أقام المجلس الأعلى للثقافة، بالتعاون مع مؤسسة سلطان بن على العويس، «الملتقى الدولى جابر عصفور الإنجاز والتنوير»، عُقدت جلسة تحت عنوان: «جابر عصفور رائدًا من رواد الثقافة العربية»، تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وبأمانة الدكتور هشام عزمى، وأدارها وزير الثقافة الأسبق الدكتور محمد صابر عرب، وشارك فيها نخبة من الأدباء من مختلف الدول العربية؛
من بينهم: رئيس اتحاد كتاب المغرب الكاتب والناقد الأدبى الدكتور عبد الرحيم العلام، والناقد الأدبي العراقي فخري كريم، والناقد الأدبى الليبى الدكتور فوزى الحداد،
والناقد الأدبى الأردنى الدكتور نبيل حداد، والروائى السوري خليل النعيمي، الذي جاءت مشاركته المختصرة بواسطة الفيديو،
ومن مصر شارك كل من الناقد الأدبى الدكتور حسين حمودة، والناقد الأدبى الدكتور شريف الجيار، كما شهدت الجلسة حضور الدكتور هشام عزمى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.
حمودة : عبارات العتاب البسيطة التي كان يستخدمها عصفور لا تنم إلا عن إنسانية وبساطة
تناول الدكتور حسين حمودة عدة تفاصيل حول نشأة علاقته بعصفور، توضح عدة جوانب أبرزها الجانب الإنسانى فى علاقتهما؛
حيث روى بعض المواقف التي ربطته بالراحل، وحدثت منذ عرفه كان حمودة فى مرحلة الدراسة الجامعية، وأشار إلى أنه برغم علاقتهما الرائعة كان كثيرًا ما يختلف معه في تبنّي وجهات نظر ورؤى مختلفة، ولم يظهر عصفور أي ضيق جراء هذا، إنما كان يشجعه دومًا على الاختلاف.
وأكد أنه كان يتواصل معه بصفة مستمرة، وحينما كانت تأخذه الحياة تارة ويطيل دون تواصل معه لفترة، كان يتصل به فيعاتبه عصفور بمجرد ردّه على الهاتف بعبارات عتاب بسيطة مثل لماذا لا تسأل عن أستاذك؟ ألست أستاذك؟.
وأوضح حمودة أن عبارات العتاب البسيطة التي كان يستخدمها عصفور لا تنم إلا عن إنسانية وبساطة فى علاقاته مع تلاميذه وأصدقائه.
الجيار : الراحل جابر عصفور يعدّ أحد النقاد والمفكرين التنويريين البارزين
ثم أوضح الدكتور شريف الجيار أن الراحل عصفور يُعدّ أحد النقاد والمفكرين التنويريين البارزين، في الثقافة العربية المعاصرة، بما طرحه من إسهامات نقدية ومعرفية وثقافية مستنيرة تجسد مبدأ المساءلة العقلانية، وروح الاستقلال الفكري، وحق الاختلاف مع الأبوية، والتمرد على قيود الأعراف والتقاليد الجامدة.
وتمثل امتدادًا فاعلًا ومؤثرًا لتاريخ طويل من مسيرة الوعي التنويري العربي، التي أخذت تتجلى منذ بدايات القرن التاسع عشر، مع رفاعة الطهطاوي، وخلال النصف الأول القرن العشرين، ولا سيما مع طه حسين، الذي هيمنت أفكاره الليبرالية على أجيال من الأساتذة في الجامعة المصرية؛ أمثال: عبد العزيز الأهواني، وسهير القلماوي، التي تتلمذ جابر عصفور على يديها.
وكان متشبعًا بأفكار أستاذه طه حسين، منذ نعومة أظفاره، كما قال عصفور: عرفت كتب طه حسين منذ مطلع الصبا، وكان لكتاب الأيام تأثير السحر على حياتي،
ويضيف عن العميد: فهو الذي حقق مجانية التعليم، والتي أدخلت الفقراء من أمثالي إلى المدارس الحكومية، وهو المُدافع عن التقدم والاستنارة، في مواجهة رموز التخلف والجهل، التي ورثتها الثقافة المصرية والعربية.
الجيار : تأثير طه حسين على جابر عصفور هو الأكبر من بين جميع الشخصيات التنويرية
كان تأثير طه حسين على جابر عصفور هو الأكبر من بين جميع الشخصيات التنويرية، التي تعرَّف عليها في نشأته، ارتبط به منذ صباه، وأصبح نموذجًا يسعى إلى أن يكون مثله، فمنذ طفولته، كان أبوه يدعو أن يكون ابنه مثل طه حسين.
وأكد الجيار أن عصفور أشار إلى أن هذا الحلم، كان وراء اختياره قسم الأدبي في دراسته، وقسم اللغة العربية في جامعة القاهرة بعد ذلك.
عقب ذلك عرضت بالفيديو مداخلة قصيرة للروائى السورى خليل المعينى، وتمحورت حول علاقته بعصفور، التى امتدت منذ أعوام حينما شهدت مدينة النور باريس لقاءهم خلال إحدى التظاهرات الثقافية المنعقدة آنذاك،
وأشار إلى أن عصفور كان غزير الحكي بشكل عام، وكانت أحاديثه عادةً ما تدور حول الأفكار الثقافية التنويرية، بما لها من أهمية ثقافية كبرى.
العلام : جابر عصفور كان يمتلك رؤية ثقافية ونقدية عقلانية فريدة من نوعها
فيما قدَّم الكاتب والناقد الأدبى المغربى الدكتور عبد الرحيم العلام شهادته حول أبرز الجوانب المضيئة فى حياة الدكتور جابر عصفور الثقافية، بما لعبه فقيد الثقافة العربية وقطبها الكبير، من أدوار ريادية كبرى في حركة الثقافة العربية، وفي تطوير النقد الأدبي وتجديد أسئلته ومناهجه، وفي الانتصار للفكر التنويري، من منطلق امتلاكه رؤية ثقافية ونقدية عقلانية فريدة من نوعها .
وهو ما جعله يحظى بمكانة اعتبارية رفيعة، في بلده وفى مختلف البلاد العربية وخارجها، وأشار إلى عمل جابر عصفور طوال رحلته الزاخرة بالعطاء والإنتاج والتأمل وتجديد أسئلة فكرنا النقدي العربي، على تشييد مشروعه الثقافي والفكري الكبير والمؤثر، عبر ما خلّفه للمكتبة العربية من مؤلفات وكتب رائدة في مجالها، وعبر ما نشره من مقالات ودراسات وأبحاث وترجمات.
وأكد أن عصفور كان منشغلًا بقضايا عديدة، منها: التراث والأصالة والحداثة والمعاصرة والعقلانية والتنوير والخيال والجمال والحرية، والصورة والمرآة ومفهوم الشعر ومفهوم النقد والوعي والمناهج النقدية، والنظرية النقدية ونقد النقد والزمن الإبداعي، والمثاقفة والترجمة ومستقبل الثقافة العربية، وغيرها من القضايا التي شرع ناقدنا العقلاني في تناولها منذ وقت مبكر، بكل ما يملك من عدة منهجية ومعرفية جديدة .
وأكد أنه موازاة مع ذلك، راود جابر عصفور حُلمٌ آخر كبير، سهر على تحقيقه من خلال المركز القومي للترجمة، بما لزم من جدية ومسئولية، يتمثل في النهوض بحركة الترجمة إلى العربية من لغات أخرى مختلفة، جاوزت الثلاثين لغة؛ من منطلق إيمانه الراسخ بالتجدد والتغير- على حد قوله،
ومن منطلق رغبته في تحقيق حلمه متمثلًا في ترجمة الأصول والكتب الأساسية من المؤلفات ومن مصادر المعرفة، في حرص تام من جابر عصفور على أن يوصل للآخرين كمًّا من المعارف التي تساعدهم على تطوير طرائق تفكيرهم وأبحاثهم وإبداعاتهم، وعلى رسم خرائط عقلية جديدة.
كريم : جابر عصفور جعل المجلس الأعلى للثقافة بمثابة بيت للمثقفين المصريين والعرب كافة
وتناول الكاتب العراقى فخري كريم، خلال كلمته، أبرز ما قدمه الدكتور جابر عصفور للثقافة العربية بشكل عام، مؤكدًا نجاحه فى جعل المجلس الأعلى للثقافة بمثابة بيت للمثقفين المصريين والعرب كافة، ومنبر تنويري،
مما أسهم بدوره في إثراء حركة الثقافة والتنوير عربيًّا؛ فقد بات المجلس الأعلى للثقافة رمزًا بارزًا للثقافة والتنوير، وشكّل حائط صد في مواجهة الأفكار المسمومة التى تبثها الجماعات الإرهابية فى مختلف أرجاء العالم العربى،
كما أكد، فى مختتم حديثه، أن عصفور أسهم فى نجاح العديد من المبادرات والمؤسسات التي عملت على إنعاش الحركة الثقافية في مصر والوطن العربى، وأهمها تلك المؤسسات بطبيعة الحال المركز القومي للترجمة.