تراهن بنوك ومؤسسات مالية عالمية مثل «جولدمان ساكس» و«بنك أوف أمريكا» و«لازار أسيت مانجمنت» على تدفق رؤوس الأموال على أسهم الشركات فى دول الأسواق الناشئة فى الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق أوروبا خلال بقية شهور هذا العام لانخفاض أسعارها لمستويات متدنية ورغم أن مؤشر مورجان ستانلى MSCI للأسواق المتقدمة كسب حوالى 14 % منذ بداية العام وحتى نهاية الأسبوع الثالث من الشهر الجارى إلا أنه تراجع للأسواق الناشئة بنسبة 5 % خلال نفس الفترة.
العقد المفقود!!
وأكد المحللون فى البنوك والمؤسسات المالية العالمية أن «العقد المفقود» الذى عاشته الأسواق الناشئة قد انتهى مع ظهور بوادر على انتعاش الأسهم فى هذه الأسواق منذ بداية النصف الحالى وتوقع استمرارها خلال الشهور القادمة حيث يتدفق المستثمرون على التقييمات الرخيصة قبل تعافى الاقتصاد العالمى من وباء كورونا وتزايد التطعيمات ضد مرض كوفيد 19 والتى اقتربت من 5 مليارات جرعة فى 183 دولة حتى الآن.
كان مؤشر MSCI للأسواق الناشئة كسب حوالى 8 % فقط خلال العقد الذى تلى الأزمة المالية العالمية بينما قفز مؤشر MSCI للأسواق المتقدمة بأكثر من الضعف ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض نمو اقتصاد الصين من أكثر من %10 فى عام 2010 إلى حوالى 6 % مع نهاية العقد الماضى مما أدى إلى هبوط أسعار السلع وضعف أرباح الشركات.
وذكرت وكالة بلومبرج أن ارتفاع أسعار السلع خلال النصف الأول من العام الحالى وتزايد التوقعات بانتعاش الاقتصاد العالمى ساعدا على اتجاه المستثمرين نحو أسهم الشركات فى الأسواق الناشئة ولاسيما فى البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا بعد أكثر من عقد من الأداء المتدنى الذى جعل أسهمها تنزل إلى أدنى مستوى منذ 20 عاما مقابل أسهم الشركات فى الدول المتقدمة.
مخاوف من انهيار «الصينية»
ويرجع انخفاض مؤشر MSCI للأسواق الناشئة إلى مخاوف المستثمرين من انهيار السوق الصينية التى تمر بتعديلات تنظيمية عنيفة قد تؤدى إلى فقدان الانتعاش الاقتصادى الصينى القوى فى ظل ارتفاع مخاطر الديون وتباطؤ الطلب وإنتاج المصانع مما جعل المستثمرين الأجانب لا يستطيعون تحديد المخاطر التنظيمية ويقومون بالبيع بأعداد كبيرة للأسهم الصينية بعد أن أعلنت حكومة بكين الأسبوع الماضى عن قواعد أكثر صرامة بشأن المنافسة فى قطاع التكنولوجيا.
وتعانى الأسواق المالية الصينية أيضا من ابتعاد المستثمرين الأجانب بعد الحملات الرقابية والتنظيمية التى تقوم بها حكومة بكين والتى تمتد من صناعة الصلب إلى التجارة الإلكترونية والقطاعات المختلفة وحتى التعليم لتقوض الثقة فى السوق التى يبدو أنها لم تجد قاعا بعد أشهر من البيع لدرجة أن الأسهم الصينية خسرت حوالى 560 مليار دولار خلال الأسبوع الماضى لتؤثر سلبا أيضا على بقية الأسهم الآسيوية.
البرازيل والمكسيك وروسيا الأفضل
ورغم أن كايسر ماسرى رئيس استراتيجية الأصول بالأسواق الناشئة فى بنك جولدمان ساكس والذى يفضل الاستثمار فى أسهم وعملات البرازيل والمكسيك وروسيا يؤكد عودة أسهم الأسواق الناشئة إلى حالتها المعتادة بداية من النصف الحالى إلا أن أسهم شركات التكنولوجيا الصينية هبطت إلى مستويات منخفضة جديدة الأسبوع الماضى وسجل مؤشر هونج كونج القياسى أدنى مستوى له منذ حوالى شهور بسبب سلسلة صارمة من الإجراءات التنظيمية الصينية أطاحت بثقة المستثمرين.
و تخارجت الصناديق الاستثمارية من الأسهم التى كانت مفضلة فى السابق وانخفض مؤشر HSI خلال الأسبوع الماضى بنسبة %5.8 ليسجل أكبر خسارة له منذ إعلان منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا بات وباء عالميا فى مارس 2020 لينتشر الذعر فى معظم الأسواق العالمية بالإضافة إلى أن اليوان تعرض لأكبر خسارة أسبوعية له منذ شهرين حيث إتجه المستثمرون إلى الملاذات الأمنة وسط مخاوف من انتشار سلالة دلتا المتحورة من فيروس كورونا.
الدولار يسجل أعلى مستوى
وصعد الدولار الأمريكى مع نهاية الأسبوع الماضى إلى أعلى مستوى له منذ تسعة شهور ونصف الشهر مقابل العملات المناظرة بسبب مخاوف من أن السلالة دلتا المتحورة من فيروس كورونا قد تؤخر التعافى الاقتصادى العالمى فى الوقت الذى بدأت فيه بنوك مركزية التراجع عن التحفيز الذى كانت تطبقه أثناء الجائحة بينما هبط اليوان الصينى لأدنى مستوى منذ ثلاثة أسابيع .
ومع ذلك يقول جور جيريك الخبير الاستراتيجى فى إدارة الأصول ببنك أو أمريكا إن تدفق المستثمرين على أسهم الأسواق الناشئة ازداد منذ الربع الماضى ليتفوق على تدفقهم على السندات لأول مرة منذ عام 2014 ليستفيدوا من أسعار الأسهم التى تراجعت لمستويات منخفضة وتوقعهم ارتفاعها خلال الشهور القادمة بعد أن تراجعت أسعار الأسهم بصفة عامة فى أنحاء العالم عندما ظهر فيروس كورونا منذ مارس من العام الماضى ولكنها بدأت تنتعش خلال النصف الأول من العام الجارى.
قطاع الطاقة يستحوذ على المكاسب
ويرى جور جيريك أن قطاع الطاقة سيحقق أكبر فائدة بعد أن ارتفعت أسعار البترول خلال النصف الأول من العام الجارى إلى 76 دولارا للبرميل لتسجل أعلى مستوى منذ أكتوبر 2018 وارتفاع أسعار السلع الخام أيضا خلال نفس الفترة لتنتعش أسواق روسيا وجنوب أفريقيا علاوة على تعافى قطاعات أخرى مثل الشركات المالية وشركات البناء بفضل تنفيذ مشروعات البنية الأساسية فى العديد من الأسواق العالمية من الولايات المتحدة حتى الصين.
وأعلن أندرو نيس مدير المحافظ فى مؤسسة فرانكلين تيمبيلتون للاستثمارات أن قطاع التكنولوجيا سيكون القوة الدافعة لمكاسب أسهم الشركات فى الأسواق الناشئة ولاسيما فى كوريا الجنوبية وتايوان اللتين أدارتا الأزمة الصحية الناجمة عن وباء كورونا أفضل من أى دولة أخرى لدرجة أن سوقيهما اللتين تهيمن عليهما شركات التكنولوجيا اجتذبتا أكبر استثمارات عالمية خلال انتشار الوباء فى العالم ولكن زميلته جين بودكامين رئيسة البحوث مازالت تحذر من أسهم التكنولوجيا الصينية غير أنها تميل إلى التفاؤل بفضل التقييمات المتدنية لأسعار معظم أسهم الشركات فى الأسواق الناشئة الأخرى.
نمو الناتج المحلى فى «الناشئة»أقل من «المتقدمة»
ورغم أن نمو الناتج المحلى الإجمالى فى دول الأسواق الناشئة يقل عن مثيله فى الأسواق المتقدمة حلال العام الجارى إلا أنه سيبدأ فى الارتفاع خلال الربع القادم كما يتوقع المحللون فى مؤسسة لازار والذين يرون أن الأنشطة الاقتصادية ستبدأ فى التباطؤ فى الأسواق المتقدمة بسبب استمرار وباء كورونا فى الانتشار ووسط ارتفاع أسعار السلع الخام.
وإذا كانت أسعار البترول قفزت خلال النصف الماضى إلا أنها تراجعت بأكثر من 10 دولار مع نهاية الأسبوع الثالث من أغسطس لتسجل أدنى مستوى منذ مايو الماضى بسبب المخاوف من ضعف الطلب مع زيادة الإصابات بكوفيد-19 وارتفاع الدولار وقفزة مفاجئة فى مخزونات البنزين الأمريكية.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار سلالة دلتا المتحورة من فيروس كورونا فى المناطق التى تتراجع فيها معدلات التطعيم كما ارتفعت الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا فى الولايات المتحدة خلال الشهر الماضى وتزايدت المخاوف من ضعف توقعات الطلب نتيجة لزيادة حالات الإصابة بكوفيد 19 فى مختلف أنحاء العالم.
وجاء فى تقرير كتبه الاستراتيجيون بمؤسسة لازار هذا الشهر أن العديد من الشركات فى الأسواق الناشئة تحظى بمراكز قوية فى سلسلة المعروض العالمى مما يساعدها على تحقيق مكاسب عندما يرتفع الإنفاق العالمى على مشروعات البنية التحتية وغيرها من الصناعات حيث من المتوقع أن ترتفع أسعار المعادن الأساسية بحوالى 44 % مع نهاية العام الجارى لترتفع أسعار أسهم شركات المواد الخام وشركات المنتجات المختلفة أكثر من شركات الخدمات.
وكان تفوق أسهم الشركات الأمريكية خلال العقد الماضى يرجع أساسا إلى تدفق السيولة من مجلس الاحتياطى الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكى) ولكن هذه الأموال لم تصل إلى الأسواق الناشئة ولذلك عندما ينضب معين هذه السيولة فإن البورصات العالمية ستعانى من صدمة مؤقتة ولكن الأسهم الأمريكية ستفقد سلاحها القوى مما يجعل أسهم الأسواق الناشئة تتفوق على مثيلتها فى الأسواق المتقدمة فى عالم مابعد التدابير التحفيزية.
مكاسب الشركات الأمريكية
وحققت أسهم الشركات الأمريكية فى وول ستريت مكاسب لتغلق على ارتفاع كبير فى ختام الأسبوع الماضى الذى شهد تقلبات حادة رغم تضاؤل المخاوف من إمكانية بدء مجلس الفيدرالى فى تشديد سياسته النقدية الحذرة فى وقت أقرب مما كان متوقعا.
وسجلت جميع المؤشرات الأمريكية الرئيسية الثلاثة خسائر بعد موجة بيع حادة فى منتصف الأسبوع ولكن شركات التكنولوجيا والشركات ذات الصلة بالتكنولوجيا ذات رؤوس الأموال الضخمة الرائدة فى السوق نجت من الركود الناجم عن الجائحة بصورة أفضل من معظم الشركات.
وإذا كان التوسع فى الميزانية الأمريكية من أهم العوامل لانتعاش أسهم الشركات فى الولايات المتحدة فإن هذا لا يعنى أن أسهم الأسواق الناشئة لا تواجه أى مخاطر لأن القواعد التنظيمية المتشددة التى تطبقها حاليا حكومة بكين على العديد من شركاتها ولاسيما فى قطاع التكنولوجيا كانت السبب الرئيسى لضعف أداء مؤشر MSCI للأسواق الناشئة هذا العام حيث تساهم الشركات الصينية بحوالى ثلث هذا المؤشر.
القواعد المتشددة تقلص الأسهم الصينية
ومن المتوقع أن تؤدى القواعد التنظيمية المتشددة التى تطبقها حكومة بكين إلى هبوط أسعار أسهم الشركات الصينية ولكنها لن تؤثر كثيرا على مؤشر MSCI للأسواق الناشئة كما أكد المحللون فى بنك جولدمان ساكس الذين يحذرون من ضعف نمو الاقتصادى الصينى ولكنهم متفائلون من أسهم الشركات فى الأسواق الناشئة خارج آسيا ورفعوا درجتها الاستثمارية إلى شراء.
وكان المكتب الوطنى الصينى للإحصاء أعلن أن مبيعات التجزئة الصينية زادت بنسشبة %8.5 فقط فى يوليو الماضى والتى جاءت أقل من التوقعات التى بلغت %11.5 رغم أنها سجلت صعودا بحوالى %12.5 فى شهر يونيو وذلك بسبب عوامل متعددة منها الشكوك الخارجية المتزايدة وجائحة كورونا وحالة الفيضانات ولذلك فإن الانتعاش الاقتصادى لا يزال غير مستقر وغير منتظم.
وانخفضت مبيعات السيارات التى تشكل أكبر عنصر فى مبيعات التجزئة من حيث القيمة فى يوليو بحوالى %1.8 على أساس سنوى بينما بلغ نمو الإنتاج الصناعى %6.4، ولكنه يقل أيضا عن التوقعات التى زادت إلى %7.8 على أساس سنوى فى نفس الشهر وكذلك صعد الاستثمار فى الأصول الثابتة للأشهر السبعة الأولى من العام الجارى بأكثر من %10.3 ولكنه دون توقع نمو سنوى قدره %11.3 فى الفترة من يناير إلى يوليو.
بكين تتربع على أسواق المعادن النادرة
ومع ذلك يشعر محللون آخرون بالتفاؤل من قدرة الصين على استعادة نموها القوى بعد خروج الجيش الأمريكى من أفغانستان واستئناف اتصالاتها مع قادة طالبان لدرجة أنها بعد ساعات فقط من اجتياح حركة طالبان لأفغانستان، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية إن بكين مستعدة لتعاون ودى مع كابول ولاسيما أن بكين سيطرت على سوق المعادن الأرضية النادرة على مستوى العالم وهددت بقطع الإمدادات عن الولايات المتحدة خلال الحرب التجارية فى عام 2019 وتقدر هذه المعادن فى أفغانستان بما يتراوح بين تريليون دولار و3 تريليونات دولار حاليا .
و قال قادة طالبان فى مناسبات متعددة إنهم يريدون مشاركة الصين فى إعادة إعمار أفغانستان وتنميتها حيث يمكن أن تفيد بكين بما تملكه من عناصر أرضية نادرة مثل اللانثانم والسيريوم والنيوديميوم وعروق الألمنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق والليثيوم ويمكن للشركات الصينية أن تستفيد من هذه العناصر الأرضية النادرة فى جميع المنتجات من الإلكترونيات إلى السيارات الكهربائية وحتى الأقمار الصناعية والطائرات
ضحايا كورونا
ولكن معهد بلاكروك للاستثمار خفض درجة أسهم الشركات فى الأسواق الناشئة إلى محايد فى بداية الشهر الحالى بسبب الشكوك فى النظرة المستقبلية للدولار الأمريكى وتشديد مجلس الاحتياطى الفيدرالى لسياسته النقدية كما يحذر وى لى خبير الاستثمارات العالمية فى المعهد من تعرض نمو اقتصادات الأسواق الناشئة لمخاطر على الأجل الطويل بسبب تباطؤ التطعيمات ضد فيروس كورونا واستمرار انتشار الوباء مما يؤدى إلى إغلاقات وفرض قيود على الأنشطة الاقتصادية.
وقفزت الوفيات والحالات المؤكدة من الإصابة بفيروس كورونا إلى أكثر من 4.4 مليون ضحية وحوالى 212 مليون حالة على الترتيب بقيادة الولايات المتحدة التى تعانى من ما يقرب من 37.8 مليون مريض ومايزيد عن 628 ألف وفاة بينما توقفت أعداد الوفيات والإصابات فى الصين التى ظهر فيها الوباء أصلا منذ ديسمبر 2019 عند 94.7 ألف حالة و4636 وفاة فقط حتى الآن.