بقلم: محسن عادل
ويبدو أن بعض الاقتصادات التى كانت ضمن الأفضل أداء هذا العام وفقًا لمؤشر التنافسية العالمية، تستفيد من الخلاف التجارى من خلال تحويل مجرى تدفقات التجارة، بما فى ذلك سنغافورة التى تحتل المرتبة الأولى وفيتنام التى تحتل المرتبة 67، حيث خلص تقرير التنافسية العالمية إلى أن الاقتصاد العالمى لا يزال حبيس دوامة من نمو الإنتاجية البطئء أو الثابت على الرغم من مرور عشر سنوات على الأزمة المالية العالمية، وضخ البنوك المركزية أكثر من 10 تريليونات دولار، فى حين أن هذه التدابير غير المسبوقة كانت فعالة فى تجنب تفاقم أزمة الركود الاقتصادى، إلا أنها غير كافية وحدها لتحفيز عملية تخصيص الموارد وتوجيهها نحو الاستثمارات التى تعزز الإنتاجية فى القطاعين العام والخاص.
مع بدء تراجع تأثير وزخم السياسات النقدية، أصبح من المهم للاقتصادات أن تعتمد على السياسات المالية والحوافز العامة لتعزيز البحث والتطوير، وتعزيز مهارات القوى العاملة الحالية والمستقبلية، وتطوير بنية أساسية جديدة ودمج التقنيات الجديدة، إضافة إلى تدابير أخرى يتوجب اتخاذها لهذا لتعزيز الرخاء المشترك، يوصي التقرير بأربعة تدابير إضافية هى: زيادة تكافؤ الفرص، وتعزيز المنافسة العادلة، وتحديث النظم الضريبية وتكوينها، بالإضافة إلى تدابير الحماية الاجتماعية، وتشجيع الاستثمارات المعززة للقدرة التنافسية.
وجود العديد من البلدان التنافسية فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ يجعل هذه المنطقة من أكثر المناطق تنافسية فى العالم، تليها أوروبا وأمريكا الشمالية مباشرةً، إلا أن الابرز كان أن هناك 14 دولة من أصل 25 دولة فى جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية حسنت مجموع نقاطها المتعلقة بالصحة بمعدل نقطتين أو أكثرـ قاطعةً بذلك أشواطًا كبيرة لسد الثغرات فى متوسط العمر الصحى المتوقع مما يؤكد أن التوجه العالمى الحالى هو الدخول فى الأسواق الأكثر فرصًا فى اتجاه النمو خاصة فى القارة الافريقية التى تشهد فرص نمو هائلة فى ظل الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار السياسى وضخ الاستثمارات خاصة الصينية بالاضافة الى الإصلاحات الرقمية وزيادة معدلات النمو وتوافر الموارد الطبيعية
الجهات الفاعلة الجديدة ترى فرصًا فى الاسواق الأفريقية؛ بسبب التركيبة السكانية والتطورات التى تظهر أن القارة السمراء ستلعب دوراً رئيسياً فى العالم، غذت هذه الاتجاهات عصراً قصيراً من قصة «صعود أفريقيا».
إقليمياً يعتبر تقرير هذا العام الأفضل فيما يخص أداء الدول العربية، حيث شهدت غالبية الدول تحسناً فى الترتيب العام ما عدا سلطنة عُمان ولبنان، واليمن، ونجحت المنطقة العربية نجاحاً كبيراً فى اللحاق بركب تقنية المعلومات والاتصالات، وقد أسست العديد من البلدان بنية تحتية سليمة. ولتحويل بلدان المنطقة إلى اقتصادات أكثر إبداعاً وابتكاراً، على دول المنطقة زيادة استثماراتها فى الموارد البشرية.
وفقًا للتقرير شهدت السنوات العشر الماضية اتخاذ زعماء عالميين إجراءات سريعة للتخفيف من حدة أسوأ نتائج الأزمة المالية العالمية، إلا أن هذا وحده لم يكن كافياً لتعزيز نمو الإنتاجية، فمع بدء تراجع تأثير وزخم السياسات النقدية، يتوجب على صانعى السياسات إعادة النظر فى مجموعة أدواتهم وتوسيع نطاقها لتشمل مجموعة من أدوات السياسات المالية والإصلاحات، والحوافز العامة.
لكن ما يمكن أن تقرأه بين ثنايا التقرير هو انه يعتبر تبنى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعزيز تكامل التكنولوجيا أمراً مهماً، لكن على صانعى السياسات الاستثمار بالتوازى فى تطوير المهارات إذا كانوا يرغبون فى توفير الفرص للجميع فى عصر الثورة الصناعية الرابعة علما بأنه لا تزال القدرة التنافسية أساسية لتحسين مستويات المعيشة، لكن يتوجب على صانعى السياسات النظر فى سرعة واتجاه وجودة النمو معاً مع بزوغ فجر عام 2020بيانات التقرير أيضاً تكشف زيادة فى عدم التكافؤ فى الاقتصاد العالمى من عدة جوانب أهمها تركيز السوق والفجوة فى المهارات وحوكمة التكنولوجيا.
تراجع قدرة الحكومات والبنوك المركزية على استخدام السياسة النقدية لتحفيز النمو الاقتصادى، كان من مصادر القلق التى عكسها التقرير لهذا فإن اعتماد سياسات تعزز القدرة التنافسية، وقادرة على تحسين الإنتاجية وتشجيع الحراك الاجتماعى والحد من عدم المساواة فى الدخل، أمر بالغ الأهمية خاصة فى ضوء الاضطرابات الاقتصادية العالمية مع الأخذ فى الاعتبار ان هناك فرقًا مهمًا – وفقا لخبراء عالميين – بين الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وصدمات العرض السلبية التى قد تضرب الاقتصاد العالمى قريبًا، لأن الأولى كانت صدمة سلبية كبيرة فى إجمالى الطلب أدت إلى تراجع النمو والتضخم وقوبلت بحوافز نقدية ومالية، لكن هذه المرة، سيواجه العالم صدمات سلبية مستمرة فى العرض تتطلب نوعًا مختلفًا جدًا من استجابة السياسة على المدى المتوسط، ومحاولة وقف الضرر عبر التحفيز النقدى والمالى غير المتناهى لن تكون خيارًا معقولًا.
النموذج الأكثر وضوحا الذى عكسه التقرير هو تأثيرات الحرب التجارية الامريكية على التنافسية فالولايات المتحدة انتقلت إلى المرتبة الثانية بعد سنغافورة فى قدرتها التنافسية، لأسباب عدة، أهمها الحروب التجارية التى يخوضها الرئيس دونالد ترمب وفى التقرير «مع أن الولايات المتحدة تبقى قوة قادرة على الابتكار» وثانى اقتصاد فى قدرتها التنافسية، بدأت تظهر بعض المؤشرات المقلقة، فى المقابل حصلت سنغافورة على 84.8 نقطة من أصل مائة واحتلت المركز الاول. ولفت المنتدى الاقتصادى العالمى إلى أن هذا البلد استفاد إلى حد كبير من انتقال الملاحة التجارية إلى مرافئه بسبب الحروب الجمركية بين القوى الاقتصادية العالمية.
تحليل موقف مصر فى مؤشرات التنافسية 2019
حسّنت مصر من قدرتها التنافسية خلال العام الماضى فى أكثر من 60 مؤشراً من أصل 103 تُقاس فى تقرير التنافسية العالمية 2019 التابع للمنتدى الاقتصادى العالمى، وكان الأداء المصرى قد شهد تحسناً بمعدّل نقطة واحدة خلال العام المنصرم، لتحلّ مصر فى المرتبة 93 عالمياً من 141 دولة، مقارنة بالمركز الـ94 فى العام الماضى، وأظهر التقرير ترتيب مصر فى عدد من المؤشرات الفرعية، حيث أظهرت تحسنًا فى عدد من المؤشرات.
رؤية لتحسين مؤشرات التنافسية 2019
نتائج التقرير تعكس الأوضاع منذ نحو عام، ولم تعكس النتائج الاقتصادية الإيجابية التى تحققت خلال الأشهر الثمانية الماضية.فرغم التحسن المستمر فى ترتيب مصر بمؤشر التنافسية العالمية، فإن التقرير لم يأخذ فى الاعتبار الكثير من الإصلاحات الاقتصادية التى قامت بها الحكومة المصرية، ومن المتوقع أن يتم الأخذ بها فى السنوات المقبلة لا أن التقرير يعد حافزًا لتحديد نقاط الضعف للعمل على إصلاحها.
هناك أهمية لمواصلة التحول الهيكلى لخلق بيئة أعمال مواتية للمنافسة، وتعزيز دور القطاع الخاص ليكون قادرا على توليد وظائف أكثر وأفضل، مع تحسن البيئة العامة للاقتصاد الكلى فى مصر، كما يجب ان تعمل مصر على تحفيز الاستثمار الداخلى مع الأجنبى فى ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحركة التجارة العالمية والاستثمارات، فيجب التركيز على الصناعات التى يتم استهلاك مخرجاتها داخليا مع عدم إغفال الصناعات التصديرية حتى لا يتأثر الميزان التجارى وسعر صرف الجنيه المصرى، خاصة إذا ما وضعنا فى اعتبارنا ان حدوث أزمة اقتصادية من الممكن جدا ان يؤثر على استثمارات الأجانب فى أدوات الدين المصرية وهو ما قد يؤدى إلى العودة الى الأزمة السابقة نفسها إذا لم يتم تحفيز الإنتاج عمومًا، وخاصة الاستثمار الرأسمالى.
كما يتطلب تحسين ترتيب مصر بمؤشر التنافسية العالمية المزيد من الجهود الإصلاحية من الحكومة وفى الجزء الخاص بالإصلاح المؤسسى والقضاء على البيروقراطية ومشاكل سوق العمل والحوافز الاقتصادية وجودة الخدمات مما يستدعى مواصلة الجهود وإطلاق المبادرات التى تصب فى دفع مسيرة التنمية الاقتصادية قدماً وتعزز تنافسية الاقتصاد وفق معايير التنوع والاستدامة والمعرفة والابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمى مع الإسراع بإصدار قانون المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر؛ لتحفيز الاقتصاد غير الرسمى للانضمام إلى المنظومة الرسمية، وسرعة البت فى الإجراءات القضائية لتحقيق مبدأ العدالة الناجزة، واستبدال التشريعات العديدة الخاصة بالأراضى بقانون موحد ومبسط لإدارة أراضى الدولة. بجانب زيادة مخصصات هيئة التنمية الصناعية من الأراضى لطرحها على المستثمرين وفق آليات موضوعية وشفافة.
هناك أيضًا ضرورة التركيز على جذب استثمارات فى الصناعات التكنولوجية لتصنيع منتجات ذات قيمة مضافة مرتفعة، والاهتمام بالتعليم الفنى واستحداث مدارس ومعاهد فنية مؤهلة لسوق العمل تتناسب مع أنواع الصناعات التى تسعى مصر لتوطينها وتحقيق ميزة تنافسية بها، وتطوير منظومة النقل البرى، والاستفادة من السكك الحديدية فى عملية نقل البضائع لتقليل التكلفة.
مؤشرات التقرير تكشف أنه ينبغى على مصر تعزيز محركات نمو اقتصادى جديدة وتكثيف الإصلاحات الاقتصادية مع تاكيد أن مصر لديها هامش مناورة كبير لمواصلة آلية النهوض الاقتصادى «فالمحركات القديمة للنمو تتاثر»، لهذا تبرز أهمية تعزيز الابتكار وتشجيع التكنولوجيات الجديدة – ولا سيما لتطوير الاقتصاد الرقمى وهو فى خضم نموه حاليًا مع ضرورة إلغاء العقبات التى لا تزال موجودة فى الاقتصاد وتخفيف العقبات أمام المنافسة فى السوق، مع الاهتمام بتقديم دعم أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطه وتدعيم سلاسل القيمة بصورة اكبر وتقديم محفزات لها.
الموقف الاقتصادى المصرى يحتاج إلى مراجعة بعض النقاط الجوهرية مثل اتباع سياسات تحفيزية لعدد من القطاعات الاقتصادية والسعى لاستراتيجية توسعية لتنمية الصادرات والحد من تنامى الواردات مع السعى لزيادة معدلات اجتذاب الاستثمارات، والاستمرار فى تنشيط السياحة مع إجراء تعديل جوهرى فى سياسات الاقراض المصرفى ووضع آلية لإنهاء التعثر، خاصة فى المصانع ذات الأصول الإنتاجية.
ينبغى إدراك أن التحدى الأساس للاستثمار ليس فى الحصول فقط على ترتيبات متقدمة بمؤشرات التنافسية ولكن فى تحقيق التحسن المستمر بهذه الجوانب، مع ادراك حقيقة تدفق الاستثمارات للاقتصاد، فرغم أن المؤشرات قد تقدم انطباعًا جيدًا، فإن الأهمية الحقيقية تكمن فى قدرات الاقتصاد نفسه على منح المستثمرين عوائد إيجابية فى ظل مناخ استثمارى محفز مع وضع الخطط والسياسات التى تساعد على الابتكار وتوطين التكنولوجيا، وذلك بالتركيز على تطوير البحث العلمى.
إننا نقترب الان من الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية، والتى تستهدف إطلاق طاقات الاستثمار، وتتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية فالموجة الثانية تختلف عن الأولى، لأنها تحتاج إلى إصلاح المناخ المؤسسى وتحتاج أيضًا إلى تطوير دور الدولة فى النشاط الاقتصادى، بجانب التوسع فى الشراكات مع القطاع الخاص فالإصلاح فى مجالات مثل الحوكمة والتمويل المحلى والخارجى والتجارة وأسواق المنتجات والعمالة قد يحقق مكاسب على المدى المتوسط، وهى إصلاحات لا يستلزم معها تكاليف اقتصادية كلية قصيرة الأجل، ويمكن أن تتحقق مكاسب كبيرة فى الإنتاج والعمالة على المدى المتوسط إلى الطويل.