لفت إلى أن هيمنة الدولار تعيق عمل الأسواق المالية العالمية وستؤدي إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي العالمي مدفوعا بحالة عدم يقين واشنطن بشأن سداد ديونها.

سياسة محفوفة بالمخاطر

في 9 أغسطس، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرا تنفيذيا من شأنه أن يمنع الاستثمارات الأمريكية عالية التقنية في الصين، وهو ما أثار المخاوف بشأن استقرار سلاسل الإمداد العالمية والبيئة التجارية.

وتعقيبا على ذلك، أفادت مجلة (إيكونوميست) في مقال لها نُشر في 10 أغسطس بأن “النتيجة هي سلسلة من التعريفات الجمركية ومراجعات الاستثمار وضوابط التصدير التي تستهدف الصين”، مشيرة إلى أن إستراتيجية بايدن تجاه الصين لا توصف سوى بالفاشلة .

وأضاف المقال أنه نتيجة هذا الحصار ليست المرونة ولا الأمن، مشيرا إلى أن “سلاسل الإمداد أصبحت أكثر تشابكا وغموضا…وأصبح من الواضح أن اعتماد أمريكا على المدخلات الصينية بالغة الأهمية لا يزال قائما”.

من “فك الارتباط “إلى “إزالة المخاطر”

لقد تحول خطاب السياسة الأمريكية بشأن التجارة مع الصين من “فك الارتباط “إلى “إزالة المخاطر”، ونادرا ما يوضح صانعو السياسات من هؤلاء الذين يتحدثون نيابة عنهم. بالنسبة لبعض الساسة الأمريكيين، الانفصال عن الصين يجعلهم يشعرون بأمان أكبر، أما بالنسبة للاقتصاد العالمي، فخطر حدوث ركود يرتفع بالتأكيد.

وفي هذا السياق، قال وزير خارجية المجر بيتر زيجارتو لقناة (سي إن بي سي) خلال منتدى دافوس الصيفي لهذا العام الذي عقد في تيانجين بالصين، إن “فك الارتباط وإزالة المخاطر سيكونان بمثابة عملية انتحار يرتكبها الاقتصاد الأوروبي”.

وأضاف أن “هناك فجوة كبيرة بين التصور السياسي والواقع على الأرض. إن فك الارتباط من شأنه أن يقتل الاقتصاد الأوروبي ويلحق ضررا شديدا أيضا بالاقتصاد الألماني”.

فعلى سبيل المثال، أفادت وثيقة داخلية صدرت مؤخرا عن شركة ألمانية بأن الأمر سيكلف شركة (دويتشه بان)، مشغل السكك الحديدية المملوكة للدولة في ألمانيا، ما يصل إلى 400 مليون يورو (440 مليون دولار أمريكي) إذا اضطرت إلى إحلال جميع المكونات التي تمدها بها شركة الاتصالات الصينية العملاقة (هواوي) عبر شبكتها بمكونات أخرى.

ضائقة ديون

والأمور أكثر صعوبة خارج العالم الغربي. فقد ذكر تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي حول تجزؤ التجارة العالمية أنه بحلول بداية هذا العام، تعرضت حوالي 15% من البلدان ذات الدخل المنخفض بالفعل لضائقة ديون و45 % أخرى معرضة بشدة لخطر مواجهة ضائقة الديون.

وذكر صندوق النقد الدولي أن التشرذم قد يزيد من صعوبة مساعدة العديد من الاقتصادات الناشئة والنامية الضعيفة التي تضررت بشدة من صدمات متعددة.

لقد كان “قنبلة موقوتة” هو التعبير الذي استخدمه بايدن لوصف الاقتصاد الصيني مؤخرا، ولكن بمجرد إلقاء نظرة على الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة وكيفية انتشارها إلى العالم، قد يكون لدى المرء إجابة مختلفة.