توقع خبراء الاقتصاد فى تليفزيون بلومبرج أن تقفز أسعار البترول الخام فى العالم بنسب هائلة بسبب غزو روسيا لجارتها أوكرانيا فى 24 فبراير الماضى، لتقارب 160 دولارًا للبرميل خلال الشهور القليلة القادمة، بعد زيادتها لأكثر من %25 حتى ختام تعاملات نهاية الأسبوع الماضى، ليصعد خام برنت فوق مستويات 118 دولارًا للبرميل، وخام غرب تكساس الأمريكى 115 دولارًا.
وتشهد أسعار البترول صعودًا قويًا منذ أن فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات على روسيا فى أعقاب غزوها لأوكرانيا، واضطراب مبيعات النفط الروسية، إذ يواجه البائعون صعوبة فى إبرام صفقات رغم عرضهم خصومات كبيرة على أسعار خام برنت القياسى.
وارتفعت أسعار القمح بحوالى %59 ليصل “الأوروبى المطحون” فى باريس إلى رقم قياسى قدره 406 يورو للطن، وسط مخاوف متزايدة من نقص الإمدادات بسبب الحرب، ليظهر شبح ارتفاع التضخم العالمى فى أسعار الغذاء، مع اختفاء %30 من صادرات القمح العالمية.
وتمثل صادرات القمح من أوكرانيا وروسيا حوالى %30 من إجمالى المتداول فى العالم، ما جعل خبراء الأغذية والزراعة يحذرون من زيادة انعدام الأمن الغذائى فى البلدان الفقيرة التى يعانى الكثير منها بالفعل من مستويات عالية من الجوع بسبب جائحة فيروس كورونا.
وزادت أسعار العقود الأمريكية الآجلة للذهب %2 عند التسوية، لتصل إلى 1974 دولارًا للأوقية مع ختام تعاملات الأسبوع، ولتحقق أعلى إغلاق أسبوعى منذ سبتمبر 2020، ويعود السبب الرئيسى إلى التوترات الجيوسياسية التى يشهدها العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، ما زاد طلب المستثمرين على الذهب كملاذ آمن، فى ظل عقوبات أمريكية قاسية على الاقتصاد الروسى.
تجميد أنشطة السيارات والسينما
وأدت أيضًا الحرب الروسية إلى هروب شركات عالمية منها “نستله” السويسرية لمنتجات الألبان ووارنر بروس وديزنى وسونى الأمريكية للسينما للتسلية والترفيه وفولكس فاجن الألمانية أكبر شركة سيارات فى أوروبا وشقيقتها ديملر مرسيدس وفولفو السويدية وجنرال موتورز إلى إغلاق مصانعها فى روسيا وتجميد إرسال المكونات اللازمة للتصنيع فيها بسبب غزو الجيش الروسى لأوكرانيا.
وذكرت وكالة بلومبرج أن الشركات العالمية، خاصة الغربية، تراقب باهتمام بالغ الغزو الروسى لأوكرانيا وتأثيره الاقتصادى والمالى والنقدى على دول المنطقة والعالم كله ومبيعات المركبات العالمية، لدرجة أن بعضها قامت بتعديل إنتاجها ومراكز البيع ومنها فولكسفاجن ومرسيدس الألمانيتين ورينو الفرنسية وفورد الأمريكية وفولفو السويدية، مع استمرار روسيا عمليتها العسكرية على أوكرانيا، ما جعل العديد من الشركات تعلن الهروب من السوق وينذر بتداعيات خطيرة على عدد من الصناعات أهمها السيارات، والسلع الخام والمنتجات الغذائية، والطيران وشركات.
وتبرر بعض الشركات الانسحاب من أوكرانيا، وليس روسيا، بقولها إن لديها مخاوف مرتبطة بمسألة السلامة مع استمرار عمليات الغزو العسكرى، ومنها شركة كوكا كولا الأمريكية، وإن شريكها الأوروبى فى نشاط التعبئة، “كوكا – كولا هيلينيك بوتلينج”، أغلق على الفور عملياته فى أوكرانيا لسلامة الموظفين ووضع خطط طوارئ، تشمل تعليق الإنتاج فى أوكرانيا وإغلاق المصنع ومطالبة الزملاء فى البلد بالبقاء فى منازلهم والامتثال للإرشادات الصادرة محلياً.
قيود قاسية
وفرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون وغيرهم من دول العالم قيودًا قاسية على الصادرات ضد روسيا منذ نهاية فبراير، ما أعاق وصولها إلى الأسواق العالمية من السلع التى تتراوح من الإلكترونيات التجارية وأجهزة الكمبيوتر إلى أشباه الموصلات وأجزاء الطائرات، ما سيؤدى إلى تغيير خطط التصنيع أو البحث عن خطوط إمداد بديلة للعديد من الشركات العالمية.
وتسبب العدوان الروسى على أوكرانيا فى زيادة حدة الضغوط المفروضة على سلاسل التوريد، التى تفاقمت بالفعل بسبب موجات تفشى فيروس كورونا، والقيود المفروضة على السفر والرحلات الجوية والعجز المتكرر فى المكونات الرئيسية، مثل الرقاقات الإلكترونية ومن المتوقع أن تتأثر حركة نقل البضائع والمنتجات المتعددة من الصين إلى أوروبا والتى تمر عبر هذه المنطقة.
«مرسيدس» تجمد تعاونها مع «كاماز»
وذكرت وكالة يو إس أوتو نيوز الأمريكية لأبحاث أسواق السيارات العالمية أن مجموعة كاماز KAMAZ أكبر مصنع للشاحنات فى روسيا، التى تملك فيها شركة روستيك المملوكة لحكومة موسكو %47 بدأت تعانى تداعيات الحرب فى أوكرانيا بعد أن جمدت ديملر مرسيدس تعاونها معها، وأنها باتت على قائمة الشركات التى تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبى والحكومة الأمريكية.
ورغم أن شركة كومينز الأمريكية لصناعة محركات الشاحنات رفضت مناقشة علاقتها مع شركة كاماز، فإنها تتوقع بعض الضغوط التى ربما تتعرض لها أنشطتها فى روسيا، والتى بدأت منذ عام 2006 عندما وافقت عل إنتاج محركات شاحنات أسطول كاماز الذى يضم شاحنات وأوتوبيسات وغيرها من المعدات الثقيلة.
وأعلنت مجموعة ديملر مرسيدس للشاحنات والسيارات الفاخرة أنها قررت تعليق أنشطتها الصناعية فى روسيا بعد أن تلقت صدمة شديدة بسبب الهجوم العسكرى العنيف الذى شنته روسيا ضد جارتها أوكرانيا والذى يشكل أكبر تهديد للسلام والاستقرار فى أوروبا، وأنها ستلتزم بحميع التدابير التى اتخذتها الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبى إذ تنادى المجموعة بالتعاون السلمى العالمى وترفض أى شكل من أشكال العنف العسكرى.
ومع ذلك، أكد سيرجى كوجوجين، العضو المنتدب لشركة كاماز التى تنتج معدات عسكرية، والتى تملك فيها ديملر مرسيدس حصة تقدر بحوالى %15، أن مجلس الإدارة اتفق مع حكومة موسكو على خطة لاتخاذ ما يلزم لتلبية احتياجات الموردين رغم أن الشركة الألمانية قررت وقف توريد مكونات تصنيع الشاحنات.
«فولفو» توقف التصدير لروسيا
وعلقت شركة فولفو التى صدرت حوالى 9 آلاف سيارة وشاحنة ثقيلة العام الماضى لروسيا شحن مركباتها التى تنتجها فى السويد والصين والولايات المتحدة إلى روسيا حتى إشعار آخر منذ الاثنين الماضى، بسبب المخاطر المحتملة الناجمة عن الحرب، لتصبح أول شركة سيارات عالمية تنفذ هذا القرار، مع تزايد العقوبات الأمريكية والأوروبية على اقتصاد موسكو ومؤسساتها المالية وأثريائها.
وأوقفت شركة فولفو التى لها مصنع فى روسيا وتحقق 3% من مبيعاتها فى روسيا – بيع إنتاج وبيع سياراتها فى روسيا، بينما علقت مؤقتا مجموعة فولكسفاجن إرسال سياراتها الموجودة فى روسيا من قبل الغزو إلى معارضها المحلية، بسبب العقوبات المفروضة على حكومة موسكو، وتملك مجموعة فولكسفاجن شبكة عالمية تضم أكثر من 40 ألف مورد لقطع غيار السيارات بعضها فى أوكرانيا وروسيا، ما سيؤدى إلى نقص مكونات الإنتاج خلال الأيام القليلة المقبلة.
وجمدت أيضًا تويوتا اليابانية أكبر شركة سيارات فى آسيا وربما فى العالم أنشطتها فى أحد مصانعها فى اليابان، بعد أن تعرض أحد الموردين للمكونات البلاستيكية والإلكترونية اللازمة لإنتاج سياراتها لهجمات سايبر وقرصنة أطاحت ببيانات شركة التوريد، ولم يعرف أحد أى معلومات عن هذا الهجوم السايبر الذى جاء بمجرد انضمام حكومة طوكيو للحلفاء الغربيين الذين قرروا فرض عقوبات قاسية على روسيا.
ارتفاع الفائدة %100
وأدى الهجوم على أوكرنيا إلى ارتفاع أسعار الفائدة الروسية بأكثر من %100 لتتجاوز %20، وهبوط قيمة الروبل إلى ما يقرب من 120 مقابل الدولار، وانهيار بورصة موسكو لتختفى عشرات المليارات من ثروات أغنى أثرياء روسيا فى أقل من أسبوع.
وأشارت شركة رينو الفرنسية للسيارات إلى أنها أوقفت خطوط تجميع سياراتها فى مدينة توجلياتى مع شركة أفتوفاز الروسية أحد أضاء تحالف رينو ونيسان وميتسوبيشى بسبب نقص توريد المكونات، لا سيما أزمة رقائق الأشباه الموصلات.
ويناقش كريستوف إينجلسكيرشين الخبير الاقتصادى ورولاند ستريكا، مدير التقييمات بمجموعة أوتوفيستا، تأثير العقوبات الغربية على روسيا وحجم الزيادات السعرية والصراع الحربى المستمر فى أوكرانيا، علاوة على أن جيف شوستر رئيس العمليات الأمريكية بشركة LMC أوتوموتيف يتوقع تزايد المخاطر على التعافى التوقع هذا العام للاقتصاد العالمى، وارتفاع أسعار البترول والألومنيوم، ما سيزيد تضخم أسعار المنتجات الاستهلاكية التى ارتفعت أصل خلال العامين الماضيين بسبب بوباء كورونا.
صدمة فى أسواق الشحن
وتسبب الغزو الروسى لأوكرانيا فى اضطرابات كبيرة فى أسواق السلع، وتعرضت حركة الشحن والنقل لصدمة كبيرة بعد إصابة سفينتى بضائع على الأقل منذ بدء قوات روسيا الهجوم على جارتها نهاية الأسبوع الأخير من فبراير، لدرجة أن شركات التأمين إما لا تعرض تغطية تأمينية للناقلات أو أنها تطالب بزيادات هائلة فى أسعارها التأمينية.
وقال هالفور إيليفسين، وسيط ناقلات لدى شركة فيرنلى AS فى أوسلو النرويجية أنه يعمل وسيط سفن منذ أكثر من 30 عامًا، ولم يشاهد مثل هذا الفوضى التى تحدث حاليا، بسبب الغزو الروسى، ويأمل الجميع فقط فى أن يتم حل ذلك بشكل سلمى بأسرع ما يمكن قبل تفاقم أسواق الشحن العالمية.
وأعلنت شركة “نستله” السويسرية العملاقة فى مجال صناعة المأكولات، تعليق أعمالها مؤقتًا فى مصانعها ومخازنها وشبكتها التموينية فى أوكرانيا، لضمان أمن موظفيها وحمايتهم.
كما نصحت موظفيها بالبقاء فى منازلهم، واتباع تعليمات السلطات الحكومية والمحلية استمرار اتصالها مع موظفيها، وأنها وضعت خطة طوارئ لإعادة إطلاق إنتاجها عندما تسمح الظروف الأمنية، لتتمكن من تأمين الإنتاج الغذائى للسكان المحليين.
وقال متحدث رسمى لشركة إيرباص عملاق صناعة الطائرات الأوروبية إنه يجرى حاليا تحليل تأثير العقوبات التى أعلنتها المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة ضد روسيا على صناعة الطيران، وأنها ستلتزم بجميع العقوبات والقوانين المعمول بها بمجرد دخولها حيز التنفيذ، وأن الشركة تراقب الوضع عن كثب مع شركائها وعملائها ومورديها مع تدهور الوضع الأمنى بهذه السرعة فى أوروبا.
منع عروض الأفلام الأمريكية
وحتى شركات التسلية والترفيه مثل وارنر براذرز وديزنى وسونى للسينما أوقفت عرض أفلامها فى دور العرض السينمائى الروسية بعد غزو أوكرانيا، بعد أن كان مقررًا عرض أفلام باتمان وتورنينغ ريد وموربيوس بداية شهر مارس الحالى، بدءًا من أمس الجمعة، وأعلن متحدث باسم الشركة الأمريكية وارنز برذرز، أنه نظرًا للغزو غير المبرّر لأوكرانيا وللأزمة الإنسانية المأساوية التى تشهدها أوكرانيا، تم وقف عرض فيلمها باتمان فى روسيا، وأرجأت شركة “ديزني” عرض فيلم الرسوم المتحركة تورنينج ريد ومنعت ديزنى عرض فيلم موربيوس.
وقال متحدث باسم الشركة BBC البريطانية إنه بسبب العمليات العسكرية الجارية فى أوكرانيا، وما نتج عنها من حالة غموض وأزمة إنسانية فى تلك المنطقة، سوف تتوقف العروض السينمائية للشركة والمخطط لها سابقًا فى روسيا.
وأضافت شركة نتفليكس الأمريكية أنها لن تمتثل للقواعد الروسية الجديدة لبث قنوات تديرها الدولة وليست لديها أى خطط لإضافة هذه القنوات إلى خدماتها، بينما تحرك موقعا تويتر وفيسبوك للحد من وجود وسائل إعلام روسية مدعومة من الدولة على المنصتين بعد اتهامهما بنشر معلومات مضللة حول الغزو الروسى لأوكرانيا.
انسحاب شركات التنقيب
وأعلنت شركة بريتش بترليوم BP أكبر مستثمر أجنبى فى روسيا أنها ستتخلص من حصتها البالغة %20 فى شركة روسنفت الروسية التى تديرها حكومة موسكو، ما سيؤدى إلى شطب 25 مليار دولار من قيمتها ووقف %33 من إنتاجها من النفط والغاز العالمى، رغم أنها امتلكت هذه الحصة بعد معركة ممتدة لفترة طويلة خلال سنة 2012 للاستحواذ على شركة تى إن كيه- بى بى وهى مشروع مشترك بين شركة النفط العملاقة ومجموعة من المليارديرات.
واحتجت أيضًا شركة شل عن العدوان العسكرى الطائش من قبل روسيا، وأنها بصدد إنهاء شراكاتها مع شركة غازبروم التى تديرها الحكومة، بما فى ذلك منشأة الغاز الطبيعى المسال “سخالين – 2” ومساهمتها فى مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2”، الذى أوقفته ألمانيا الأسبوع الأخير من الشهر الماضى حيث ترى الحكومة البريطانية أن “شل” اتخذت القرار الصائب، وأنه يوجد حالياً واجب أخلاقى قوى على الشركات البريطانية لعزل روسيا، ولا بد من جعل هذا الغزو بمثابة فشل استراتيجى بالنسبة لللرئيس فلاديمير بوتين.
كما أعلنت أندرس أوبيدال الرئيس التنفيذى لأكوينورأكبر شركة للطاقة فى النرويج تمتلك الحكومة فيها حصة الأغلبية، أنها ستشرع فى الانسحاب من مشروعاتها المشتركة فى روسيا، والتى تصل قيمتها لنحو 1.2 مليار دولار، بينما لا يوجد حاليًا فى روسيا سوى شركتى “إكسون موبيل” و”توتال إنرجيز” شركتى الطاقة الكبرى الوحيدة التى تمتلك عمليات تنقيب كبيرة فى روسيا، حيث تشرف شركة “إكسون” على مشروع “سخالين -1” مع شركة “روسنفت” بجانب شركات من اليابان والهند، بينما لدى شركة “توتال إنرجيز” حصة ضخمة فى شركة “نوفاتك” أكبر منتج مستقل للغاز فى روسيا.
الشركات الغربية للخلف در
وكانت الشركات الغربية من أوروبا والولايات المتحدة تدفقت خلال التسعينيات عندما تفكك الاتحاد السوفيتى إلى 14 جمهورية، وتوقعت الشركات الأجنبية توافر فرص هائلة لأنه كانت أسواقًا حديثة ضخمة تضم الملايين من المستهلكين، علاوة على وفرة المعادن والنفط والغاز.
لكن مع غزو روسيا لأوكرانيا، توقف هذا الاتجاه بطريقة واضحة، وأعلن صندوق الثروة السيادية النرويجى، الذى يعد الأكبر فى العالم، أنه سيجمد الأصول الروسية التى تصل قيمتها لنحو 2.8 مليار دولار، وسيطرح خطة للخروج منها مع حلول 15 مارس الحالى، وتقوم أيضًا شركات قانون ومحاسبة عالمية كبرى بتقييم الموقف وربما تتعرض لعواقب هائلة محتملة، لأن واحدة من شركات المحاماة القليلة التى قررت بطريقة علنية قطع العلاقات مع العديد من العملاء الروس، امتثالًا للعقوبات الغربية.