أصبح التشكك في الاستثمار المالي راسخًا في ثالث أكبر اقتصاد بالعالم، لدرجة أن بنك الاستثمار “نومورا هولدينجز” يدرّس الأساسيات الاقتصادية في المدارس الثانوية لكسب تأييد الجيل القادم.
ما يقرب من ثمانية من كل عشرة يابانيين لم يستثمروا قط في الأوراق المالية، حسب مجموعة ضغط من الوسطاء في البلاد. تمثل الأوراق المالية والاستثمارات 16% فقط من الأصول المالية للأُسر، البالغة قيمتها كوادريليونَي ين، مقارنة بـ56% في الولايات المتحدة.
كانت فقاعة أسعار الأصول سببًا في محو تريليونات الدولارات من الثروات في اليابان عندما انفجرت في أوائل التسعينيات، مما خلق جيلًا يعتقد أن الأسهم لن تتجه سوى إلى الانخفاض. بدلًا من ذلك، احتفظت الغالبية العظمى من الناس بمعظم ثرواتهم نقدية على مدى عقود، مما حرَم كثيرين من الاستفادة من طفرة في الأسهم العالمية في الأعوام التي أعقبت الأزمة المالية العالمية لعام 2008.
تشجيع المواطنين
أعلن رئيس الوزراء فوميو كيشيدا أن حكومته تستهدف مضاعفة دخل المواطنين اليابانيين باستخدام أصولهم، بالتالي تشجيع المواطنين على تحويل مزيد من مدخراتهم إلى استثمارات. يمكن أن يصبح التثقيف المالي جزءاً أساسياً من خطة الحكومة نظراً إلى رأي مفاده أن التمتع بالمعرفة الصحيحة ضروري لإدارة الأصول بشكل جيد.
في أبريل الماضي ألزمت اليابان المدارس الثانوية تدريس الموضوعات المالية، مثل الاستثمار في الأسهم والسندات، كجزء من دورة التدبير المنزلي.
كان لدى القطاع المالي أفكار مختلفة، فعلى سبيل المثال اقترح سيجي ناكاتا، الرئيس التنفيذي لمجموعة “دايوا سيكيوريتيز غروب” (Daiwa Securities Group) جعل المالية جزءاً من امتحان القبول.
من المقرر أن تستفيد شركات الوساطة أيضاً من التركيز على التثقيف المالي، خصوصاً أن الأجيال الشابة، تتجه بشكل متزايد إلى التطبيقات المستخدمة عبر شبكات الإنترنت، التي تفرض رسوماً أقل نظير تداول الأسهم.
المدارس الثانوية
في فصل دراسي أقيم في بداية هذا الصيف ودرسه يوكي ساتو، موظف في “نومورا هولدينغز”، قام طلاب الصف الأول للمرحلة الثانوية في مدينة ساكاي، بالقرب من أوساكا في جنوب اليابان، بملء بيان ماليّ لحساب مقدار المال المطلوب للتخطيط لمستقبلهم.
أوضح ساتو أهمية إدارة الدخل والإنفاق لمن هم في سن 16 عاماً. شملت الدورة التي قدمها ممثل أكبر شركة وساطة مالية في البلاد أيضاً تغطية الاستعداد المالي للزواج والولادة والتعليم والأحداث الأخرى التي قد تكون مكلفة في المستقبل.
ثمة مؤشرات على أن جيل الشباب في اليابان أكثر حماساً للاستثمار من آبائهم وأمهاتهم. في وحدة الوساطة المالية التابعة لشركة “إس بي آي سيكيوريتيز” (SBI Securities)، ارتفع عدد الحسابات المفتوحة مِن قِبل مَن هم في سنّ 18 عاماً بمقدار 1600 في أبريل الماضي، وهو ارتفاع حادّ عن المتوسط البالغ 130 حساباً تقريباً في الأشهُر السابقة. وظلّت وتيرة النمو تقدر بنحو 1000 حساب شهرياً منذ ذلك الحين.
جهود فردية
مع ذلك، لا يوجد تعاون وثيق بين الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال التثقيف المالي، إذ تبذل “نومورا” وشركات القطاع الخاص الأخرى جهوداً فردية، مثل إرسال المحاضرين إلى المدارس، فيما يعمل كل من بنك اليابان ووكالة الخدمات المالية ووزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة والمكتب الحكومي المسؤول عن حماية المستهلك بشكل منفصل.
قال هاروهيرو ناكانو، الرئيس التنفيذي لشركة “سايسون أسيت مانجمنت” (Saison Asset Management)، إنّ كل مؤسسة بإمكانها فعل الكثير، فيما لا توجد معايير موحدة لضمان جودة المعلومات.
يعتقد سبعة تقريباً من كل عشرة يابانيين أن الاستثمار في الأوراق المالية غير ضروري، وفقاً لمسح أجرته رابطة تجار الأوراق المالية اليابانية.
كان في الآونة الأخيرة قفزة في عدد مستثمري التجزئة الذين يشتكون للحكومة من أن الشركات المالية ضللتهم بفكرة شراء سندات مهيكلة توفر عوائد أعلى من الديون العادية لكنها معرضة لمخاطر أعلى بكثير.
التثقيف المالي
تدرس ساتسوكي كاتاياما، المشرِّعة عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، تقديم تشريع إلى البرلمان الياباني، العام المقبل؛ لتعزيز عملية التثقيف المالي.
تأتي الدول الأخرى في المقدمة بالفعل، فقد أنشأت الولايات المتحدة لجنة محو الأمية المالية والتعليم في عام 2003، التي يشارك فيها نحو 20 إدارة ووكالة حكومية.
تعتقد كاتاياما أنه من الأفضل أن تقود المنظمات “المحايدة” هذا التحول، في ظل تقديم عديد من البنوك وشركات الوساطة للمشورة بهدف الربح.
يمكن أن يدور أحد الخيارات حول إنشاء منظمة تابعة لجهة خارجية تحت إشراف المنظم المالي للبلاد للإشراف على عملية التثقيف المالي وجعل الوزارات والوكالات المختصة تتحقق من عملها بجانب وضع القواعد.
قالت ريكو كوميدا، التي تدرّس التدبير المنزلي في المدرسة الثانوية، إن “الطلاب صادقون وأبرياء، وأعتقد أنه من المهم بالنسبة إلينا أن نعلّمهم من وجهة نظر خالية من الانحياز”.