«بوش».. من السلام الديمقراطى إلى الحرب الباردة مجددًا

رجائى عطية

9:36 ص, الخميس, 6 ديسمبر 18

رجائى عطية

رجائى عطية

9:36 ص, الخميس, 6 ديسمبر 18


رحل عن دنيا السياسة الدولية عشية ديسمبر الحالى.. أحد أعظم القادة الأميركيين ورجل دولة من طراز رفيع، الرئيس الواحد والأربعون «جورج بوش»، ورغم صعوبة تصنيف المؤرخين لرؤساء أميركيين لم يمضوا غير فترة رئاسية واحدة، فإن «بوش» يمثل بإنجازاته فى السياسة الخارجية تحديدًا- استثناء- ربما بسبق تنقله الوظيفى بين مختلف المؤسسات السيادية، العسكرية والدبلوماسية والمخابراتية والرئاسية، قبل أن يتقلد المنصب الأول 1989-1993، خلفاً للرئيس «ريجان»، الذى عمل بوش نائباً له طوال الثمانينيات.. عرف خلالها فضلاً عن شمولية كفاءاته السابقة.. بسحره ونزاهته، ودون أن يهدر وقته للتفكير فى كراهية خصومه.. مرددًا.. «هل يطيب لنا العيش دون أصدقاء»، وقد خدمته بطريق غير مباشر.. أنه خلف «ريجان» الذى سيطرت على سياساته الخارجية تمامًا.. ما يوصف بالخداع والمشاكسة والنميمة والثرثرة، وفقاً لما جاء على لسان «جيمس بيكر» الذى عمل معه كرئيس موظفى البيت الأبيض ووزيرًا للخزانة، ذلك قبل أن يعمل مع «بوش» فى رئاسة الجهاز الدبلوماسى، حيث أدارا سوياً منذ مطلع التسعينيات عملية تفكيك الاتحاد السوفييتى.. وإنهاء الحرب الباردة بمهارة كبيرة، كما وقف «بوش» أثناء رئاسته على الجانب الصواب من التاريخ.. حين حرر الكويت فبراير 1991 من الغزو العراقى.. قبل أن يقوم بسحب قواته من مسرح العمليات (الخليجى).. نائياً بنفسه عن غزو العراق.. وقد كان ذلك متاحًا له آنئذ.. وعلى غرار ما فعلته الولايات المتحدة بعد ذلك فى عام 2003، كما تُحسب له جهوده المكثفة لعقد المؤتمر الدولى للسلام فى مدريد (بين العرب وإسرائيل) 1991، والذى لم ينعقد منذ جلسته الافتتاحية ديسمبر 1973، ما ترتب عليه فى منتصف التسعينيات من إنجاز اتفاقيات «ثنائية المسار» بين إسرائيل وكل من الفلسطينيين (اتفاق أوسلو) ومع الأردن (اتفاق وادى عربة).. الذى تم توقيعهما فى واشنطن إبان عهد الرئيس «كلينتون».. وهو الذى يثار الجدل حوله من خبراء الاقتصاد.. بأن الفضل الذى عم البلاد فى عهده.. إنما يعود إلى موافقة «بوش» على حزمة الإجراءات الخاصة بتقليص العجز فى الموازنة العامة 1990.. ما أدى إلى إثارة غضب الجمهوريين المحافظين، الأمر الذى قد يكون وراء عدم فوز «بوش» بفترة رئاسة ثانية، لكن فى العام 2014 تم تغيير الحال من شعار «الاقتصاد يا غبى» 1992.. إلى إرجاع الفضل لهذه القرارات (تقليص النفقات ورفع الضرائب) فى منحه – بوش- جائزة «جون كينيدى» فى الشجاعة .


وعلى صعيد مواز لإقامة التعاون الأميركى – الروسى فى مختلف مجالات العلاقة بينهما، فقد راود بوش الأمل فى إقامة علاقات مع روسيا (والدول الأخرى)، على ما أصبح يطلق عليه «السلام الديمقراطى» على غرار نوع السلام الذي أقامته الولايات المتحدة مع كل من ألمانيا واليابان، إلا أن تضارب المصالح والأساطير عملت على عكس ذلك فى السنوات التالية لحكم «بوش»، ما أدى إلى إهدار فرصة غير مسبوقة (عالميًا).. من خلال ثورة وحرب وسلام، ثورة الحرية التى أطاحت بالشيوعية، وحرب تحرير صدت عدوان العراق على الكويت، وتقدم فى اتجاه سلام الشرق الأوسط المشحون بالعداوة والصراع، إلا أن تفحص الماضى الآن بعد فترة من الزمان قاربت نحو ثلاثة عقود، فمن المؤكد تصاعد الحنين إلى الحرب الباردة مجددًا بين الشرق والغرب، وذلك فى ضوء استعصاء بعض الصراعات الدولية والإقليمية فى عالم اليوم المحفوف بالمخاطر .

ملحوظة :

ختامًا، لو جاز الإشارة إلى موقف مصرى خاص عن نائب الرئيس الأميركى «بوش» عند زيارته للقاهرة فى أغسطس 1986، كدلالة على سعة أفقه كرجل دولة من طراز رفيع، لأمكن القول عن قيام المكتب الإعلامى الرئاسى فى مصر بإصدار «نشرة صحفية» بمناسبة الزيارة.. تحفظت على تخلى شركاء السلام طوال الثمانينيات عن مصر التى وقفت وحيدة فى مواجهة أنواء السلام فى الشرق الأوسط، الأمر الذى كاد يسفر عن «أزمة دبلوماسية»، خاصة مع تدخل المكتب الصحفى للسفارة الأميركية عن طريق أحد الموظفين المحليين (صوت سيده الأميركى)، لولا رسالة وصلت للرئاسة المصرية (محفوظة فى سجلاتها) ممهورة بتوقيع نائب الرئيس الأميركى «بوش».. يشيد فيها بالترتيبات الحرفية والفنية لإدارة الإعلام بالرئاسة المصرية خلال الزيارة .

رجائى عطية

رجائى عطية

9:36 ص, الخميس, 6 ديسمبر 18