سمعت تعبيرا لافتا للنظر من أحد الأطباء النفسانيين حين كان يصف إحدى مريضاته وصديقتى فى الوقت نفسه، إذ وصفها بأنها «مدلوقة جوة روحها» سألت ماذا يعنى هذا التعبير..؟ فقال الطبيب: إنه تعبير أود به أن أقرب المعنى بدلا من التعبير العلمى المعقد بمعنى أنها طيلة الوقت تتأمل بل تتصنت على داخلها.. إذا كان ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا، لا تأبه فى قرارة نفسها بالآخرين فمشاكلها دائما الأكبروالأفدح، سريعة فى تكوين الرأى عن الآخر فهى الخبيرة ببواطن الأمور فى محاولة دائمة لخلق علاقة ومقارنة بين مشاكلها والآخرين، تقوم بمجهود جسدى فوق العادة بعد نوم متقطع إلى ما بعد الفجر، تتنصت على جسد مجهد وعليها أن تذهب للطبيب، ولا تذهب إلا لماما، دائما فى عجلة من أمرها ترمى بنفسها للصدفة فى خروج عشوائى تكتشف فى كل مرة زيفه ولكنه الجلوس فى زحام وغوغائية وغلوشة، مع الاستمرار فى أنها مدلوقة جوه روحها.
تتأمل مأساتها بالمقارنة مع من حولها سطحيا فهى تحكم على القشور إذ لا وقت لديها للغوص فى الآخرين أو إعطائهم الأعذار المهم أنها مظلومة فى الحياة فتعود إلى البكاء من جراء مؤامرة ما..! فيما أنها تستحق أكثر بكثير مما هى فيه من عنت، لا تحاول نفض وانتشال روحها والدخول بشكل جدى والاندماج فى مشاكل الآخر ومحاولة فهمها ومد يد المساعدة فيحدث هذا التبادل التعاونى، بل الانكفاء على الذات هو الحل.
تجدهم ذوى مبادئ وقيم ولكنهم مدلوقين جوه روحهم وهى حالة نفسية معروفة ومنتشرة فهؤلاء يقبلون على الحياة فى عجالة يتعرفون على أشخاص عديدين لا يهمهم معدنهم فمن ناحية لن يتعمقوا فى العلاقات ولا وقت لهم لتقييم الغث من الثمين كذا يأكلون فى عجالة بلا استطعام وتذوق مزاجى، يرسمون ويخططون ويصدرون قرارات قاطعة بمشروعات مقتنعين كل الاقتناع بفائدتها وعوائدها، وبعد فترة يسحبون مراكبهم ويعودون منهكين لأن ما فكروا فيه أدى إلى فشل ذريع، يدعون التعمق فى كل شىء فى شكل دكتاتورى حاد، هكذا حللها الطبيب.
أجد أن الصديقة لم تأت شيئا عجبا فنحن نعيش فى بلد مدلوقة جوة روحها أيضا، لا تندمج مع العالم ولا تتحاور ولا تتفاهم ولا تنقل عنه المفيد فعلاقاتها تنتهى بعد الزيارات الرسمية، ويتضح أن جميع الاتفاقيات الحماسية حبر على ورق، بلد شديد المحلية غير منفتح على ما يستجد فى العالم من مظاهر ثقافية وعلمية ،والأدب على سبيل المثال لا نعلم عن خلفية أى أديب ألا حين يفوز بجائزة نوبل، بلد يمتلك الكثير من القنوات الإعلامية والصحف الغارقة فى المحلية.
رجال الدولة سواء فى المؤسسات السيادية أو غير السيادية كمان مدلوقين جوه روحهم، بعيدا عن الشعب المدلوق هو الآخر ومكفى على همومه، طبقة المسئولين تتكلم لغة واحدة، حتى تطمئن بعدم النظر إلى العالم الخارجى والتفاعل معه، المهم الانكفاء على أنفسنا، دولة لا تقيم وزنا لإنتاج فلاحها وأصل وجودها، تأخذ ولا تعطى تستورد ولا تصدر، للأسف لا عزاء للمنكفئين جوة روحهم.