أضحى الغاز الطبيعي أهم سلعة في العالم حاليا إذ تزايد التركيز عليه لينافس النفط باعتباره الوقود الذي يشكل الجغرافيا السياسية دوليا، بحسب بلومبرج.
ووفقا لكيفين بوك العضو المنتدب في شركة “كلير فيو” الأمريكية للأبحاث، يعيش الغاز في الوقت الحالي حقبة أشبه بسبعينيات القرن الماضي بالنسبة للنفط، حيث يفكر العالم الآن في الغاز كما كان يؤمن بالنفط سابقا.
وأوضح: “أصبح الأساسي الذي يلعبه الغاز في الاقتصادات الحديثة واضحا للغاية لذا تتزايد الحاجة إلى إمدادات آمنة ومتنوعة المصدر منه”.
الغاز الطبيعي.. بطل الطاقة النظيفة
والغاز الطبيعي هو بطل تحولات كبرى في العديد من البلدان نحو طاقة أنظف، إذ أصبح يستحوذ على حصص أكبر من مزيج الطاقة لديهم بالتوازي مع تخلص تلك الدول تدريجيا من استخدام الوقود الأحفوري والفحم وفي بعض الحالات الطاقة النووية أيضًا.
في العام الماضي فقط، استوردت 44 دولة الغاز الطبيعي المسال وهو ضعف عدد الدول المستوردة مقارنة بالوضع قبل 10 سنوات.
كما شهد العديد من منتجي الغاز الرئيسيين تزايدا في الطلب على إنتاجهم، مثل الولايات المتحدة التي صعدت سريعا لتصبح منافسا رئيسيا لقطر على لقب الدولة الأكثر تصديرا.
سوق الغاز يكتسب صفة “العولمة”
ومع تزايد دور الغاز الطبيعي في اقتصادات الدول، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا مفجرا لأسعار الغاز التي بدت “خاملة” على مدار السنوات الماضية في ظل سوقها غير المنظم.
وأوضحت بلومبرج: “اعتاد الغاز الطبيعي أن يكون “سلعة نائمة” يتم تداولها في أسواق إقليمية منفصلة رغم العولمة التي ميزت الاقتصاد العالمي وأسواقه”.
لكن رغم تراجع هذا الميل العولمي حاليا، فإن تجارة الغاز تسير في الاتجاه المعاكس نحو العولمة وبسرعة.
قفزة أسعار الغاز
وتقول بلومبرج إن الغاز الطبيعي أصبح الآن “المحرك الرئيسي” للتضخم العالمي حيث سجل قفزات شديدة في الأسعار وصلت إلى حدود 700% في أوروبا منذ بداية العام الماضي وهو ما دفع القارة إلى حافة الركود.
وتسعى دول أوروبا إلى وقف وارداتها من الغاز الروسي الأمر الذي أدى إلى تدافعها عالميا في سباق لتأمين الشحنات النادرة من الغاز الطبيعي المسال قبل حلول فصل الشتاء القادم في نصف الكرة الشمالي.
وتقول ألمانيا إن نقص الغاز يمكن أن يؤدي إلى انهيار مثل انهيار بنك “ليمان براذرز” الذي أشعل الأزمة المالية العالمية.
وأوضحت: “تواجه القوى الاقتصادية في أوروبا احتمالية غير مسبوقة لنفاد الطاقة من الشركات والمستهلكين”.
وبينما يحدث ذلك، اكتسب الغاز ميزة هامة حيث أصبح بالإمكان إبرام المزيد من العقود طويلة الأجل لتصديره.
وتقول سامانثا دارت رئيسة أبحاث الغاز الطبيعي في بنك جولدمان ساكس: “لديك أسعار غاز عالمية مرتفعة للغاية لدرجة أنها تحفز على توقيع عقود جديدة طويلة الأجل”.
المنافسة مع النفط
ورغم صعوده كمنافس للنفط، يظل الغاز وقودا أصعب بكثير في نقله حول الكوكب لأنه يتطلب تسييله في مرافق التصدير أولا قبل تحميله إلى الناقلات.
كما يحتاج إلى منصات أخرى في الدول المستوردة لتعيده إلى حالته الغازية وتضخه في الأنابيب تمهيدا لاستخدامه.
وقد شهدت أوروبا الإعلان عن خطط لإنشاء نحو 20 محطة “تغويز”.
كما خصصت ألمانيا حوالي 3 مليارات دولار لاستئجار 4 محطات تغويز عائمة وربطها بشبكة البلاد.
أما الصين، أكبر مشتر للغاز الطبيعي المسال في العالم العام الماضي، فتستعد لتشغيل 10 محطات تغويز جديدة في عام 2023 فقط.
وفي ذات السياق، تشهد أحواض بناء السفن في كوريا الجنوبية – حيث يتم بناء معظم ناقلات الغاز الطبيعي المسال في العالم – ارتفاعًا في الطلب.
يحدث ذلك بينما لفتت جهات تمويل مدعومة حكوميا مثل بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، اللذين كانا يركزان على تمويل الطاقة المتجددة، إلى إنها أكثر استعدادًا حاليا لدعم مشاريع الغاز.