تعود مواقف الدول الكبرى من الصراع العربى- الإسرائيلى للتحول على بدء.. مع مطلع الألفية الميلادية الثالثة، قبل أن تطلق الدبلوماسية الغربية إشارة البداية للنزاع حول فلسطين بمقتضى وعد «بلفور» 1917، بعد عام من توقيع بريطانيا وفرنسا اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم النفوذ فى المنطقة العربية بينهما، وبحضور روسيا القيصرية التى لم توقع صيغتها النهائية لظروف الثورة البلشفية، وإن رحبت ضمنًا على الأرجح بالوعد لإقامة وطن قومى لليهود، كون جالياتهم شريكاً أيديولوجيا للثورة ضد القياصرة، وحيث تتطلع موسكو إلى أن تمثل هجراتهم إلى الدولة الإسرائيلية الموعودة.. نموذجًا متقدماً لنشر الاشتراكية فى الشرق الأوسط، ما يدفع آنئذ الولايات المتحدة فى إطار المنافسة مع الاتحاد السوفيتى إلى العمل لاستباقه فى استقطاب الدولة العبرية إلى جانبها (مؤتمر بلتيمور 1942)، ولتتحصل الوكالة اليهودية من ثم على الاعتراف الأممى من كل الدول الكبرى الأربع، بالدولة الإسرائيلية عند إعلانها 1948. منذ خمسينيات القرن الماضى، وفى إطار الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ومن بعد توحدهما لزرع إسرائيل وفى إعالتها وضمان أمنها، فقد افترقت السبل بينهمابشأنها، إذ اعتبرها القادة السوفيت «قره قوز» (أراجوز) فى خدمة أهداف الإمبريالية الغربية، بما فى ذلك تطويعهما – الغرب وإسرائيل- للعالم العربى- من مركز القوة- صوب تسوية الصراع مع إسرائيل، بشروطهما، إلا من رفض النزعة الوطنية/ القومية لمصر إزاء خنق حقوق لا تمارى، الأمر الذى أدى بالقاهرة إلى تلبية رغبة روسية إستراتيجية/ تاريخية للدخول إلى المياه الدافئة فى الشرق الأوسط، ما زجَّ بالصراع الإقليمى فى أتون التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، ومعسكريهما، ذلك عبر ثلاث حروب ضروس من 1956 – 1967 إلى أكتوبر 1973، قبل معالجة الدبلوماسية الأميركية تعقيدات قضية الحرب والسلام، لصالحها، وإلى «طرد» النفوذ السوفيتى إلا من جيوب محدودة فى المنطقة، خاصة بعد الفشل الذى لحق تطبيق البيان الأميركى- السوفيتى أكتوبر 1977 لعقد مؤتمر دولى للسلام فى الشرق الأوسط الذى لم ينعقد إلا فى مدريد نهاية 1991 بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتى لنحو ربع قرن تال قبل أن تعود روسيا «المنفتحة» إلى المنطقة خريف العام 2015، كحقيقة عسكرية وسياسية ثابتة فى شرق البحر المتوسط، تنسج أواصر العلاقات المتميزة منذ ذلك التاريخ مع مختلف القوى داخل الإقليم، حتى بين الدول التى بينها حالة عداء مع البعض الآخر، سواء بين أطراف الصراع العربى مع إسرائيل، أو بين الجارات الإقليميات غير العربيات، ولتعود روسيا وحلفاؤها على بدء- شريكًا قويًّا – ولو غير مرغوب فيه- للولايات المتحدة وحلفائها.. فى إدارة شئون الشرق الأوسط من بعد نحو أربعة عقود من تجنيبها أمريكيَّا الأساليب الإجرائية لقضايا الحرب والسلام فى المنطقة، التى لم تعد كما السابق على مدار السنين الأخيرة، إذ تعددت المشاريع التوسعية الإقليمية خصمًا من رصيد المشروع العربى الذى تعرض لتصدعات وضغوط وتحديات لا تزال تحول دون تفعيل الدور المنوط به – رغم أهميته البالغة – كحلم مشترك للأجيال القديمة والجديدة، إما بسبب تراوح مسيرة القاطرة المصرية للعرب ما بين التوجهات التقدمية والمحافظة، أو للغيرة الدبلوماسية بين الوحدات السياسية العربية، ما أدى بها إلى تموضعها فى دائرة الانتظار على أعتاب إرادات القوى الكبرى، وإلى معاناتها من التدخلات التركية والإيرانية، ناهيك عن الانسياق للتطبيع الأقرب إلى الهرولة مع الدولة العبرانية، وحيث تستهدف هذه التدخلات الإقليمية والخارجية، فضلاً عن توابع تفكك وحدة العمل العربى المشترك، النيل من مؤسسات الدولة الوطنية، سياسياً وفكريا وثقافيا، لتحقيق فكرة الاغتراب العربى متمثلة فيما قد يسمى «نخاع البقاء» لهذه الأمة العربية التى بات مصيرها، ما لم تصحُ من سباتها، بيد مستقبل الملفين النوويين لكل من إسرائيل وإيران، ووفقاً لما قد تئول إليه طموحات العثمانية الجديدة، كما للتوابع المحتملة عن الرعاية التاريخية الأنجلوسكسونية لـ«الإخوانية السياسية»، ناهيك عن كيفية التعامل مع برنامج الحزب الديمقراطى الأميركى الخاص بالعلاقات مع العرب، إلى ملف التطبيع مع إسرائيل، ومن دون استثناء الاقتراح الروسى بشأن الأمن الجماعى فى منطقة الخليج.. حيث تبدى موسكو استعدادها للمساعدة فى تهيئة ظروف الحوار بين الأطراف المختلفة، كما بالنسبة للدعوة إلى تنشيط أعمال «اللجنة الرباعية» الدولية بشأن السلام العربى- الإسرائيلى، مع ضم جامعة الدول العربية إليها، إضافة إلى أهمية عملها مع كل من مصر والسعودية والأردن والإمارات، وما إلى غير ذلك من جهود عربية تمثل ضرورة إستراتيجية إزاء مواجهة التحولات الجارية فى مواقف القوى الكبرى من الشرق الأوسط خلال القرن المنصرم
شريف عطية
7:25 ص, الخميس, 17 ديسمبر 20
End of current post