منذ بداية الثورة الصناعية، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيس للتغير الحالي في المناخ، وذلك ما أدى في 2023 إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض والمحيطات بنحو 1.2 درجة مئوية من متوسط القرن العشرين، حسب دراسات عديدة منشورة.
ويتسبب ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض في سلسلة من التأثيرات، مثل زيادة مستوى سطح البحر وانخفاض الجليد في القطب الشمالي، وتكثيف الكوارث المرتبطة بالطقس، مما يضع صمود البشرية أمام تلك الكوارث على المحك.
وربما يكون تغير المناخ هو الخطر الأكثر تعقيدًا الذي يواجهه المجتمع اليوم، فهو خطر متداخل بين الأجيال ودولي ومترابط، ومن الضروري تحديد التحديات والتخفيف منها والتكيف معها بسرعة، لا سيما مع انتقال العالم إلى اقتصاد منخفض الكربون وتكثيف المخاطر البيئية.
“المال” قامت بدراسة استقصائية حول الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ، باعتباره قضية حاسمة في الوقت الراهن، فالآثار التغيرات البيئية واسعة النطاق وغير مسبوقة، فأنماط الطقس تهدد إنتاج الغذاء، وارتفاع مستوى سطح البحر يزيد من خطر الفيضانات الكارثية، إلى جانب آثار أخرى، وسيكون التكيف معها أكثر صعوبة وأعظم تكلفة في المستقبل إذا لم تُتخذ تدابير جذرية الآن.
فهناك حاجة إلى تدابير أكثر صرامة، فمن المتوقع أن تصل درجة الحرارة العالمية إلى متوسط قدره 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول 2100، وهو ما يتجاوز بشدة أهداف اتفاق باريس 2015، وفق بيانات “ستاتيستا”.
وجدير بالذكر، أن الحكومة المصرية -مؤخرًا- تعمل على مكافحة تغير المناخ وتحقيق تعافٍ أخضر، وقد أصدرت أول سندات خضراء في الشرق الأوسط وأفريقيا بقيمة 750 مليون دولار، كما رحّبت بخطط القطاع الخاص لإصدار سندات خضراء تصل قيمتها إلى 200 مليون دولار، إضافة إلى جهود صندوق مصر السيادي في مجال تغير المناخ من خلال الاستثمار في المشاريع الخضراء.
لمحة ورؤية
في عام 1992، نظّمت الأمم المتحدة قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل، وأدّت إلى اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وتأسيس أمانتها التنسيقية، واتفقت الدول على تحقيق استقرار تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ووقّع 197 طرفًا على هذه المعاهدة.
ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في عام 1994، ومنذ ذلك الحين تجمع الأمم المتحدة الدول سنويًا في قمة المناخ (مؤتمر الأطراف COP) وخلال الدورات الـ29 الماضية تفاوضت الدول على حدود ملزمة للانبعاثات، مثل بروتوكول كيوتو في 1997، واتفاقية باريس في 2015، مما زاد من الجهود المبذولة للحد من تغير المناخ.
وحسب “ستاتيستا”، فإن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية تعمل كطبقة إضافية في الغلاف الجوي، حيث تحبس حرارة الشمس وترفع درجات الحرارة، وكانت هذه الانبعاثات، الناتجة في المقام الأول عن حرق الوقود الأحفوري، في اتجاه تصاعدي مستمر لعقود من الزمن، حيث وصلت إلى مستوى عالمي جديد في السنة الماضية عند 53.8 مليار طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بينما في عام 2023 وحده قد فقد العالم ما يقرب من 28.3 مليون هكتار من الغطاء الشجري، وهي زيادة تفوق الضعف مقارنة بمستويات عام 2001.
ومن ثم، فإن هناك ضرورة لتضافر الجهود المشتركة بين كيانات التأمين وإعادة التأمين والهيئات التنظيمية لرفع مستوى الوعي في جميع المجتمعات بشأن خطورة قضايا المناخ، وكذلك تشجيع القطاع على تطبيق مبادئ الاستدامة والتركيز على إعداد التقارير ذات الصلة والحوكمة.
إضافة إلى أهمية الدور الحاسم للبنية التحتية الحيوية، مثل الجسور والأنفاق والممرات المائية، حيث إن أخطار المناخ يمكن أن تسبب أضرارًا جسيمة لهذه البنية التحتية، فعلى سبيل المثال، أي ضرر مناخي متعلق بقناة السويس -مثلًا- بدون تغطية تأمينية مستدامة سيشكل تهديدًا كبيرًا عليها باعتبارها ممر عبور حيوي إضافة إلى حصتها في التجارة العالمية.
وأوضحت دراسات مختلفة أن جميع الأطراف المعنية يجب أن تسرع جهودها لمعالجة الأخطار المناخية من خلال تشكيل شراكات بين أجهزة الدولة وقطاع التأمين، والبحث عن طرق مبتكرة للتغلب على التحديات المتعلقة بالمخاطر المحتملة، ووضع خطط تأمينية مناسبة لهذا الغرض.
مشكلات تغير المناخ والمجتمع المستدام
فقد أكدت دراسة “قدرة التأمين على العمل کآلية لإدارة مخاطر تغير المناخ” للدكتورة مها محمد زكي علي والمنشورة بالمجلة العلمية لقطاع كليات التجارة بالعدد 24 لسنة 2020 -حصلت “المال” على نسخة منها- على أن تحديد المخاطر ومعالجتها من خلال التأمين ليس رفاهية، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتعرض وحدة بنية تحتية حيوية في الدولة للتلف، مما يستلزم تحديد أفضل السبل لمعالجتها.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن تواجه قناة السويس أعاصير وموجات حر مرتبطة برياح الخماسين، ومن ثم، سيكون مصدر دخل قومي رئيسًا معرضًا للخطر، بدون التأمين في مثل هذه الحالات.
ودعت الباحثة في دراستها جميع الجهات إلى استكشاف حلول مبتكرة لاستخدام الموارد الطبيعية لمعالجة مشكلات الطاقة والحفاظ على مجتمع مستدام، وهذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتأمين، حيث يجب على شركات القطاع وشركات إعادة التأمين اتخاذ قرارات بشأن الأنشطة التي تتضمن ملوثات بيئية ودعم التحول إلى الطاقة النظيفة.
وأشارت إلى أن تغير المناخ، من خلال أحداث الطقس المتطرفة مثل الأعاصير المدارية والتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر، يسبب أضرارًا كبيرة بسبب الكوارث الطبيعية الناجمة عن ذلك، وهذه الأضرار إنما تحدث من جراء زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة في الدول الصناعية الغنية، بينما غالبًا ما تتحمل الدول النامية وطأة عواقبها، وبالتالي، فإن تعويض الخسائر والأضرار يعد موضوعًا رئيسًا يرتبط بشكل مباشر بقطاع التأمين وشركاته بجميع أنواعها.
وذكرت أن قضايا تغير المناخ أصبحت تحديات عالمية تثير قلقًا دوليًا، فالبلدان الصناعية الكبرى المسئولة عن الانبعاثات تشعر بقلق عميق بشأن ذلك، بينما تكافح الدول الأكثر تأثرًا بالتقلبات البيئية تكاليف معالجة الأضرار، وهنا يتضح دور التأمين، مثلما واجه أزمات كبيرة من قبل وأثبت استجابته لجائحة كوفيد-19 إحساسًا قويًا بالمسئولية وقدرته على تلبية توقعات العملاء، وبالتالي، يُلهم التحدي الجديد المتعلق بتغير المناخ شركات التأمين أن تكون في طليعة التحول إلى الاقتصاد الأخضر مع تحقيق حماية المجتمع من الأوبئة والتهديدات الأخرى.
والجراف التالي حرره الكاتب، يبين مقدار ارتفاع درجة حرارة الأرض والمحيطات في آخر 50 عامًا (1973-2023):
“متناهي الصغر”.. حماية للمهمشين
وبينت الدراسة الحاجة إلى الاهتمام بالتأمين متناهي الصغر، فليس من السهل على الأفراد ذوي الدخل المنخفض التكيف مع الكوارث، وبالتالي، فإن واحدة من أهم التحديات التي تواجه جهات القطاع هي تصميم منتجات يمكن بيعها بتكاليف منخفضة مع معالجة ضعف إقبال العملاء على شراء هذه المنتجات طوعًا، فهذا النوع من التغطيات يساعد في تقليل معدلات الهجرة من المناطق المعرضة للمخاطر.
واعتبرت الباحثة التأمين متناهي الصغر على الكوارث وسيلة لتوفير تأمين على الحياة والصحة للأسر ذات الدخل المنخفض بشكل يمكن الوصول إليه وميسور التكلفة، كما يوفر تغطية لتعويض فقدان الأصول الصغيرة والمواشي والمحاصيل في حالة وقوع كارثة طبيعية أخرى.
وأوضحت أن المخاطر المناخية إنما تهدد العديد من فئات الدخل المنخفض، مما يؤثر على سبل العيش الزراعية والأعمال التجارية والصحة وحياة الأفراد، وبالتالي، يظل التأمين ضد الكوارث أمرًا لا مفر منه للأسر الفقيرة والشركات الصغيرة، حتى وإن لم يدركوا أهميته بالكامل.
وأوصت بتضافر جهود شركات التأمين وإعادة التأمين والهيئات التنظيمية لزيادة الوعي العام بخطورة القضايا المناخية، مع استكشاف جدوى تقديم منتجات تأمينية إضافية، وينبغي القيام بذلك بمساعدة الخبراء الإكتواريين وتدريب موظفي الشركات.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة في الملف التالي:
ومن الجدير بالذكر، أن الاتحاد المصري للتأمين يستهدف تشجيع شركات التأمين على العمل في المجالات التي تهدف إلى تحقيق “صافي انبعاثات صفرية” بحلول عام 2050 من خلال محافظ الاكتتاب الخاصة بها. وسلط الضوء على دمج الاستدامة في استراتيجيات الاستثمار الرأسمالي، والبنية التحتية للشركات، والاتصال المؤسسي، وتطوير الموارد البشرية، والقيادة، وإدارة المخاطر، والتسعير، وخدمة العملاء، والمبيعات، وإعادة التأمين السلبي، وإدارة الأداء، ومعالجة المطالبات، وتطوير المنتجات.
القضية تؤثر على الكوكب بأسره
وللحديث عن آثار المشكلة البيئية والمناخية وأثرها على الاستقرار المالي، فقد أصدر صندوق النقد العربي دراسة -حصلت “المال” على نسخة منها- بعنوان “تداعيات تغير المناخ والكوارث البيعية على الاستقرار المالي” أعدها نبيل العذاري ورامي يوسف عبيد، أكدت على أن شركات التأمين يجب عليها مراجعة خططها وأهدافها في ضوء توصيات قمم المناخ المتتابعة COP، فتغير المناخ ليس قضية معزولة، بل له عواقب اقتصادية واسعة النطاق، ومع تعدد التحديات التي يواجهها العالم، يتعين على كيانات القطاع دراسة المشكلات التي قد يواجهها المجتمع بعد دق ناقوس الخطر نتيجة التقلبات البيئية الحالية والمحتملة.
وأكد الباحثان على أهمية معالجة قضايا المناخ بسبب تأثيرها العميق على الكوكب بأسره، بينما يلعب التأمين دورًا داعمًا في مواجهة هذه القضايا من خلال الشراكات مع القطاعين العام والخاص، ودعم جميع المجتمعات، وزيادة الوعي العام بالحلول التأمينية التي يقدمها القطاع، لا سيما للمجتمعات الأكثر عرضة للمخاطر التي استهدفتها قمم COPلتعزيز قدرتها على الصمود.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة في الملف التالي:
ووفق بيانات “ستاتيستا”، فقد بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة حوالي 14.7 مليار طن متري في 2022، وهو القطاع الرئيس لانبعاثات ذلك الغاز في العالم، ولذلك، أصبح التحول إلى تقنيات إنتاج الطاقة الخضراء أحد الحلول الرئيسة ضد تغير المناخ، ومن ثم، ارتفعت الاستثمارات في الطاقة المتجددة منذ بداية القرن الحالي لتصل إلى ما يقرب من 500 مليار دولار بنهاية 2022.
وحسب “ميونخ ري” في تقريرها المنشور في 3 من الشهر الجاري، فقد أسفرت الأعاصير المدارية في شمال المحيط الأطلنطي وشمال غرب المحيط الهادي عن خسائر إجمالية بلغت نحو 133 مليار دولار، منها نحو 51 مليار دولار مؤمنًا عليها، وهذه الأرقام أعلى بكثير من المتوسط خلال الـ10 أعوام الماضية (89.2/35.1 مليار دولار) والـ30 الماضية (62.6/23.7 مليار دولار)، وهذا يعني أيضًا أن الخسائر المؤمن عليها من الكوارث الطبيعية بنهاية السنة الحالية سوف تتجاوز بالفعل عتبة 100 مليار دولار.
ويمكن الاطلاع على الخريطة التالية من “ميونخ ري” -حصلت “المال” على نسخة منها- في الملف التالي لتوضيح السابق:
التصدي للمخاطر التي تلحق بالمزارعين
وأوصت دراسة لوكاس فريشي ساتو ونورجيلا محمد -حصلت “المال” على نسخة منها- الصادرة عن مركز السياسات الدولية من أجل النمو الشامل بعنوان “دور برامج التأمين الاجتماعي في التصدي للمخاطر التي يواجهها العاملون في قطاع الزراعة في منطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أن قطاع التأمين إنما عليه أن يأخذ بعين الاعتبار التعاون مع الجهات التي قد تتأثر بالأضرار التي تكشفها مختلف الأبحاث، مثل هيئة الأرصاد الجوية ووزارات الزراعة والري والسياحة والنقل، وذلك لتجنب المواجهات الفردية مع المخاطر من قبل كل جهة على حدة، ولتسهيل استيعاب التغيرات المناخية الحالية والمستقبلية، وتعزيز روح “التضامن الإداري” في المجتمع.
وأبرزت الدراسة أن النتيجة الرئيسة التي تناولتها قمم المناخ COPإنما تتلخص في ضرورة رفع مستوى الوعي التأميني بين الجمهور، وكذلك دفع شركات القطاع من خلال اللجان الفنية لتعزيز الاستدامة، واعتماد الحوكمة، واستخدام الأساليب الرقمية والتكنولوجية الحديثة لتحقيق الشمول المالي.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة في الملف التالي:
أفريقيا.. تدفع ثمنًا لا قِبل لها به
وحسب “ستاتيستا”، فإن أفريقيا تدفع ثمن أزمة لم تساهم في خلقها إلا قليلًا، فالقارة هي الأقل مساهمة في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، حيث إنها بالكاد لا تسهم سوى بـ4% من الانبعاثات العالمية، ومع ذلك فإن الدول الأفريقية معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان، وتحتل البلدان الأفريقية مرتبة بين أكثر البلدان عرضة لتأثيرات تغير المناخ، ويفرض ارتفاع درجة حرارة الأرض مخاطر مختلفة على القارة السمراء، من خلال التأثير على الزراعة وتهديد الأمن الغذائي وزيادة الفقر وإعاقة التقدم الاقتصادي.
والجراف التالي حرره الكاتب، يبين توزيع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري عالميًا في 2023:
وكان الاتحاد المصري للتأمين، في دوريته الأسبوعية رقم 85، إلى دراسة التغطيات الضرورية من منظور يركز على الحفاظ على البيئة ومواكبة تغير المناخ، في جميع الفروع بجميع المحافظات، لتكييف سياسات العملاء في هذه المناطق وتحسين مستويات الخدمة لجذب شريحة تأمينية أكبر.
كما دعا الاتحاد قطاع التأمين إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات لمعالجة قضايا الاستدامة لدعم الاقتصاد الأخضر، فتغير المناخ خطر تنظيمي إستراتيجي لا يمكن إدارته فقط من خلال فرق إدارة المخاطر أو الشئون التنظيمية، وإنما يجب ربط الاستدامة برؤية وإستراتيجية الكيانات، مع وجود خارطة طريق واضحة تشمل الجميع في إيجاد الحلول وتحديد المعايير والشفافية والمقارنة المعيارية وتحسين الأهداف البيئية والاجتماعية وتحديد مستوى الابتكار المطلوب لسد الفجوة الحالية.
ولتقليل إنتاج ثاني أكسيد الكربون -أحد الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي الأكثر بروزًا- بدأت العديد من البلدان في تنفيذ نهج موجه نحو السوق، مثل ضرائب الكربون وأنظمة تداول سنداته، لمكافحة تغير المناخ من خلال تحديد سعر صريح للانبعاثات وتشجيع الشركات على إيجاد طرق فعالة من حيث التكلفة لخفضها، وبنهاية مايو السابق كانت هناك 57 آلية لتسعير الكربون العاملة عالميًا، وهي زيادة كبيرة منذ 1990، وهو العام الذي أصبحت فيه فنلندا أول دولة في تفرض ضريبة الكربون، حسب بيانات “ستاتيستا”.
والجراف التالي حرره الكاتب، يبين متوسط مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بجميع أنحاء العالم من 1959 إلى 2023:
الوعي.. وثبة في الطريق الصحيحة
وحسب رسالة ماجستير الباحثة نور سلام ماء البارد بعنوان “أثر متغيرات البيئة الداخلية في أداء شركات التأمين -دراسة تجريبية على شركات التأمين في سورية-” المنشورة بكلية الاقتصاد بجامعة تشرين لسنة 2014، فإن افتقار الوعي التأميني ليس مقصورًا على فئات محددة، سواء المتعلمة أم غيرها، لأنه نابع من إهمال القطاع لدوره في توعية الناس بأهمية الأنشطة التأمينية على مدار سنوات عديدة سابقة، فضلًا عن القدرة الشرائية للتأمين داخل المجتمعات.
وأوضحت الدراسة أن شركات التأمين قد عالجت هذا الإهمال الماضي مؤخرًا من خلال زيادة تواجدها على منصات التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية والمناقشات العامة، ويتزامن ذلك مع تحول القطاع نحو التأمينات الصغيرة (التأمين متناهي الصغر) لتلبية احتياجات ذوي القدرة الشرائية المحدودة.
وأكدت أن دراسة التغيرات البيئية قد لفتت انتباه المؤسسات إلى هذا النطاق الجديد من المخاطر، ويتماشى ذلك مع التركيز العالمي على التأمين كشبكة أمان لجميع الكيانات عند وقوع المخاطر، مما يساهم في نمو القطاع.
وذكرت أهمية دور الإعلانات والأدوات الترويجية في دفع أهداف التأمين إلى الأمام ورفع مستوى الوعي بالقطاع في المجتمع، وسلطت الضوء بشكل خاص على النتائج الإيجابية للمشاركة مؤتمر توسيع نطاق القطاع ليصل إلى شرائح أكبر من أي وقت مضى.
وأضافت الدراسة أن كيانات التأمين يجب أن تدرك المنافسة الحالية في الوقت الذي تعزز فيه ثقافة واسعة للتعاون إلى جانب المنافسة، فهذا النهج بمثابة أساس لإستراتيجيات شركات التأمين حيث تبنّي النظم البيئية لتتكامل مع القطاعات الأخرى.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة في الملف التالي:
وجدير بالذكر، أن الاتحاد المصري للتأمين قد أنشأ لجانًا متخصصة لـ”التأمين المستدام” و”التأمين الزراعي”، ووقع بروتوكول تعاون مع مركز الاستدامة التابع للهيئة العامة للرقابة المالية، وعقد عددًا من ورش العمل والمؤتمرات والندوات لمناقشة تغير المناخ والكوارث الطبيعية وتحقيق التأمين المستدام، كما عمل مع وسطاء وشركات إعادة التأمين الكبرى لتحديد الحل الأمثل لمواجهة مخاطر المناخ.
وجاءت تلك الإجراءات في ظل موجة التضخم العالمية، والتحولات الهيكلية في النظم الاقتصادية الحديثة، والمنافسة الشرسة، والأوبئة المنتشرة على نطاق واسع، والنزاعات المستمرة، إذ يجب على قطاع التأمين تطوير خطط قصيرة وطويلة الأجل لامتصاص جميع المخاطر ومعالجة الاضطرابات الاجتماعية، بينما أصبح قطاع التأمين أكثر أهمية بشكل متزايد لتعزيز الاقتصاد العالمي وتحقيق التعافي المالي وخلق أنظمة حماية أكثر قبولًا اجتماعيًا.
ووفق دراسة لـ”هانوفر ري” بعنوان “المناخ يسخن عالميًا.. الكوارث المرتبطة بالمناخ”، أكدت الشركة العالمية أن شركات إعادة التأمين قد قامت بالفعل بتغيير نماذج التسعير الخاصة بها بشكل أسرع من المتوقع، ولم يتم فهم الإطار الزمني للتغيرات المرتبطة بالمناخ بشكل كامل حتى الآن، إذ يمكن أن الافتراض أن تغير المناخ لن يؤثر فقط على أعمال العقارات، بل سيكون له أيضًا تأثير على تغطيات المسئولية وربما على سياسات الحياة والصحة، ففهم التأثيرات الطويلة الأجل لتغير المناخ يشكل عنصرًا أساسيًا في تقييم المخاطر على النحو اللائق، نظرًا لتزايد الخسائر المرتبطة بتغير المناخ من حيث التكرار والشدة، ومن الأهمية بمكان التشكيك في موثوقية بيانات الخسائر التاريخية وتعديل النماذج عند الضرورة.
ولا بد من الإشارة إلى أن منتجات التأمين ميسورة التكلفة التي تناسب الظروف المجتمعية المتغيرة إنما تزيد من رغبة العملاء في الشراء، وهذا يتطلب تقديم حلول تأمينية مرنة ومناسبة تلبي احتياجات العملاء، والوصول إلى المزيد من الجمهور، وإشراكهم بشكل فعال، وتحليل بيانات السوق المتنوعة بكفاءة.
إعادة التأمين.. حلول جذرية وتنمية مأمولة
يؤثر تغير المناخ على شدة الكوارث الطبيعية وتكرارها، وتتجلى هذه المخاطر بطرق مختلفة في مختلف أنحاء العالم، حيث المزيد من الفيضانات المحلية والأمطار الغزيرة والجفاف المطول وحرائق الغابات الشديدة وغيرها من الأحداث المناخية المتطرفة، ومن الأهمية بمكان التكيّف مع المخاطر المتزايدة وجعل المجتمعات أكثر قدرة على الصمود.
ولكن التكيّف وحده لن يكون كافيًا، فإذا لم يتم التخفيف من آثار تغير المناخ فقد يؤدي ذلك إلى إحداث نقاط تحول بيئية، وهو ما من شأنه أن يغير المناخ بشكل دائم ويُلحق الضرر بكوكب الأرض بشكل لا رجعة فيه ويهدد سبل العيش للعديد من الناس، ويزداد هذا السيناريو الأسوأ احتمالًا مع استمرار انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي في الوصول إلى مستويات قياسية، وسوف يتطلب تحقيق هدف اقتصاد خالٍ من الانبعاثات بحلول منتصف القرن الحالي تغييرات جذرية في استخدام الأراضي وإنتاج الطاقة والاستهلاك والعمليات الصناعية والبناء وأنظمة النقل وتنمية المدن.
لقد أصبح تغير المناخ يشكل خطرًا يمكن إدارته بالنسبة لشركات إعادة التأمين، ومع ذلك فإن التهديد المتزايد مثير للقلق، واستجابة لذلك فإن القطاع يحتاج إلى تحسين نماذج المخاطر لتقييم الأخطار المناخية بشكل أفضل، وتتمثل المهمة في ضمان تطوير القدرات اللازمة، للتمكن من تغطية أخطار الكوارث الطبيعية في المستقبل.
ويمكن لشركات إعادة التأمين أيضًا أن تلعب دورًا رئيسًا في تعزيز الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، من خلال توفير حلول لإدارة المخاطر المرتبطة بالاستثمارات واسعة النطاق في التكنولوجيا الجديدة والابتكار.
ومع تزايد وضوح التهديد المناخي عالميًا، فمن الجيد أن تعمل الشركات والحكومات على اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من أسباب مخاطر المناخ والتأمين على ما لا يمكن تخفيفه.
فالتأمينات لا تغطي أغلب الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية، بما في ذلك تلك الناجمة عن تغير المناخ، وهذا يعني أن ملايين الأسر والشركات تواجه فجوة حماية كبيرة ومتزايدة الاتساع، وبفضل حلول إعادة التأمين التي تقدمها الشركات العالمية والإقليمية فإنها تحمي المجتمعات والشركات من التداعيات المالية الناجمة عن الكوارث الطبيعية، مما يساعدها على التعافي بسرعة بعد الكوارث والتكيف مع تغير المناخ.
والجراف التالي حرره الكاتب، يبين تطور حجم خسائر سوق التأمين بسبب الكوارث العالمية منذ 2005 وحتى 2022:
وعلى الرغم من تأثير تغير المناخ السلبي على المجتمعات والصحة والعالم الطبيعي، إلا أن تغير المناخ قد يصبح أيضًا عبئًا دائمًا على الاقتصاد، وبدون إدارة مخاطر المناخ والحد بشكل كبير من انبعاثات الكربون بهدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، فإن الاقتصاد العالمي سوف يتقلص دوره كثيرًا بحلول منتصف القرن الحالي بسبب خسائر الدخل والإنتاجية، إلا أن شركات إعادة التأمين العالمية تقدم حلولًا مبتكرة للرحلة نحو اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية من خلال تقليل المخاطر المرتبطة بمشروعات الطاقة المتجددة والبنية الأساسية مع المساعدة في دفع النمو المستمر والاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، كالطاقة المتجددة وطاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية والكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية وتخزين البطاريات بالإضافة إلى مشاريع تحسين الشبكات.
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف نتعامل على نحو أفضل مع مصدر مشكلة تغير المناخ بشكل جذري وكيف نتجنب العواقب الأكثر ضررًا؟ سيبقى ذلك من خلال التكيف مع التأثيرات التي لا يمكن تجنبها بالفعل ولا يمكن لأي صناعة أو منطقة بمفردها أن تفعل هذا ولا يمكن تحقيق مواجهة تحدٍ بهذا الحجم إلا من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لا سيما وأن الكوارث الطبيعية قد أدت إلى خسائر مؤمنة بلغت 108 مليار دولار خلال العام الماضي، وتجاوزت الخسائر المؤمنة 100 مليار دولار للعام الرابع على التوالي، بينما بلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية من جراء العوامل المناخية في العام الماضي 280 مليار دولار، مما يعني أن 60٪ من التعرّضات العالمية كانت غير مؤمنة، وذلك حسب بيانات “سويس ري” في مراجعاتها لـ2023.
والجراف التالي من تحرير الكاتب، يبين رحلة الخسائر العالمية إثر الكوارث الطبيعية في 20 سنة (2002-2022):
وإذا أصبحت الظواهر الجوية المتطرفة أكثر تكرارًا أو شدة، فإن الخسائر سوف تزداد، ما لم يتم تنفيذ تدابير تخفيف محددة، وقد تشمل تدابير الهندسة الإنشائية أو فرض لوائح أكثر صرامة بشأن استخدام الأراضي، وهناك أدلة علمية على تأثير تغير المناخ على العواصف الرعدية الشديدة المصحوبة بالبرد في أمريكا الشمالية وأوروبا، وعلى حرائق الغابات في كاليفورنيا، وعلى موجات الحر والجفاف بأفريقيا.
وهكذا، فإن قطاع التأمين يتأثر بشكل مباشر بعواقب تغير المناخ، وتؤدي الظروف الجوية المتطرفة إلى ارتفاع مستويات الضرر الذي يلحق بالمباني والبنية الأساسية، فضلًا عن نقص المحاصيل في الزراعة، وهناك في الأساس تحدٍ رئيس، وهو: تطوير حلول للتخفيف من الخسائر عبر نقل المخاطر، من خلال التأمين وإدارة المحافظ الاستثمارية.