يهدد التباطؤ واسع النطاق الناجم عن فيروس كورونا بدفع الاقتصاد العالمي إلى السقوط في هوة الانكماش الخطير الذي لا نظير له منذ عقود طويلة ماضية، حسب تقرير لوكالة بلومبرج.
فرض العزل العام
وأقبلت العديد من الاقتصاديات على فرض العزل العام ضمن جهود احتواء الفيروس ما دفع أسعار العديد من السلع بداية من البترول والنحاس حتى الحجرات الفندقية والفنادق إلى التراجع.
ويؤدي تراجع الأسعار إلى زيادة صعوبة وفاء الشركات بالتزامات الديون، ويدفعها هذا إلى خفض التوظيف والاستثمارات وإلى التعثر في سداد الديون والإفلاس.
ويصب تراجع الأسعار في صالح المستهلكين لكن التراجع واسع النطاق يلحق أضرارا بالاقتصاد الكلي.
تأجيل ضخ الاستثمارات
وتقرر الأسر تأجيل الشراء انتظارا لخفض أكبر في الأسعار. وتقرر الشركات كذلك تأجيل ضخ استثمارات بسبب محدودية الأرباح.
وحسب تقرير لوكالة بلومبرج، ستواصل الإغلاقات تحجيم الضغوط السعرية حتى بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا.
وتتسبب الإغلاقات في صعود معدلات البطالة واهتزاز ثقة المستهلكين والشركات وضعف العوائد على الاستثمار.
وربما تقبل البنوك المركزية لذلك على الإبقاء على أسعار الفائدة عند المستويات المتدنية الحالية لفترات زمنية طويلة.
ويتوقع إيثان هاريس رئيس قسم البحوث لدى بنك أوف أمريكا أن تظل أسعار الفائدة قريبة من الصفر خلال العامين القادمين.
ارتفاع لاحق في الأسعار
وستحين من ناحية أخرى فرصة صعود الأسعار لاحقا تحت ضغط من المحفزات النقدية الضخمة التي تم ضخها.
وذلك بجانب إقبال الحكومات على إصدار كميات هائلة من الديون بغية سداد قيمة تدابير مكافحة الفيروس.
وقال بيل دادلي الرئيس السابق لبنك الاحتياط في الفيدرالي في نيويورك:” من المحتمل ظهور ضغوط تضخمية على الأجل الطويل.
لكن الضغوط على الأمد القصير انكماشية بكل تأكيد.
التباطؤ واسع النطاق
وظهرت إشارات قوية لبدء التباطؤ واسع النطاق يتوقع اقتصاديون من مؤسسة جي بي مورجان تشيس هبوط المؤشر العالمي لسعر المستهلك منتصف عام 2020 لما دون المستويات المسجلة في العام الماضي.
ويرجع السبب إلى هبوط أسعار البترول. وبرغم تعافي هذه الأسعار الأسبوع الماضي بفعل تقارير أشارت إلى خفض محتمل في الانتاج، لكنها ستظل أقل بنسبة 55% مقارنة بمستوياتها يوم 1 يناير.
وتتجه أسعار أخرى للتراجع، مثل تلك الخاصة بالخدمات.
شركات الخدمات تعاني من الإغلاقات
وقاومت هذه الأسعار الضغوط الهبوطية لفترة طويلة ماضية لكن معاناة شركات القطاع الخدمي من الإغلاقات يجعل هذه الضغوط نشطة حاليا.
ويتوقع جوزيف لبتن، الاقتصادي العالمي لدى بنك جي بي مورجان تشيس، أن يتراجع التضخم الأساسي العالمي باستثناء الغذاء والطاقة لما دون 1%، مرجحا استمرار التضخم عند هذا المستوى لفترة زمنية طويلة قادمة.
ونجحت الدول الصناعية باستثناء اليابان تجنب السقوط في هوة الانكماش في أعقاب الأزمة المالية 2008-2009.
لكنها تدخل الأزمة الحالية بمعدلات تضخم منخفضة للغاية.
الصين أكبر مصدر للانكماش
وتعد الصين هي أكبر مصدر للانكماش في الوقت الراهن، وسجلت أسعار المنتج تراجعا بنسبة 0.4% في فبراير مقارنة بعام سابق بعد صعودها بنسبة 0.1% في يناير.
وتعاني اليابان أيضا من تراجع الأسعار، وطرحت سلسلة مطاعم هناك خفضا في الأسعار على الوجبات بنسبة 15%.
ويوضح الجراف التالي تطور نسبة النمو في إجمالي الناتج القومي في آسيا:
وفي بريطانيا، تراجعت أسعار المحلات بنسبة 0.8% في مارس، وهو أكبر هبوط يتم تسجيله منذ مايو 2018 بعد تسجيل تراجع بنسبة 0.6% في فبراير.
وهبطت أسعار تذاكر الطيران للرحلات الداخلية في الولايات المتحدة بنسبة 14% في المتوسط خلال الفترة من 4 إلى 7 مارس.
وهبطت إيرادات الحجرة الفندقية الواحدة بنسبة 80% خلال 22-28 مارس نزولا من المستويات المسجلة خلال ذات الفترة من العام الماضي.
وقال ارني سورنسن المدير التنفيذي لفنادق ماريت انترناشنال: الأضرار التي لحقت بنا جراء كوفيد-19 لم نر مثلها أبدا.
ولابد أخذ هذا الكلام على باهتمام بالغ لأنه صادر من شركة ظلت تعمل طيلة 92 عاما وعاصرت الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية والكثير من الأزمات الاقتصادية والعالمية العديدة الأخرى.
الخطر في التضخم لا في الانكماش
ويرى اقتصاديون أن الخطر يكمن في التضخم لا في الانكماش.
وقال مانوج بردهان، الأستاذ بجامعة لندن للاقتصاديات: “ماذا سيحدث عندما يتم رفع الإغلاقات ويتجه الاقتصاد نحو التعافي في أعقاب توسع مالي ونقدي هائل؟”.
وتابع: “الإجابة ستكون صعود التضخم، كما هو الحال دائما عقب انتهاء الحروب. ومن المرجح صعود التضخم بأكثر من 5% أو حتى 10% بحلول عام 2012”.
ويرى، مقابل هذا، جيسون فيرمان الاقتصادي السابق لدى البيت الأبيض أن التضخم الأكثر تسارعا ينبغي الترحيب به لا التخوف منه.
وتابع: “لا اعتقد أننا ينبغي أن نتخوف من التضخم. لو تعرضنا للتضخم فهذا شئ جيد. سيكون هذا بمثابة مؤشر جيد على انتعاش الطلب”.