سيطرت توقعات تثبيت البنك المركزى لأسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية المقرر الخميس المقبل، على آراء المحللين وبنوك الاستثمار، استنادًا إلى الزيادة الطفيفة فى معدلات التضخم بنهاية يناير الماضى، والاضطرابات الإقليمية والعالمية المصاحبة للحرب فى سوريا، ومخاطر فيروس كورونا التى قد تؤثر على حركة التجارة وأسعار النفط.
ويرى الخبراء أن البنك المركزى يحتاج إلى خفض أسعار الفائدة بواقع 2 – %3 خلال العام الحالى ويمكن أن يتم التحرك خلال الشهور المقبلة وليس فى الوقت الحالى فى ظل الظروف الإقليمية المحيطة ومعدلات التضخم، موضحين أن التطورات الإقليمية تعزز ضرورة تثبيت الفائدة للحفاظ على مكتسبات مصر من استثمارات الأجانب فى أدوات الدين للحفاظ على مستوى سعر صرف العملة المحلية الحالى أمام الدولار.
كانت معدلات التضخم العام قد سجلت نسبة شهرية قدرها %0.7 خلال يناير الماضى مقابل %0.6 خلال ديسمبر السابق عليه، وبلغ المعدل السنوى للتضخم العام %7.2 مقابل %7.1، بينما سجل التضخم الأساسى معدلا شهريًا %0.7 فى يناير مقابل %0.4 فى ديسمبر، وبلغ المعدل السنوى %2.7 مقابل %2.4.
ومنذ مطلع العام الحالى أعلنت الصين عن انتشار فيروس كورونا غير المعروف المصدر الذى أودى بحياة ما يقرب من ألف شخص وأصاب أكثر من 30 ألفا فى الصين فقط وانتشر فى أكثر من 10 دول الأمر الذى دفع إلى تعليق حركة الطيران مع الصين وإجلاء رعاياها.
وتوقع تقرير لشبكة “CNN” الأمريكية أن تتأثر حركة شحن الحاويات عالميًا بسبب فيروس كورونا نتيجة اتخاذ العديد من دول العالم تدابير للحجر الصحى للسفن القادمة من الصين، كما أوقفت شركات سيارات إنتاجها فى الصين لحين التوصل إلى حل للأزمة، وفى السوق المحلية اتجه موزعو الهواتف الذكية إلى زيادة أسعارها تحسبًا لانخفاض الإنتاج من قبل الشركات الصينية.
يشار إلى أن البنك المركزى خفض أسعار الفائدة بواقع %4.5 خلال العام الماضى وكان آخرها فى شهر نوفمبر، بينما قرر تثبيتها فى شهرى ديسمبر ويناير 2019/ 2020، لتسجل %12.25 للإيداع و%13.25 للإقراض، وأكد “المركزى” فى بيان يناير الماضى أن لجنة السياسات النقدية لن تتردد فى استكمال دورة التيسير النقدى بشرط الاستمرار فى احتواء الضغوط التضخمية.
بينما يرى بعض الخبراء أن خفض الفائدة حتمى فى ظل رغبة الدولة فى تشجيع الإنتاج وزيادة معدلات النمو الاقتصادى لا سيما وأن نسبة الخفض التى قررها “المركزى” فى النصف الثانى من العام الماضى لم تحدث الأثر المطلوب، ولاتزال الشركات غير مقبلة على الائتمان فى ظل معدلات العائد الحالية.
وبرروا رأيهم بأن التضخم أصبح فى متناول مستهدفات “المركزى” والتى حددته بنسبة %9 بزيادة أو نقصان %3 فى الربع الأخير من العام الجارى، كما أن الفارق بين معدلات التضخم والفائدة تصل إلى نحو %5 الأمر الذى يعكس استمرار جاذبية أدوات الدين للأجانب حتى فى حالة الخفض.
وتوقعت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث بشركة فاروس المالية القابضة، أن يتبع “المركزى” سياسة أكثر هدوءًا فى تطبيق دورة التيسير النقدى المخطط لها فى 2020.
ورجحت أن تكون فرص حدوث خفض فى معدلات الفائدة فى شهر أبريل المقبل أكبر من فبراير، وخفضها بنحو 200 – %300 خلال العام الجارى، لتبلغ أسعار الفائدة 10.25 – %11.25 ، خلال اجتماعات لجنة السياسة النقدية المقرر انعقادها فى أبريل ويونيو وأغسطس.
وفيما يتعلق بمعدلات التضخم، قالت “السويفى” إنه من المتوقع لها أن تسجل %5.5 على أساس سنوى، و0.6% على أساس شهرى فى فبراير، لتتحرك خلال هذا العام فى النطاق الممتد من %5 إلى %5.5.
وقالت إن التضخم من المرجح أن يسجل بنهاية العام المالى 2019/2020 نسبة %5.4 على أساس سنوى، قبل أن يعاود الارتفاع فى الربع الأخير من العام (6 – %8).
وأرجعت ارتفاع التضخم بنهاية العام إلى أن تأثير فترة الأساس من العام الماضى لن يكون داعما هذه المرة فى ظل المقارنة مع معدلات الانخفاض القياسية المسجلة فى الربع الرابع من 2019.
وقال محمد عبد العال، الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، إن الاقتصاد المصرى فى حاجة ملحة إلى خفض أسعار الفائدة لمواكبة إستراتيجية الرئيس والحكومة الهادفة لتشجيع النمو الاقتصادى، لا سيما وأنه رغم خفض الفائدة بنسبة %4.5 خلال العام الماضى وإطلاق عدد من المبادرات فى قطاعات اقتصادية بعينها من قبل “المركزى” فإن ذلك لم ينعكس على تنشيط التمويلات وزيادة معدلات التوظيف فى البنوك.
وتابع: “رؤيتى الشخصية فى ضوء الأوضاع الحالية ورغبة الدولة فى إنقاذ قطاع الصناعة المحلية بمختلف أحجام الشركات هى خفض أسعار الفائدة بنسبة 1% على الأقل خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية المقبل”.
وأكد أن معدلات التضخم كأحد العوامل المؤثرة فى اتخاذ قرار الفائدة أصبح أمرا ثانويا ليس أساسيًا فى الاجتماعات الحالية لا سيما وأن التضخم يدور حتى الآن فى إطار مستهدف البنك المركزى %9 بزيادة أو نقصان %3، وليس هناك أى عوامل تلوح فى الأفق حول احتمالية زيادته بما يشكل عوامل دافعة نحو تثبيت أسعار الفائدة.
وأوضح أنه يجب أن يكون النمو هو المحرك الأساسى لتوجهات لجنة السياسات النقدية خلال الفترة المقبلة، لا سيما وأن الفائدة الحالية مناسبة بشكل كبير لمدخرى القطاع العائلى حيث تحقق لهم فائدة موجبة بالنظر لمعدلات التضخم، كما أن مستويات الفائدة المحلية مرتفعة مقارنة بالعديد من الأسواق الناشئة.
وشدد على أن مبادرات “المركزى” لقطاع الصناعة والسياحة والإسكان المتوسط إيجابية للغاية لكنها تعتبر عوامل منشطة، بينما لابد من خفض الفائدة لإعطاء دفعة للاقتصاد ككل ولمختلف أحجام الشركات، لترتفع معدلات توظيف القروض للودائع إلى %75 على الأقل مقابل %44 فى الفترة الحالية.
وأظهر مؤشر مدراء المشتريات (PMI)، تراجعًا فى نشاط القطاع الخاص غير النفطى فى مصر، خلال شهر يناير الماضى، لأدنى مستوى له فى حوالى 3 سنوات، وهو ما يشير إلى تدهور قوى فى الأوضاع التجارية على مستوى القطاع.
وقال تقرير مديرى المشتريات إن الانخفاض القوى فى النشاط مرتبط بضعف المبيعات، وكان معدل انخفاض الطلبات الجديدة هو الأسرع خلال 3 سنوات، مشيرا إلى عدم وجود عقود جديدة وتراجع حركة السوق، علاوة على تراجع طلبات التصدير للشهر الرابع على التوالي.
بينما قال مسئول فى قطاع الخزانة بأحد البنوك الأجنبية، إن البنك المركزى سيمضى فى سياسة التيسير النقدى ولكن ليس فى الاجتماع المقبل، موضحًا أنه يحتاج إلى خفض الفائدة بنسبة %2 خلال العام الحالى والعام لايزال فى بدايته لذلك يجب التحوط جيدًا للمخاطر المحيطة بالاقتصاد المحلى.
وأوضح أن تحقيق مزيد من الاحتواء للضغوط التضخمية والتحوط من المخاطر المحيطة خاصة على المستوى الإقليمى والدولى يتطلب تثبيت الفائدة فى الاجتماع المقبل واستكمال دورة التيسير النقدى من الاجتماعات التالية، مشيرًا إلى أن الاضطرابات الحادثة فى ليبيا وسوريا والتدخل التركى دفع الأجانب إلى التوجه بقوة نحو السوق المحلية، وأى تحرك فى الفائدة قد يكون له تأثير سلبى على هذه التدفقات.
بينما قال محمد أبوباشا، كبير المحللين ببنك الاستثمار هيرميس، فى تقرير لبلومبرج، إن هناك فرصة لخفض الفائدة بنسبة 50 نقطة مئوية فقط (%0.5) خلال الأسبوع المقبل.
وأوضح أنه بعد تخفيض أسعار الفائدة بمقدار 450 نقطة أساس عام 2019، ربما يخفض البنك المركزى أقل من الربع هذا العام، لمواصلة تقديم معدلات حقيقية مناسبة للمستثمرين الأجانب، الذين يؤدون دورا مهما للحفاظ على توقعات جيدة للجنيه.
كانت استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة قد شهدت زيادات مطردة منذ تعويم الجنيه مع رفع الفائدة المحلية والاتفاق على برنامج إصلاح اقتصادى مع صندوق النقد الدولى، ووصلت إلى معدلات غير مسبوقة فى مارس 2018 مسجلة 21.5 مليار دولار.
ووفقًا لتقرير حديث للبنك المركزى نشرته “المال” فقد سجلت استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة الحكومية زيادة بنحو 384 مليون دولار خلال شهر ديسمبر 2019 لتصل إلى 15.851 مليار دولار بنهاية الشهر مقابل 15.467 مليار دولار بنهاية نوفمبر السابق عليه.
بينما ترى شركة “شعاع كابيتال” أن سيناريو تثبيت الفائدة هو الأكثر احتمالية فى اجتماع الخميس المقبل، خاصة مع مخاوف تأثيرات فيروس كورونا، مع الاحتفاظ بتوقعات خفض الفائدة %2 خلال 2020.
وأوضحت أنه من غير المرجح أن يبدى البنك المركزى مرونة فى وقت مبكر جدًا، وأن هناك أوجهًا أخرى للتيسير النقدى مثل رفع الحد الأقصى لعبء الدين من الدخل الشهرى للعميل.