«بلوك تشين» توفر 30% إلى 70% من تكلفة عمليات البنوك

خلصت الدراسة إلى أن تطبيق تقنية «البلوك تشين» فى القطاعات المصرفية يحقق وفرًا سنويًا بنحو 8-12 مليار دولار، تمثل 30 - %70 من تكلفة العمليات المصرفية وتكاليف الإجراءات التقليدية لمبادىء «اعرف عميلك».

«بلوك تشين» توفر 30% إلى 70% من تكلفة عمليات البنوك
سيد بدر

سيد بدر

7:17 ص, الأحد, 16 يونيو 19

3.1 تريليون دولار مكاسب اقتصادية متوقعة من تطبيقها عالميًا بحلول 2030

نمو كبير مرتقب فى التحويلات مقارنة بالطرق التقليدية

380 مليار دولار عائدات مصرفية دولية متوقعة من استخدام التقنية فى نشر الشمول المالى بحلول 2020

صندوق النقد العربى يدشن مجموعة عمل إقليمية لصياغة مبادىء وسياسات التحول الرقمى

توقعت دراسة حديثة حول تطبيق تقنية «بلوك تشين» فى الخدمات المالية، أجراها صندوق النقد العربى، أن تبلغ المكاسب الاقتصادية التى يمكن تحقيقها عالميًا بحلول عام 2030 من هذه التقنية نحو 3.1 تريليون دولار، فضلا عن التأثير الإيجابى الذى تتركه هذه التقنية على مختلف القطاعات الاقتصادية.

وتقنية «البلوك تشين» عبارةٌ عن سجل إلكترونى يسجل المعاملات والصفقات ويقوم بإدارتها وكلّ معاملة تُسمى كتلة أو بلوك، وكلّ بلوك منها يحتوى على بعض المعلومات التى تشير إلى الكتلة السابقة. لذا، يصفونها بكونها سلسلةً من الكتل المتتالية، ولا يتمّ تعديلها من أيّ طرف، فعندما يتمّ دخول البيانات وتسجيلها لا نحتاج لوجود طرف ثالث؛ أيّ أنَّها أسرع فى معالجة البيانات وتخزينها، ويمكن لهذه التقنية أن تقوم بأيِّ نوع من التحويلات التى تفكّر بها، بدءًا من تحويل الأموال إلى نقل البضائع والملكيات، واستخداماتها غير محدودة

وخلصت الدراسة إلى أن تطبيق تقنية «البلوك تشين» فى القطاعات المصرفية يحقق وفرًا سنويًا بنحو 8-12 مليار دولار، تمثل 30 – %70 من تكلفة العمليات المصرفية وتكاليف الإجراءات التقليدية لمبادىء «اعرف عميلك».

واهتمت الدراسة بإلقاء الضوء على تطور تقنية «البلوك تشين» خلال السنوات العشرة الأخيرة، والمكاسب الاقتصادية المتوقعة جراء استخدام تلك التقنيات فى تقديم الخدمات المالية، والتطورات الرقابية والتنظيمية فى هذا الصدد، والتوجهات الأخيرة للبنوك المركزية ومؤسسات النقد العربية لدراسة إمكانات الاستفادة من تلك التقنية فى تقديم الخدمات المالية وزيادة مستويات الشمول المالي.

وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن تقنية «البلوك تشين» قد شاع استخدامها فى البداية كبنية تحتية داعمة لتداول الأصول المشفرة (Cryptoassets) ومن أبرزها عملة «البتكوين»، فإن تلك التقنية لها استخدامات مهمة فى بعض المجالات والقطاعات مثل الخدمات المالية، وحفظ السجلات الطبية، وتقديم الخدمات الحكومية وغيرها من التطبيقات الأخرى.

وأوضحت الدراسة وجود العديد من الأسباب وراء الاهتمام العالمى المتزايد بتقنية البلوك تشين ومن بينها أن الاستخدام الأوسع نطاقًا لتقنية البلوك تشين سوف يسهم وفق التقديرات الدولية فى تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تقدر بنحو 3.1 تريليون دولار بحلول عام 2030، مشددة على وجود فرص واعدة لاستخدام التقنية فى تقديم الخدمات المالية على وجه التحديد.
ومن المتوقع، وفقًا للدراسة أن تقنية البلوك تشين يمكن أن تسهم فى زيادة مستويات كفاءة وفاعلية الخدمات المالية بطريقة تماثل الطريقة التى غيرت بها الإنترنت صناعة الإعلام، وسوف تمكن الأفراد والشركات من الحصول على خدمات مالية أفضل دون وجود وسطاء ماليين أو ما يسمى «بإنترنت القيمة» أو فكرة «تضييق القطاع المصرفى».
وتشير الدراسة إلى أنه على صعيد القطاع المصرفى، يمكن أن تسهم «البلوك تشين» فى خفض واسع النطاق لتكاليف تقديم الخدمات المصرفية، على مستوى تكاليف العمليات والامتثال والإفصاح وتكاليف أنظمة أعرف عميلك بنسب تتراوح ما بين 30-70 فى المائة من كلفة هذه العمليات، موضحة أن الوفر الناتج عن ذلك بما يتراوح بين 8 و12 مليار دولار سنويًا بالنسبة لكبرى البنوك الاستثمارية، وهو ما دفع %91 من البنوك للاستثمار فى هذه التقنية خلال عام 2018 وفقًا لتقديرات أولية.

وتطرقت الدراسة إلى تأثير تقنية «البلوك تشين» على عمليات المقاصة والتسوية قائلة « تعتبر أنظمة الدفع والتسوية أحد أهم مجالات الخدمات المالية التى ستستفيد من تقنية «البلوك تشين»، حيث تسهم فى زيادة كفاءة عمليات الدفع والتسوية من خلال خفض الوقت اللازم لإنجاز المعاملات من أيام إلى دقائق وتعمل على خفض التكلفة المرتبطة بمثل هذه العمليات بشكل ملموس، كما يمكن أن يلبى استخدام الحلول المستندة إلى تقنية «البلوك تشين» احتياجات نظام التسويات الإجمالية الفوري».

وأكدت الدراسة أن البورصات العالمية تسعى إلى الاستفادة من تقنية «البلوك تشين» فى تنفيذ وحفظ التداولات فى أسواق الأوراق المالية لتقليل التكلفة وتبسيط الإجراءات وزيادة سرعة عمليات التداول والتسوية بشكل آمن، مشيرة إلى أن بورصة ناسداك أكبر البورصات فى العالم تبنت تقنية «البلوك تشين» فى عام 2015 لتعزيز أدائها، كما قامت فى الفترة الأخيرة باختبار منصة تداول قائمة على أساس «البلوك تشين» تهدف إلى تسريع وتبسيط العديد من عمليات التداول، وبالمثل، فإن لدى بورصة لندن خطط حديثة لتطوير منصة مدعومة بتقنية «البلوك تشين» يمكن من خلالها الإصدار الرقمى للأسهم الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة.

وخلصت الدراسة إلى أن تقنية «البلوك تشين» تساعد البورصات العالمية على توفير ما يتراوح بين 50 و60 مليار دولار سنويًا من النفقات التشغيلية وأنظمة المعلومات.
من جانب آخر، فإن التحويلات المالية من أبرز الخدمات المالية التى بدأت بالفعل الاستفادة من تقنية «البلوك تشين» وعلى نطاق واسع حيث أصبح من الممكن التحويل الفورى للأموال عبر الحدود بتكلفة منخفضة نسبيًا وفى وقت لا يتجاوز دقائق، مما قد يسهم فى زيادة حجم التحويلات العالمية التى تقدر بحوالى 500 مليار دولار سنويًا باستخدام قنوات التحويلات التقليدية.

وقالت الدراسة إن «البلوك تشين» تستخدم أيضًا فى تيسير خدمات تمويل التجارة، لتسريع وتيرة العمل مقابل الإجراءات التقليدية الورقية، مما يمكن ومؤسسات تمويل التجارة من تخزين وتأمين وتبادل تفاصيل العقود والشروط المالية تلقائيًا وتنسيق الخدمات اللوجستية التجارية والمدفوعات فى إطار شبكة آنية ومتكاملة من المعاملات، بما سيساعد على دعم عمليات تمويل التجارة وسد جزء من فجوة تمويل التجارة خاصة فى البلدان النامية وتحقيق وفر يُقدر بنحو 30-40 مليار دولار سنويًا.

وعلى صعيد الشمول المالى، والذى يعد أحد الأهداف الأساسية لمصر فى الوقت الحالى، فإن «البلوك تشين» تعتبر داعم قوى له، بجانب الهاتف المحمول، حيث يمكن من توفير الخدمات المالية لمليارات الأشخاص غير المخدومين ماليًا.

وتتوقع الدراسة أن تحقق هذه التقنيات عائدات مصرفية تبلغ وفق تقديرات البنك الدولى حوالى 380 مليار دولار فى عام 2020 (منها 270 مليار دولار جراء تغطية الشركات الصغيرة والمتوسطة بالخدمات المالية و110 مليارات دولار جراء تقديم الخـدمات المالية للأفـراد غير المخدومين ماليًا.

ورغم الاهتمام العالمى المتزايد باستخدام تقنية «البلوك تشين» فى الخدمات المالية، فإنه من الملاحظ – وفقًا للدراسة – أن نطاق انتشار هذه التقنية لا يزال محدودًا حتى الآن، وهو ما يعزى إلى عدد من التحديات التى تحول دون الاستخدام الواسع النطاق لهذه التقنية فى القطاع المالى فى الوقت الحالي.

وتشمل هذه التحديات طبيعة صناعة الخدمات المالية ذاتها التى تتسم بكثافة الأطر التنظيمية والرقابية التى تحكم هذه الصناعة، لا سيما فى أعقاب الأزمة المالية العالمية، إضافة إلى الطبيعة الناشئة لهذه التقنيات وعدم اختبارها على نطاق واسع، وعدم اليقين بشأن الوضع القانونى والتنظيمى لها وتباينه من دولة إلى أخرى، واعتبارات حماية البيانات والخصوصية؛ ومخاطر الهجمات السيبرانية، علاوة على صعوبات التشغيل المتداخل المحتملة للجمع ما بين الأنظمة المختلفة لتقنية «البلوك تشين» وارتفاع تكاليف رأس المال المرتبطة بهذه التقنيات.

وتطرقت الدراسة إلى الأطر التنظيمية الحاكمة لاستخدام هذه التقنية فى القطاع المالى على مستوى العالم، وبينت أنه على الرغم من التطور المتسارع لهذه التقنية لا يوجد إطار عالمى شامل ينظم ويحدد المعايير والمتطلبات الأساسية لاستخدام هذه التقنية فى تقديم الخدمات المالية.

وتختلف الأطر التنظيمية الحاكمة لها من دولة إلى أخرى، وهو ما يمثل تحديًا أمام تطور استخدامات هذه التقنية، حيث لا يتوفر حاليًا سوى مجموعة من الإرشادات المتضمنة فى إطار ممارسات التعامل مع التقنيات المالية وفق برنامج عمل «بالى» للتقنيات المالية الصادر عن كل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فى عام 2018 الذى يؤكد على أهمية التفاعل الإيجابى من قبل السلطات الإشرافية مع التقنيات المالية فى إطار يضمن سلامة واستقرار النظم المالية.

وتوقعت الدراسة أن يستفيد التقدم المحرز على صعيد عملية صنع السياسات فى هذا المجال من الجهود الحالية الرامية إلى توحيد المعايير الخاصة بتقنية «البلوك تشين» من قبل الشبكة المعلوماتية العالمية التى تعد واحدة من أقدم الهيئات التى تركز على توحيد المعايير الخاصة بهذه التقنية، إلى جانب الجهود المبذولة من قبل المنظمة الدولية للمعايير التى تعمل على إصدار المعيار القياسى الخاص بتقنية «البلوك تشين».

وقالت الدراسة إن السلطات الرقابية تتباين فى نهج التعامل مع هذه التقنيات ويأخذ ثلاثة أشكال: الأول يتمثل فى نهج الترقب والانتظار، حيث ترى بعض السلطات الإشرافية أن هذه التقنيات تمثل نموذجًا جديدًا للأعمال ينطوى على تقديم خدمات مالية دون وسطاء ماليين، لذلك فهم يفضلون جمع البيانات ومراقبة نماذج الأعمال لتقييم المخاطر المحتملة ثم صياغة الإطار التنظيمى المناسب.

وأشارت إلى أنه تتمثل ميزة هذا النهج فى تجنب التنظيم غير الدقيق لهذه التقنية، فى حين تتمثل عيوب هذا النهج فى عدم وضوح موقف السلطات الإشرافية من هذه التطورات، بما قد يحد من فرص تطوير هذه التقنية، بالإضافة إلى خطر التعرض لتهديدات جراء عدم تنظيم هذه التقنية بشكل ملائم.

ويتمثل النهج الثانى فى اتجاه السلطات إلى تأسيس مختبرات تنظيمية لاستكشاف الفرص المرتبطة باستخدام هذه التقنية فى الخدمات المالية، وبما يساعد على توفير البيئة الملائمة لتطوير هذه التقنيات ويوفر للسلطات الإشرافية، فهمًا أدق لطبيعة عمل هذه التقنيات، وهو ما يسهل عليها مهمة صياغة الإطار التنظيمى والرقابى الملائم لها. وهناك العديد من الأمثلة على هذا النهج مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والاتحاد الأوروبى وسنغافورة وسويسرا ولوكسمبورج والعديد من الدول العربية.

ويتمثل النهج الثالث فى الإسراع بسن قوانين وأطر تنظيمية لهذه التقنية، فعلى الرغم من الافتقار إلى فهم ومعايير موحدة لهذه التقنية، بادرت بعض السلطات الإشرافية بسنّ القوانين واللوائح المتعلقة باستخدام تقنية «البلوك تشين» فى تقديم الخدمات المالية.

وأوضحت الدراسة أن التحول الرقمى يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الرؤى المستقبلية والإستراتيجية للعديد من البلدان العربية، حيث يُعد ذلك بمثابة عامل تمكين كبير للتنويع الاقتصادى وزيادة مستويات مرونة وتنافسية الاقتصادات العربية.

وأشارت إلى أن هناك العديد من المبادرات للاستفادة من تطور استخدام «البلوك تشين» فى تقديم الخدمات المالية فى الدول العربية، ففى الإمارات، تبنى سوق أبوظبى العالمى إستراتيجية للتقنيات المالية الحديثة لتشجيع تطبيقات «البلوك تشين» فى تقديم الخدمات المالية من خلال إنشاء مختبر تنظيمى يدعم تطوير مثل هذه التطبيقات ويعتبر الأول من نوعه فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفى إطار هذا المختبر أعلنت سوق أبوظبى العالمية فى أوائل عام 2018، عن بدء تطوير منصة إلكترونية داعمة لنظام «اعرف عميلك» بالتعاون الوثيق مع أكبر المؤسسات المالية فى الإمارات باستخدام تقنية «البلوك تشين» وهو ما سوف يدعم كفاءة القطاع المصرفى ويساعد على زيادة الشمول المالي.

وفى مجال العملات الرقمية، أطلقت مؤسسة النقد العربى السعودى والمصرف المركزى لدولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا مشروع «عابر» لإصدار عملة رقمية يتم استخدامها بين المملكة والإمارات فى التسويات المالية من خلال تقنيات سلاسل الكتل والسجلات الموزعة، بينما تعتبر تونس من أوائل دول العالم التى تبنت نظام دفع إلكترونى تديره الدولة استنادًا إلى تقنية «البلوك تشين». وفى الإمارات، تهدف إستراتيجية «البلوك تشين» فى إمارة دبى إلى استخدام هذه التقنية فى تقديم الخدمات الحكومية، حيث سيتم تقديم كل الخدمات الحكومية فى دبى من خلال هذه التقنية بحلول عام 2020.

وأكدت الدراسة أن صندوق النقد العربى يبذل جهودًا متنوعة ومكثفة لمتابعة التطورات على صعيد التقنيات المالية وتأثيرها على الخدمات المالية والاستقرار المالى فى المنطقة العربية، نظرًا لتولى الصندوق مسئولية الأمانة الفنية لمجلس محافظى البنوك المركزية العربية ومؤسسات النقد العربية.

وتهتم العديد من اللجان وفرق العمل المنبثقة عن المجلس بالمتابعة الحثيثة للتطورات فيما يتعلق بتقنية «البلوك تشين» وفى هذا السياق تناقش اللجنة العربية للرقابة المصرفية وفريق العمل المعنى بالاستقرار المالى هذه القضية، من حيث تداعياتها على الاستقرار المالى ودور البنوك المركزية فى تطوير التنظيم والرقابة على هذه التقنيات، بينما يهتم الفريق الإقليمى للشمول المالى بدور «البلوك تشين» فى تعزيز الشمول المالى باستخدام الخدمات المالية الرقمية فى البلدان العربية.

فى حين تتطرق اللجنة العربية لأنظمة الدفع والتسوية إلى دورها فى تطوير أدوات الدفع الإلكترونى، وتقليل تكلفة التحويلات والمعاملات المالية، علاوة على ذلك، تناقش لجنة المعلومات الائتمانية العربية عدة جوانب مرتبطة بتقنية «البلوك تشين» بما فى ذلك دور هذه التقنيات فى تبادل المعلومات الائتمانية.

بالإضافة إلى ذلك، أنشأ صندوق النقد العربى مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة فى عام 2018 لصياغة المبادئ التوجيهية والسياسات ذات الصلة والقيام بأنشطة تهدف إلى تعزيز التحول الرقمى فى مجال الخدمات المالية فى البلدان العربية مع ضمان الاستقرار المالى.