من الطبيعى للمصائب- كما يقال- أن يجمعن المصابينا، ذلك حين تسبق الشعوب حكوماتها على النحو اللافت فى العاصمة النمساوية «ڤيينا» 9 ديسمبر الجارى.. إذ انتظم أعداد كبيرة من المصريين والسوريين والليبيين فى مظاهرة حاشدة أمام مقر إقامة حاكم قطر عند زيارته للنمسا.. للتنديد بالممارسات القطرية الداعمة للإرهاب فى أوطانهم.. وللتدخل فى شئونها، وكأنهم ممثلون للرأى العام الشعبى فى بلدانهم أى الثلاثة الممتدة من شرق البحر المتوسط إلى غربه، تروم بشكل عشوائى أو مخطط له.. إلى ما كان بينهم من وحدة الصف والهدف قبل 45 عاماً- ولعقد كامل طوال السبعينيات- إلى أن تفرقت بهم السبل كل فى طريق لا تتوازى فيه الخطوات مع الآخر.. بحيث أطمع فيهم الخصوم للافتئات على مصائرهم ومستقبل بلدانهم على النحو المشهود لأربعة عقود تالية حتى العام 2011، انفرط خلالها عقد «اتحاد الجمهوريات العربية» الذى ضمهم مطلع عقد السبعينيات قبل إعلان وفاته رسمياً فى نهايته.. من بعد أن أفضت الغيرة الدبلوماسية وتضخم ذوات بين قادته إلى أن يتحول التعاون المأمول إلى إعراض مقيم.. يصل أحياناً إلى درجة العداء الذى اتخذ أشكالاً متنوعة (..) من القطيعة السياسية أو التعرض العسكرى، بسيان، لم ينجَ منها آنئذ سوى السودان الذى اعتذر- لأسبابه- عن الانضمام للاتحاد (البازغ) وإن استعوض غيابه عن بناء «المثلث الذهبي» مع مصر وليبيا.. باتفاقيات «التكامل» مع القاهرة التى سرعان ما انفضت قبل أن يجف مدادها، وهكذا الحال بشكل أو آخر حتى خمس سنوات مضت.. حيث انقسم السودان إلى سودانيين فى يوليو 2011.. إثر (ربيع) سوريا فى مارس.. وقبل مصرع الرئيس الليبى فى أكتوبر من نفس العام، فيما تواجه مصر منذ يوليو 2013 تحديات فى واديها وعلى حدودها الشرقية والغربية.. تبغى أن تلحقها- وجيشها- لذات مصير الحروب الأهلية فى سوريا وليبيا والسودان.
إلى ذلك، يبدو الرأى العام الشعبى فى هذه الدول من بعد أن جمعتهن المصائب والويلات- أسبق- من حكوماته فى طلب استئناف التضامن الذى كان، ليس على النحو الذى كشفت عنه المظاهرات الحاشدة منذ أيام فى النمسا فحسب، بل أيضاً لاستعادة اتحادهم القديم الذى لم يقدروه فى السابق حق قدره، لأسباب عديدة يتصل معظمها بديكتاتورية حكامه وإلى الخلافات فيما بينهم، الشعوب منها براء، ما عجل بانفراط عقده قبل انعقاد ثمره، لكنه وإن فشل فى البقاء من بعد حرب 1973، إلا أنه سنّ سابقة حميدة لتجمعات عربية ناشئة من بعده.. تصطف فى منظومة من الدول المتاخمة لبعضها البعض.. سواء بين الدول الخليجية أو المغاربية.. تعمل- بأقله- لئلا ينفرد الخصوم بكل دولة تلو الأخرى على حدة (حروب الخليج الثلاث مثالاً)، الأمر الذى قد يشجع مجدداً سابق دول «اتحاد الجمهوريات العربية».. إلى محاولة الاصطفاف مرة أخرى، خاصة فى ضوء ما يمر به أعضاؤه السابقون من تحديات لا قبل لأحد منها على مواجهتها منفرداً، ذلك فى الوقت الذى تتخلى عنهم- أو تكاد- التجمعات العربية الأخرى.. فضلاً عن روابط دول الجوار الإقليمى الساعية إلى التشكل عاجلاً أم آجلاً، خصمًا من الرصيد العربى إجمالًا، وإن كان العمل على إحياء دور «اتحاد الجمهوريات العربية» السابق- على أهميته- يبدو صعباً، إلا أنه ليس مستحيلاً.. فى ضوء ضروريات التضامن.. كبديل لا غنى عنه لتجنب تداعيات الانفصال.