تحرير الأسعار وأسلوب جمع البيانات.. معياران مهمان لدقة قياس التضخم

تحرير الأسعار وأسلوب جمع البيانات.. معياران مهمان لدقة قياس التضخم

تحرير الأسعار وأسلوب جمع البيانات.. معياران مهمان لدقة قياس التضخم
جريدة المال

المال - خاص

8:57 ص, الأحد, 17 أبريل 16

محللون: عدم ارتفاع معدلاته مؤخراً رغم زيادات الأسعار يدلل على وجود خلل
«عبدالغنى»: التعديل خطوة جيدة.. وأدعو «الجهاز» لإقامة حوار مع المختصين
«المهدى»: آلية «التعبئة والإحصاء» سليمة.. والأزمة فى طريقة جمع البيانات

نيرمين عباس وشريف عمر

جاءت خطوة إعلان رئيس الوزراء شريف إسماعيل عن تشكيل مجموعة حكومية لإعادة الدراسة المنهجية لحساب نسب التضخم فى السلع الرئيسية، لتحرك المياه الراكدة، حول الأرقام التى يراها البعض غير منطقية، والتى يصدرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول معدلات التضخم فى مصر .

ووجه رئيس الوزراء شريف إسماعيل خلال اجتماع اللجنة الوزارية الاقتصادية الأسبوع الماضى بتشكيل مجموعة عمل تضم وزراء التخطيط، والتموين، والمالية، وممثلين عن البنك المركزى والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، لإعادة الدراسة المنهجية التى يقوم عليها حساب نسب التضخم فى السلع الغذائية الرئيسية على أن تعرض نتيجة الدراسة على اللجنة الوزارية الاقتصادية .

وأشاد عدد من الخبراء ومحللى الاقتصاد بالخطوة الأخيرة، والتى اعتبروها مهمة فى سبيل تدقيق أرقام التضخم المعلنة، وجاءت مقترحاتهم حول التطوير فى استخدام تكنولوجيا متطورة فى الحساب، بالإضافة لتطوير أساليب جمع البيانات .

ويعد التضخم، وفقاً لتعريفات الاقتصاديين، هو الارتفاع المستمر فى المستوى العام للأسعار لفترة طويلة، ما يترتب عليه تدهور القوة الشرائية للنقود .

ويقوم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بقياس المستوى العام لأسعار المستهلكين بالأسواق، وهو الجهة الوحيدة المنوط بها قياس التضخم فى السوق المحلية، بينما يعلن البنك المركزى المصرى عن مؤشرات التضخم الأساسى كل شهر، مستثنياً فى ذلك أسعار السلع التى تتأثر بصدمات العرض المؤقتة، مثل الخضراوات والفاكهة، وتمثل %8.8 من السلة السلعية للمستهلكين، إلى جانب السلع التى يتم تحديد أسعارها إداريًا، وتمثل %19.4 من السلة السلعية .

ويلجأ البنك المركزى إلى مقياس التضخم الأساسى مبنيًا على طريقة الاستبعاد لسهولة فهمه وإمكانية فحصه والتحقق منه، ومن المعروف أن البنك المركزى لا توجد لديه إدارات لقياس التضخم الأساسى، وإنما يشتق قياسه من إحصائيات الجهاز المركزى للإحصاء .

ويقيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المتوسط الترجيحى لأسعار مجموعة من السلع والخدمات، وذلك بوضع سلة تضم مجموعات من السلع التى تتم مراقبتها مرة كل شهر .

وقالت عالية المهدى العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن مؤشر قياس التضخم فى مصر تم إعداده بناء على الرقم القياسى لأسعار المستهلكين، ويتضمن سلة من 1000 سلعة، مقسمة لـ 12 مجموعة رئيسية، وهو ما تعتبره شاملاً ووافياً للوصول لرقم حقيقى يعبر عن التضخم داخل السوق المصرية .

وتابعت: يتم إعداد قائمة السلع المكونة لمؤشر التضخم بناء على المعايير الدولية، وليس من اختراع الجهاز المركزى للتعبئة، كما أن الحكومة عليها المراجعة الدورية كل 5 سنوات على سبيل المثال لقياس التضخم وتغيير الأسعار فى السلع المحلية .

وأشارت إلى أن الإشكالية التى تواجهها طريقة حساب التضخم فى مصر تنحصر فى أسلوب جمع البيانات من الأسواق ومدى دقتها، وهو ما يؤدى لوجود أرقام غير معبرة عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية التى تشهدها السوق المحلية، لافتة إلى أن هناك احتمالية لاعتماد موظفى المركز على جمع البيانات من أسواق الجملة الرئيسية دون الاهتمام بأسواق التجزئة .

ونوهت باختلاف طريقة حساب البنك المركزى للتضخم عن طريقة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، موضحة أن البنك المركزى يعتمد فى حسابه على مجموعة محددة من السلع مع استبعاد السلع الغذائية بسبب حركة أسعارها المتغيرة بكثرة، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى وصول البنك المركزى لرقم تضخم فى مصر أقل بكثير عن المعلن من جهاز التعبئة والإحصاء .

وطالبت البنك المركزى بإعادة النظر فى طريقة إعداده لمؤشر التضخم، من خلال إدراج السلع الغذائية، خاصة أنها وصفت طريقة المركزى فى حساب التضخم بـ”العك “.

واختتمت العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بالقول إن أرقام التضخم المعلنة من جهاز التعبئة والإحصاء هى المرجعية الوحيدة للتعبير عن السوق المحلية، كما أن الجهاز اتجه منذ عامين لإعادة النظر فى السلع المكونة لمؤشر التضخم، وضمت لجنة التعديل خبراء وأساتذة من الاقتصاد .

يشار إلى أن اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، كان قد قال فى تصريحات سابقة لـ«المال» إن الجهاز يقيس أسعار نحو 1000 سلعة وخدمة مقسمة بواقع 12 مجموعة رئيسية تمثل السلة السلعية للمستهلكين، وهى الطعام والمشروبات، والمشروبات الكحولية والدخان والمكيفات، والملابس والأحذية والسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة، والرعاية الصحية والنقل والمواصلات، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والثقافة والترفية، والتعليم، والمطاعم والفنادق، وأخيرا السلع والخدمات المتنوعة .

وأشار إلى أن المجموعات تنقسم إلى 43 مجموعة تفصيلية و87 فرعية، و174 مجموعة سلعية، قائلًا إن الأسعار يتم جمعها من نحو 15 ألف مصدر ثابت، موزعة بواقع 11.2 ألف مصدر فى الحضر و4 آلاف فى الريف .

وأكد أن نحو 400 باحث يعملون بشكل أسبوعى على حساب التغير فى أسعار السلع الاستهلاكية فى كل المحافظات، نتيجة سرعة تغير الأسعار، خاصة مجموعات اللحوم والبقالة والخضراوات والفاكهة .

وقال إن %60 من وزن سلة السلع الاستهلاكية يتمثل فى الإنفاق على مجموعتى «الطعام والشراب» و»مستلزمات السكن والمياه والكهرباء والغاز» فيما تمثل باقى المجموعات الـ 10 المتبقية نحو %40 من إجمالى الأوزان .

وشدد على أن العمل فى جمع البيانات وتدقيقها يتم باستخدام تكنولوجيا عالية لتضاف بعد ذلك إلى قاعدة بيانات كبيرة لتنشر بعد ذلك فى اليوم الـ10 من كل شهر إلا إذا وافق يوم إجازة يتم نشره فى اليوم التالى أو السابق .

وأضاف أن “المنهجية التى يتم قياس التضخم بها فى السوق المحلية لا تضاهى… وتتصف بالواقعية والحرفية “.

ويتم تحديد الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين بناء على تلك المجموعات، ثم تطبق المعادلة التالية للحصول على معدل التضخم، الرقم القياسى للفترة الحالية ÷ الرقم القياسى العام للفترة المقارنة من العام السابق × 100 .

وفى سياق متصل، قال محمد فريد نائب رئيس البورصة الأسبق، رئيس مجلس إدارة شركة دى كود للاستشارات المالية أن تعديل منهجية قياس التضخم خبر جيد، لأن معدلات التضخم لم ترتفع بشكل كبير خلال الفترات الماضية رغم الزيادة المطردة بأسعار السلع عقب خفض العملة المحلية الشهر الماضى، وهو أمر لا يسمح باتخاذ إجراءات تتمشى مع حقيقة الوضع .

وأوضح: عدم ارتفاع معدلات التضخم مؤخراً دليل على أن العينة التى يتم الاستناد إليها فى تحديد الأسعار غير ممثلة لكل القطاعات بالمجتمع، متابعاً أن المنهجية الحالية تعتمد على مسوح للتعرف على نسب الاستهلاك ثم يتم مراقبة الأسعار، ليس على مستوى الدولة وإنما لشريحة يرى جهاز التعبئة العامة والإحصاء أنها ممثلة لقطاعات مختلفة .

ورأى أنه يفترض أيضاً استخدام طرق تكنولوجية حديثة لاستطلاع آراء شريحة ممثلة من المواطنين حول حركة الأسعار، مثل استقصاءات إلكترونية، مشدداً على أنه يجب الاعتماد على التطور التكنولوجى للحصول على بيانات بصفة دورية .

وأشار نائب رئيس البورصة الأسبق، رئيس مجلس إدارة شركة دى كود للاستشارات المالية إلى أن المسوح يجب أن تحدد بدقة نسب الاستهلاك بكل فئة أو سلعة من إجمالى دخل الفرد، ومن ثم يتحدد نصيب الغذاء كأولوية، وتابع: صحة الأرقام المعلنة تساعد صانع القرار على اتخاذ إجراءات مناسبة، وهو أمر يتطلب دقة شديدة فى اختيار العينة، وكذلك بتحليل البيانات، مع وجود اليات تثبت منطقية ما تم التوصل إليه من نتائج .

وأضاف فريد أن هناك مؤشرات عدة يمكن إعادة النظر فى طريقة حسابها، ومن بينها على سبيل المثال الناتج المحلى الإجمالى، فبالإمكان الاعتماد على طرق قياس عالمية فى ذلك الشأن .

وأوضح: بالإمكان إعادة النظر فى جداول المدخلات والمخرجات التى يتم الارتكان إليها للحصول على رقم الناتج المحلى، فقد يتم إجراء تعديلات على العلاقة بين الجدولين للحصول على نتائج أفضل .

كما قال نعمان خالد المحلل الاقتصادى بشركة سى اى است مانجمنت أن إعادة النظر فى منهجية قياس التضخم أمر ضرورى ومطلوب، لأن السياسات المتبعة حالياً لا تعكس الارتفاع الحقيقى للأسعار، لافتاً إلى أنه سيترتب على خطوة تعديل منهجية القياس ارتفاعات لمعدلات التضخم بصورة كبيرة لتعكس الواقع .

وأضاف أن طريقة حساب التضخم التى تستند لسلة سلع معينة تتطلب تجديداً كل فترة زمنية، بالتزامن مع تغير التعداد السكانى، والتقسيم الديموغرافى، كما يجب أن يتمشى التضخم مع سلة إنفاق المواطنين .

وأوضح خالد أن ما يحدث حالياً هو أن وزن السلع الغذائية يمثل نحو %40 من مجموع السلع التى يتم على أساسها حساب التضخم، ومن ثم فالطعام والشراب يهيمنان على نسبة لا يستهان بها وهو أمر منطقى، ولكن بداخل تلك النسبة يوجد حوالى %27 للحوم والدواجن .

وأشار إلى أن ذلك يعنى أن دخل المواطن العادى يسمح بأن تتضمن وجبته اليومية لحوم ودواجن على مدار العام وهو أمر خال من المنطق مع وصول معدلات الفقر إلى %30 حالياً أن لم تكن اكثر .

وتابع أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء يصدر تقريراً سنوياً يتضمن نسب إنفاق الأسرة وفقاً لدخلها، ويشير ذلك التقرير إلى أن %61 من المواطنين يحصدون دخولاً تتراوح بين 20 لـ30 ألف جنيه سنوياً، موضحاً أنه وفقاً للتقرير يأتى نصيب اللحوم والدواجن من سلة الإنفاق بنسبة %10 فقط مقابل تمثيله فى حساب التضخم ب %27 من الاستهلاك الغذائى، ما يعنى أن هناك فجوة بقرابة الـ %20 بين النسبة التى تمثلها اللحوم والدواجن من إجمالى وزن السلع الغذائية فى حساب التضخم وبين معدل الإنفاق عليها .

وأكد المحلل الاقتصادى بشركة سى اى است مانجمنت أن ذلك الخلل الواضح يحتم إعادة النظر فى منهجية قياس التضخم، بحيث تتناسب معدلات الإنفاق على سلع معينة مع نسبتها من الاستهلاك .

وتطرق خالد إلى نقطة اخرى وهى استثناء سلع وخدمات معينة من حساب التضخم، مثل البنزين والغاز والمياه نظراً لأن أسعارهم مثبتة بسبب سياسة الدعم، قائلا إن الأمر اختلف منذ نحو عامين، إثر إقدام الحكومة على تحريك تلك الأسعار من خلال خفض الدعم، ومن المرتقب فيما بعد وفقاً لخطة الحكومة أن تتمشى مع الأسعار المحلية مع العالمية، فمثلاً إذا تم خفض الدعم بالكامل سيكون السعر المحلى متغيرًا مع السعر العالمى، فيجب أن نضع فى الحسبان أنه تم تحرير أسعار خدمات وسلع أساسية .

وأضاف أيضا أن البنك المركزى المصرى يعلن عن مؤشرات التضخم الأساسى كل شهر مستثنياً فى ذلك أسعار السلع التى تتأثر بصدمات العرض “المؤقتة” مثل الخضراوات والفاكهة، فماذا لو تحولت تلك الصدمات “المؤقتة” إلى “دائمة” طوال العام؟

ورأى المحلل الاقتصادى أن وجود آلية تعبر بشكل حقيقى عن تضخم الأسعار يساعد صانع السياسة النقدية على اتخاذ قرارات صائبة، فالمركزى من جهته يحتاج لتوافر نسب دقيقة للإنفاق ووزن السلع لكى يتحكم فى الأمور الأخرى مثل أسعار الفائدة .

وأضاف أن معدل التضخم السنوى على سبيل المثال غير معبر بالأساس، ويجب أن يتم الاستناد بشكل دائم إلى معدل شهرى لأنه الأكثر تعبيراً عن حقيقة الأسعار، كما تساءل عن آلية حساب أسعار الخضروات مثلاً، هل يقوم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بإجراء مسوح على المجمعات الاستهلاكية أم يذهب للأسواق؟ وقال: إذا كان هناك اعتماد على اسعار المجمعات فهناك إذن مشكلة، إذ يجب الذهاب لأسواق شعبية لأن أسعارها هى الأوقع .

وأشار إلى أن هناك جانبًا آخر لا يمكن إغفاله، وهو وجود اقتصاد غير رسمى يمثل وفقاً لتقديرات جهات حكومية أكثر من ثلثى الاقتصاد المصرى، وهو ما يشير إلى أن هناك جزءًا لا يستهان به من الإنفاق غير محسوب لكونه خارج المنظومة الرسمية .

وشدد خالد على ضرورة التعاقد مع مراكز متخصصة محلية أو أجنبية لإجراء مسوح الاسعار بشكل دقيق يعكس معدلاتها الحقيقية، مثل مركز بصيرة على سبيل المثال .

فى حين قال أحمد عبدالغنى، العضو المنتدب لشركة ريدج إسلاميك كابيتال، إن خطوة تعديل منهجية قياس التضخم أمر جيد للغاية فى الفترة الحالية، وهو ما يتزامن مع المستجدات الجوهرية التى تشهدها السوق المصرية من انخفاض الجنيه، وصعود العملات الأجنبية، والصعود المتتالى فى أسعار بيع السلع والمنتجات بمصر .

وأشار عبدالغنى إلى معاناة المستثمرين المهتمين بالسوق المصرية، ومراكز الأبحاث التابعة لبنوك الاستثمار، فى الوصول لمعلومات دقيقة وموحدة عن معدلات التضخم التى تشهدها السوق المحلية .

ودعا الحكومة لإجراء حوار قطاعى من المهتمين بالمجال الاقتصادى والخبراء للوصول إلى طريقة آمنة ومتطورة لقياس التضخم فى السوق المصرية، بالتزامن مع توحيد البيانات الصادرة من مختلف الجهات الرسمية سواء رئاسة الوزراء، أو البنك المركزى وجهاز التعبئة والإحصاء .

جريدة المال

المال - خاص

8:57 ص, الأحد, 17 أبريل 16