أصبحت أخطار العنف السياسى ظاهرة عالمية لا يكاد يخلو منها أى مجتمع، وينحصر الفارق بين الدول فى درجة ومحددات الخطر، وتعدد الاتجاهات فى تفسير أسبابه.
فى تقرير أخير لشركة ميونخ رى لإعادة التأمين، تصدرت أخطار العنف السياسى فى كثير من الدول العربية والأجنبية قائمة الأخطار غير التقليدية فى القرن الـ21،
حيث شهدت الفترة الأخيرة عدم استقرار فى الأراضى الفلسطينية بسبب العدوان على غزة، باختلاف صوره وأشكاله التى تصيب الأشخاص، ونتج عنها العديد من الوفيات والإصابات، بالإضافة إلى الحوادث التى أصابت الممتلكات.
فما القصة كاملة؟
شركات التأمين تعانى ارتفاع التعويضات
قال إيهاب خضر، خبير الإدارة الإستراتيجية، إن للتأمين التجارى دوره الأساسى فى مواجهة أخطار العنف السياسى بصفته إحدى وسائل إدارة الخطر فى توفير التغطيات للأخطار التى يتعرض لها الأفراد والمنشآت والثروات القومية، لذا درجت شركات التأمين بالسوق المصرية قبل ثورة يناير 2011 على تغطية مخاطر الشغب والاضطرابات والإرهاب كتغطيات إضافية ضمن وثيقة التأمين الأصلية.
وأضاف أنه نتيجة اضطرابات الأوضاع السياسية فى البلاد بعد ثورة يناير 2011 أصدرت شركات التأمين المصرية وبعض الدول العربية وثيقة تأمين أخطار العنف السياسى، كبوليصة أكثر شمولًا، حيث تشمل تغطيات أخطار الأعمال الإرهابية والتخريب والشغب والإضرابات المدنية، بالإضافة إلى الأضرار المتعمدة والثورة أو التآمر والتمرد والانقلاب العسكرى.
وأشار إلى أن الوثيقة تستثني الخسائر الناشئة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الانفجارات النووية والتفاعل والإشعاع النووى أو التلوث النووى، فضلًا عن الخسائر الناشئة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن المصادرة والتأميم والاستيلاء والاحتيال.
وبيّن أن صدور وثائق العنف السياسى جعل شركات التأمين تعانى ارتفاع تعويضات ذلك النوع من التأمين، وانعكس ذلك على الاكتتاب فى أخطار العنف السياسى، فتوقفت معظم شركات التأمين عن توفير التغطية التأمينية لهذه الأخطار بدعوى أنها لا تتحقق فيها المبادئ الفنية للتأمين.
معوقات ذلك النوع من التأمين
وقال محمد الغطريفى، وسيط تأمين، إن شركات التأمين تتعرض لكثير من معوقات التغطيات لخطر العنف السياسى، سواء المرتبطة بشركات التأمين أم المعيدون أو الدولة أو المعوقات المرتبطة بطبيعة أخطار ذلك النوع من التغطيات،
بينما تتمثل المعوقات التى تعوق الاكتتاب فى أخطار العنف السياسى فى عدم قابلية الأخطار للتأمين من الناحية الفنية، مع صعوبة تحديد تكلفة الحماية وحصر الأخطار.
وأضاف أن الكثير من معيدى التأمين يتشددون فى شروطهم الممنوحة للتغطيات، مع إغفال دور الدولة فى التعويضات، باعتبار أخطار العنف السياسى أخطارًا أمنية، وعدم احتسابها كأخطار كارثية وعابرة للحدود، بينما تطورت أخطار العنف السياسى بتطور الأسلحة التكنولوجية المستخدمة فى الحروب والنزاعات.
ولفت إلى أن بعض شركات التأمين ترفض تغطية أخطار العنف السياسى بدعوى عدم تحقق الشروط اللازمة فى تلك الظاهرة، موضحًا أن “العنف السياسى” من الأخطار القابلة للتأمين، حيث تتحقق فيه الشروط الفنية الواجب توافرها فى الخطر لكى يكون قابلًا للتأمين.
وأوضح أن “العنف السياسى” لا بد أن يتضمن عنصر الاحتمالية، وهو العنصر الجوهرى فى التأمين، بينما فى جميع الأحوال فإنه غير مستحيل الوقوع، من جراء قوة قاهرة أو حادث فجائي لا يمنع جواز التأمين منه.
والجراف التالى يوضح تعويضات التأمين التجارى والتكافلى فى 2023، حسب “الرقابة الرمالية”:
ونوه الغطريفى بأن أخطار العنف السياسى بالسوق المصرية أقل احتمالًا مما هى عليه فى الأسواق الغربية، ورغم ذلك لا تمنح شركات إعادة التأمين الدولية تغطيات أخطار العنف السياسى بالشكل والأسعار المناسبة، متابعًا أن السوق المصرية يُخصص لها أكبر سعر عند تغطية أخطار العنف السياسى.
وأوضح أن تغطيات الخسائر المادية الناشئة عن العنف السياسى إنما تنعقد على تأمينات الممتلكات أو المسئوليات أو الأشخاص، ومن ثم تنطبق على الأموال التى تشمل السفن والطائرات والقطارات أو أى عقارات أو مؤسسات، سواء برًّا أم بحرًا، وأى مكان يقع على إقليم الدولة.
واقترح ضرورة إعداد دليل لأخطار العنف السياسى التى تتعرض لها المنشآت والأفراد والدول، ومسبباتها، والعوامل المساعدة لزيادة معدل تكرارها، والخسائر المترتبة على حدوثها، وأنواعها، وأهميتها، ووسائل التحكم فيها، وتوزيع الخسائر.
ضرورة إنشاء مجمعات لأخطار العنف السياسى
واقترحت أمانى الماحى، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين، وضع سعر تأمينى بناء على أساس عملى وعملى قابل للتسوية، فى نهاية كل سنة، بناء على النتائج الفعلية، مع سريانه على مستوى محفظة التأمين لنفس الشىء المعرَّض للخطر، والعمل على نشر الوعى التأمينى لأخطار العنف السياسى، لدى المؤسسات والأفراد، من خلال وجود برامج توعية فى شركات التأمين بوسائل الإعلام المختلفة؛ لتوضيح أهمية التغطية التأمينية ضد تلك الأخطار.
وشددت على أهمية تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف ذات العلاقة بخطر العنف السياسىى، عبر توفير التغطية التأمينية المناسبة بأسعار وشروط تتناسب مع درجة التعرض للخطر واحتمالات تكراره، مما تتحقق معه استمرارية التغطيات، مشيرًا إلى أن شركات التأمين والإعادة، عليها الأخذ فى اعتبارها أن تتحمل تغطية أخطار العنف السياسى، ما يعني تعريف الخطر والتغطيات بدقة، وتسعير الخطر بشكل مناسب.
ولفتت إلى ضرورة إنشاء مجمعات إقليمية أو عربية متخصصة فى تأمين وإعادة تأمين أخطار العنف السياسى لتوفير تغطيات جديدة وضخّ أقساط بشكل مستقل، لتمكين شركات التأمين والإعادة الجديدة فى سوق التأمين العربية، ومن ثم المساهمة بشكل إيجابى فى دعم الاقتصاد العربى.
ونصحت بأهمية وضع إطار عملى (إستراتيجية) لمعالجة معوقات الاكتتاب فى أخطار العنف السياسى، تتبنى إلزام التأمين المباشر بتغطية خطر العنف السياسى لجميع الممتلكات، مع تحديد التعريفات بخطر العنف السياسى، للتفرقة بين العنف السياسى والمفاهيم الأخرى المختلطة به، وتوافر البيانات الإحصائية عن ظاهرة العنف السياسى.
وأوضحت ضرورة اشتراك الدولة فى تغطية أخطار العنف السياسى، كمعيدى التأمين، وتوزيع التعويضات الناتجة من تحقق أخطار العنف السياسى بين العميل وشركات التأمين وصناديق التأمين المحلية ومعيدى التأمين والدولة، مشيرًا إلى أهمية تقييم أخطار العنف السياسى بشكل دورى؛ لمنع وجود تراكم الأخطار، وعدم التأثير على أصول وميزانيات شركات التأمين.