من رحم المعاناة يولد الإبداع، هكذا يبدو لسان حال القائمين على تطبيق «back up Ukraine» الذين ابتكروا حلًا تكنولوجيًا يهدف إلى حفظ التراث الثقافى والحضارى فى العاصمة الأوكرانية كييف من الاندثار والضياع على خلفية الحرب مع روسيا.
التطبيق الجديد طوره فريق إبداعى مقيم فى الدنمارك، ويتبع شركة فيرتشو المتخصصة فى مجال تطوير التطبيقات والأنظمة المتكاملة، وذلك بالتعاون مع شركة بولى كام العاملة فى مجال تصنيع الماسحات الضوئية ثلاثية الأبعاد لاستخدامه فى توثيق المعالم الأثرية الأوكرانية، التى تشمل التماثيل والكنائس القديمة رقميًا رغبة فى الحفاظ عليها من ويلات الحرب.
قال تاو تومسن، المدير الإبداعى للابتكار فى شركة فيرتشو، إن تطبيق back up Ukraine يستهدف الحفاظ على معالم أوكرانيا، وحماية هويتها الحضارية والمدنية، خاصة أن تدمير معالم الدول الحضارية –على حد تعبيره– يعد من أساليب الحرب النفسية التى تشنها القوات الروسية على أى دولة تغزوها منذ الحرب العالمية الثانية، مثل غزو العاصمة الشيشانية “جروزني” فى تسعينيات القرن الماضى والعاصمة الأوزبكية “طشقند”.
وأوضح “تومسن” لـ”المال” فى أول حوار صحفى عبر تقنية الفيديو كونفراس – أنه وفقًا لتقديرات منظمة اليونسكو، فإن حوالى 53 موقعا ثقافيا وأثريا أوكرانيا تم تدميرها من قبل القوات الروسية منذ بداية الحرب وحتى الآن، الأمر الذى أكدته روايات شهود عيان من الشعب الأوكراني، لافتًا إلى أن معمل مراقبة التراث التابع لجامعة فيرجينيا الأمريكية قدر المواقع الأثرية الأوكرانية المتضررة من القصف الروسى بنحو 191 موقعًا، مستندين فى ذلك إلى صور الأقمار الصناعية لأماكن القصف.
ونوه بأن التقنية التى يعتمد عليها التطبيق تم تطويرها بواسطة شركة بولى كام، وهى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى مبنية على أحدث خوارزميات المسح الضوئي، متابعًا أن التطبيق يستهدف خلق أرشيف سحابى للمواقع الثقافية فى أوكرانيا، والبالغ عددها 26 ألف موقع –على حد تقديره.
وتابع “تومسن” أن التقنية تعيد إنشاء مراكز البيانات القائمة استنادًا إلى بيانات الكاميرا وموقع الشخص الذى يقوم بالتصوير، إلى جانب معلومات مفصلة للصور من عدة زوايا متداخلة بمساعدة مستشعر الجيروسكوب الذى يستخدم فى التصوير بتقنية 360 درجة الذى يعد من أهم وأشهر المستشعرات الموجودة فى الهواتف الذكية بالوقت الحالي.
وألمح إلى أن قائمة المواقع الأثرية التى تدمرت فى “كييف” جراء الغزو الروسى تضم كنائس يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، إضافة إلى عدد من التماثيل والمواقع التذكارية، ومنها (قبور المفكرين والكتاب وزعماء أوكرانيا)، منوهًا بأن التطبيق تم طرحه رسميًا منتصف أبريل الماضى بعد استكمال كل المستندات القانونية بين الفريق المطور وعدة جهات دولية أخرى متخصصة فى حماية التراث الإنساني، مثل منظمة اليونسكو ومؤسسة بلو شيلد الأمريكية.
وقال “تومسن” إنه تم الاتفاق مع الجهات السابقة على عدة شروط، منها أن يكون الأرشيف الرقمى للقطع الأثرية متاحًا لمسئولى الثقافة والمتاحف الأوكرانية والمدنيين فى أى وقت ولمدة لا نهائية، إلى جانب توقيع عقود تلزم مطورى التطبيق عدم التربح من وراء إطلاقه.
وذكر أن من أبرز المعالم السياحية التى تمت إضافتها للتطبيق تمثال القديس أندرو بالعاصمة كييف، والذى تم الكشف عنه أثناء الاحتفال بمرور 1500 عام على إنشاء كييف، إضافة إلى تمثال القس فلاديمير سوبودان بابا الكنيسة الأورثوذكسية الأوكرانية، إلى جانب تمثال نافورة “عروس البحر” فى ليفيف وتمثال الأديبة “أولينا بتشيلكا” التى تعد من أهم الروائيين والناشرين فى أوكرانيا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بمدينة لاتسك شمال البلاد.
وفى سياق متصل، كشف “تومسن” أن التطبيق متاح بالمجان للتحميل والاستخدام على هواتف الآندرويد والآيفون داخل الحدود الأوكرانية، منوها بأن منظومة الأرشيف والمسح الرقمى المطورة من قبل فريق العمل لاقت استحسان العديد من مسئولى الثقافة فى عدة دول أوروبية، إلى جانب تلقى طلبات للتعاون والشراكة من قبل متخصصين فى مجال المسح الضوئى ثلاثى الأبعاد ومهندسيين معماريين، سواء للمساعدة فى كييف أو تصدير الأبلكشين إلى دول أخرى.
وقدر عدد مستخدمى التطبيق فى الوقت الحالى بنحو 135 مستخدما، صنفهم كمتطوعين مدنيين أبدوا رغبتهم فى المساعدة وحماية المواقع الأثرية الخاصة بدولتهم، ومن بينهم مكاتب هندسية أوكرانية ومتخصصو تصميمات ثلاثية الأبعاد.
ورأى أن القوات الروسية استطاعت طمس الهوية الأثرية لأقليات فى شبه جزيرة القرم الأوكرانية سابقًا –على حد وصفه- منذ 8 سنوات، مثل آثار الأقلية التركمانية التى كانت تعيش فى مدن الجنوب الأوكراني، مثل دونيتسك وخيرسون وميكولايف.
وتابع قائلًا: تقوم وسائل الإعلام الروسية بالترويج لفكرة أن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من الكيان الروسى الحالى أو الاتحاد السوفيتى الذى انهار منذ عقود، ويطلقون عليها اسم “روسيا الصغيرة”، متجاهلين تمامًا حقيقة أنها دولة ذات سيادة مستقلة، وتمتلك تاريخا وحضارة منفصلة.
يذكر أن فيرتشو virtue هى مجموعة كندية متخصصة فى تقديم تقنيات الخدمات السحابية تم تأسيسها فى عام 2002، كما تعد أيضًا جزءًا من شركة فايس vice الكندية – الأمريكية المتخصصة فى مجال الإعلام الرقمي.