إسلام المصري:
أعدت “الجماعة الإسلامية”، وحزبها السياسي “البناء والتنمية”, إ دراسة كاملة عن دستور لجنة الـ 50 , وأكدت أنها قاطعت الاستفتاء على مشروع الدستور بعد دراسة مستفيضة له وبعد استطلاع آراء أمانات حزب البناء والتنمية بالمحافظات.
ونشرت الجماعة الإسلامية نصا للدراسة الكاملة التي أعدتها، وحصلت “المال” على نسخة منها, والتي جاء فيها ..
“نعتقد أن حقيقة دستور لجنة الخمسين الانقلابى لا تخفى على كثير من المصريين, لأن هذا الدستور جاء فى ظل انقسام واضح بين أبناء الشعب المصرى وتم عقب انقلاب عصف بالإرادة الشعبية ومن خلال لجنة معينة افتقرت إلى وجود العديد من المتخصصين فى الشأن الدستورى ولم تأت معبرة عن كل المصريين وهو ما يجعله جديرا بالرفض والإهمال لأن ما بنى على باطل فهو باطل وما جاء مكرسا للإنقسام والاقصاء فهو غير جدير بأدنى مناقشة أو اهتمام .
ورغم كل هذا فإن سنة الله فى كتابه الحكيم قد علمتنا أنه سبحانه قد ناقش فى كتابه الكريم حجج أصحاب عقائد باطلة مقطوع ببطلانها إقامة للحجة وقطعا للعذر ” معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ” ولذا نحن على هذه السنة سائرون فى مناقشة دستور لجنة الخمسين الانقلابى متمثلين بقوله تعالى “بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ”
معايير التقييم
وكما فعلت الجماعة الإسلامية مع دستور 2012 عندما وضعت معايير لتقييمه فإنها اليوم تضع المعايير الآتية لتقييم هذا الدستور وهى ذات المعايير التى ينبغى أن يلتزم بها أى دستور كى يأتى ملبيا لتطلعات الشعب وآماله :
المعيار الأول : أن يعكس أكبر قدر من التوافق الشعبى .
المعيار الثانى : أن يعكس الدستور هوية الشعب .
المعيار الثالث : أن يضمن الحقوق والحريات والعدالة القانونية والاجتماعية .
المعيار الرابع : ألا يميز بين المواطنين ولا يؤدى إلى الاستحواذ والإقصاء .
المعيار الخامس : ألا يصنع ديكتاتورا جديدا .
المعيار السادس : أن تتكامل فيه السلطات ولا تتطاحن .
المعيار السابع : أن يجعل الإرادة الشعبية فوق أى إرادة أخرى .
المعيار الثامن : أن يقدم حلولا دستورية للمعضلات السياسية والإجتماعية والدينية التى تعانى منها الدولة والمجتمع ويضاف إلى ذلك معيار آخر وهو مقارنته مع دستور 2012 لمعرفة ما إذا كان عالج بعض عيوبه أو أضاف إليه عيوبا جديدة .
تقييم إجمالى
وقبل الخوض فى التفاصيل لابد أن نذكر تقييما إجماليا لدستور لجنة الخمسين , ويمكن أن نجمل ذلك فى الآتى :
أولا : دستور لجنة الخمسين باطل وفقا للإعلان الدستورى الصادر من الرئيس المؤقت فى 8 يوليو .
ثانيا : دستور لجنة الخمسين باطل لأنه يستفتى المواطنين على أمور فيها جهالة .
ثالثا : دستور لجنة الخمسين دستور غير توافقى وهو دستور الأقلية .
رابعا : دستور لجنة الخمسين يقلص الهوية والشريعة الإسلامية .
خامسا : دستور لجنة الخمسين يرسخ العلمانية .
سادسا : دستور لجنة الخمسين يجعل إرادة المؤسسة العسكرية فوق إرادة الشعب.
سابعا : دستور لجنة الخمسين يجعل رئيس الجمهورية فرعونا جديدا .
ثامنا : دستور لجنة الخمسين يهدد الحقوق والحريات .
تاسعا : دستور لجنة الخمسين يخلق نظاما للحكم فيه ثلاث رؤوس متصارعة مما يهدد الإستقرار .
عاشراً : دستور لجنة الخمسين دستور إقصائى وتمييزى .
حادى عشر : دستور لجنة الخمسين دستور المكافآت .
ثانى عشر : دستور لجنة الخمسين دستور المتناقضات .
ثالث عشر : دستور لجنة الخمسين لم ينجح فى تقديم حلول دستورية للمعضلات التى تعانى منها مصر .
وقد يقول قائل : ألا يوجد إيجابيات فى دستور لجنة الخمسين ؟
والإجابة : يوجد به عدد من الإيجابيات ولكنها ضاعت فى خضم السلبيات والكوارث الدستورية التى حفل بها الدستور فى القضايا الهامة والأساسية , وأغلب الإيجابيات كانت قائمة بذات القدر أو أقل قليلا فى دستور 2012 , وننتقل إلى العرض التفصيلى للكوارث الدستورية فى دستور لجنة الخمسين .
أولا : دستور لجنة الخمسين باطل وفقا للإعلان الدستورى الصادر من الرئيس المؤقت فى 8 يوليو :
إذا ما راجعنا مدى التزام لجنة الخمسين والرئيس المؤقت بالمواعيد المحددة فى الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المؤقت فى 8 يوليو للانتهاء من عمل اللجنة سنجد أن اللجنة والرئيس المؤقت قد ضربا عرض الحائط بما حددته المادة 29 , 30 من الإعلان الدستورى من مواعيد , وهو ما يعبر عن استهانة وعدم التزام تؤدى بالوثيقة الناتجة عنها إلى هاوية البطلان , وأى قضاء نزيه تعرض عليه دعوى بطلان الوثيقة أو الاستفتاء لابد وأن يحكم بتأييد بطلانها دون تردد فالمادة 29 من الإعلان الدستورى تقرر” ويتعين أن تنتهي اللجنة من إعداد المشروع النهائي للتعديلات الدستورية خلال ستين يومًا على الأكثر من ورود المقترح إليها” .
وهذا يعنى أن لجنة الخمسين التى بدأت عملها يوم 18/8 كان ينبغى عليها الانتهاء من عملها خلال شهرين أى فى يوم 17/10، بينما استمرت حتى 3 ديسمبر 2013 أما إعلان موعد الإستفتاء فكان ينبغى أن يتم خلال شهر من ورود وثيقة لجنة الخمسين للرئيس المؤقت وفقا للمادة 30 من الإعلان الدستورى , وهذا يعنى أن أقصى موعد لإجراء الاستفتاء كان ينبغى ألا يتجاوز يوم 3 يناير 2014 م وهو ما لم يحدث، وتم الإعلان عن موعد إجراء الاستفتاء فى 14 و15 يناير 2014 م.
والدلالة الواضحة من هذا التعامل مع إعلان دستورى صدر من الرئيس المؤقت هى أننا بصدد سلطة انقلبت على الإرادة الشعبية وعلى إعلانها الدستورى، فماذا يمنع من أن تدوس على كل القوانين والأمور التى تضمن نزاهة الاستفتاء وحيدة القائمين عليه ووجه الدلالة هو : نحن أمام سلطة غير قانونية تدوس على كل القوانين.
ثانيا : دستور لجنة الخمسين باطل لأنه يستفتى المواطنين على أمور فيها جهالة :
ولبيان ذلك الوجه نذكر مابينه المستشار القدير / طارق البشرى فى مقاله “مشروع الدستور حدث سياسي وليس عملاً قانونياً” المنشور بجريدة الشروق فى 18 /12/2013 حيث كتب “سيُدعى الشعب للتصويت على مشروع للدستور مطروح، وذلك فى الأيام القليلة المقبلة، والعجيب فى الأمر أن لجنة الدستور فى جلستها الأخيرة قد عدلت مواد مشروعها التى تسرى على مؤسسات الدولة التى ستُنشأ بعد الموافقة عليه وفور صدوره، عدلتها لا لتغير من مضمونها المحدد إلى مضمون آخر محدد، ولكنها عدلتها لتتركها «على بياض» أى حكم غير محدد، بمعنى أنها أفرغتها من مضمونها ومعناها وتركتها «على بياض». فصار من سيصوت للدستور لا يعرف متى وكيف سيشكل كل من مجلس النواب ورئاسة الجمهورية، أى لا يعرف متى وكيف ستشكل كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ولا يعرف ما هى الأحكام والأساليب التى ستشكل بها السلطة التشريعية فى أول تكوين لها بعد صدور الدستور، ولا يعرف هل سيتحدد رئيس الجمهورية ويتولى منصبه قبل تشكيل المجلس النيابى أم بعده. ولا يعرف هل سيكون المجلس النيابى بالانتخاب الفردى أم بالقائمة الجماعية أو الحزبية، ولا بأية نسبة سيكون كل منهما ان اجتمعا، ولا يعرف النسبة التى ستخصص للعمال والفلاحين ولا نسبة ما سيتخصص للشباب وللأقباط والمعاقين.
وقيل فى أحكام المشروع (بعد تعديلها فى الساعة الأخيرة لاجتماع اللجنة) إنه ستصدر قوانين بعد الاستفتاء على الدستور تحدد كل ذلك. بمعنى أنه مطلوب من الشعب المصرى أن يصوت على الدستور بنعم أولا دون أن يعرف أى شىء عن وضع المؤسستين الحاكمتين فى تشكيلهما الأول والذى سيتم فور العمل بالدستور، وهى المؤسسات التى ستعمل لخمس سنوات تالية بالنسبة للمجلس النيابى ولأربع سنوات تالية بالنسبة لرئاسة الجمهورية.
والسؤال الذى يطرح الآن: أليس فى هذا الإجراء نوع من الاستخفاف بالإرادة الشعبية، وهو ان تطرح على الناس وان تطلب رأيهم «الملزم» دون أن تكلف نفسك بتحديد ما تفرضه عليهم من أسس ومقومات وأحكام تحدد ما ستكون عليه أولى خطوات تنفيذ هذا الدستور وبناء مؤسساته الأولى.
وأحد الأسئلة التى تطرح أيضا، هو: هل ستكون إرادة التصويت الشعبى إرادة شرعية وصحيحة، بواسطة إبداء رأى بالموافقة على تشكيل مؤسسات لم تتحدد الأحكام النافية للجهالة عما سيكون عليه تكوينها الأول. وبالمنطق القانونى الذى نعرفه، فإن إبداء الرأى بالموافقة على ما ليس محدد المحل بطريقة نافية للجهالة، ان ذلك تكون به الإرادة المبداة إرادة باطلة شرعا وقانونا. ولا يصح قول بالموافقة والرضاء على ما لم تنتف الجهالة عنه. فلا يعتد مثلا بزواج ممن لم تولد بعد، ولا يحل شراء ما لم يتشكل بعد، ولا يعتد بتعيين موظف على وظيفة لم تنشأ بعد.
ومن جهة أخرى فإن هذه الأحكام التى لم يحددها مشروع الدستور، أرجأها وأحالها إلى قوانين تصدر بها. وهى ستصدر طبعا قبل ان تنشأ أجهزة المؤسسات الدستورية الجديدة، بمعنى أن من ستصدرها هى السلطة السياسية القائمة الآن قبل الاستفتاء على الدستور وقبل نفاذ أحكامه، وهى سلطة رئيس الجمهورية المؤقت الذى عينه فى هذا المنصب وزير الدفاع بوصفه القائد العام للقوات المسلحة فى 3 يوليو الماضى. (أنا صادق التقدير والاعزاز لشخص رئيس الجمهورية المؤقت كرجل قضاء جليل ورجل قانون نقدر علمه وزميل عزيز سابق، ولكننى أتكلم هنا عن وظائف ومهام سياسية وعن مراكز قانونية لذوى المناصب الحالية مجردة عن شخصيات أصحابها).
إن من ستُصدر التشريع هى رئاسة الدولة التى أصدرت قيادة الجيش فى 3 يوليو قرارها الفردى بتعيينها، وسلطتها تئول من الناحية السياسية إلى مصدرها، ومن ثم فهى تعكس المشيئة السياسية لنمط الحكم الذى قررته قيادة انقلاب 3 يوليو العسكرى وتدور فى هذا السياق من التوجهات. ومن ثم يكون من يتحكم فى أول تشكيل لمؤسسات الدولة السياسية الناجمة عن هذا الدستور المطروح، وعلى مدى السنوات الخمس الأولى منه هو صاحب الكلمة النافذة التى تحدد بها التشكيل السياسى للدولة فى 3 يوليو، أى سلطة الانقلاب العسكرى. وتذهب الجماهير للتوقيع «على بياض» لتعلن هذه السلطة «الرضاء الشعبى» المسبق على ما عسى أن تقرره وتزكيه فى بناء الدولة، إن هذه النصوص فى حقيقتها تتيح لسلطة 3 يوليو 2013 ان تستمر وفق مشيئتها الذاتية لمدة خمس سنوات تالية لصدور هذا الدستور إن رأى النور.”
ثالثا : دستور لجنة الخمسين دستور غير توافقى وهو دستور الأقلية .
لقد تم وضع هذا الدستور فى ظل انقسام مجتمعى لم تشهده مصر من قبل وفى ظل معارضة متزايدة يوما بعد يوم للإجراءات الإنقلابية التى أعلنت فى 3 يوليو , ثم جاء تشكيل لجنة الخبراء العشرة ولجنة الخمسين مهيمنا عليها من قبل ممثلين للتيار العلمانى واليسارى وبواسطة التعيين من قبل رئيس معين عقب انقلاب 3 يوليو , ومن ثم فمن الطبيعى ألا يحظى الدستور الناتج عنهما بتوافق عام من الشعب المصرى لأنه جاء معبراً عن رغبات وتطلعات الأقلية الدينية التى أصرت على تقليص وجود الهوية والشريعة الإسلامية و الحصول على تمثيل ملائم للمسيحيين فى المجالس المحلية “المادة180” ومجلس النواب القادم “المادة 244” .
كما أنه جاء ملبيا لتطلعات الأقلية السياسية الممثلة فى التيار العلمانى واليسارى فى تحقيق الاقصاء لمنافسيهم السياسيين من الإسلاميين بمنع أى نشاط سياسى أو تأسيس الأحزاب على أساس دينى .
كل هذا وكثير مما سيأتى فى النقاط الآتية يؤكد أننا لسنا أمام دستور توافقى لكننا أمام دستور الأقليات .
رابعا : دستور لجنة الخمسين يقلص الشريعة الإسلامية :
فى الوقت الذى جاء دستور 2012 معززاً للهوية والشريعة الإسلامية فإن دستور لجنة الخمسين جاء مقلصاً للهوية والشريعة الإسلامية بصورة كبيرة تجعل موقع الشريعة الإسلامية أقل مما كانت عليه فى دستور 1971 وتعديلاته بل أقل مما جاء فى الإعلان الدستورى الصادر فى 8 يوليو 2013 من الرئيس المؤقت .
فالناظر إلى مواد دستور لجنة الخمسين لن يجد فيه ما يتعلق بالشريعة الإسلامية سوى المادة الثانية بنصها المعهود فى دستور 1971 , دستور 2012 , والمادة السابعة المتعلقة بالأزهر والتى حذف منها أهم ما فيها وهو ما كان موجوداً فى المادة الرابعة من دستور 2012 والذى كان ينص على : ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة .
وهذا يعنى عدة أمور :
أ ـ تم تقليص وجود الشريعة الإسلامية فى دستور لجنة الخمسين مقارنة بدستور 2012 على الوجه التالى :
1 ـ الغاء المادة 219 من دستور 2012م والتى كانت مفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية , وأحال دستور لجنة الخمسين تفسيرها بالديباجة إلى ما تضمنته مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا الخاصة بهذا الشأن ,وهى مجموعة أحكام متناقضة وهو ما يعنى إسناد تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية إلى المحكمة الدستورية بدلا من هيئة كبار العلماء بالأزهر وهو أمر بالغ الخطورة سنناقشه بعد قليل .
2 ـ الغاء أخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية وفقا لما كان مقرراً فى المادة الرابعة من دستور 2012 وهو ما يعنى أن دور الأزهر المقرر فى المادة السابعة من دستور لجنة الخمسين لايدخل فيه بالضرورة أنه المرجع فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية وإلا لم يكن هناك معنى للتعديل الذى أصرت عليه الكنيسة .
3 ـ الغاء مبدأ الشورى كأساس من الأسس التى يقوم عليها النظام السياسى والتى كانت أحد أسس النظام السياسى فى المادة السادسة من دستور 2012 .
4 ـ الغاء دور الدولة والمجتمع فى حماية الأسرة وفقا لما قررته المادة العاشرة من دستور 2012 والتى كانت تنص على : ” وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها وذلك على النحو الذى ينظمه القانون” , لتصير فى دستور لجنة الخمسين ” المادة العاشرة التى تنص على ” الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها “.
5 ـ تم الغاء المادة ( 11 ) فى دستور 2012 والتى كانت تنص على : ” ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية والثقافة العربية والتراث التاريخى والحضارى للشعب وذلك وفقا لما ينظمه القانون”.
6 ـ تم الغاء المادة “44 ” من دستور 2012 التى تنص على : “تحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة ” .
7 ـ تم حذف الفقرة الثانية من المادة “81 ” من دستور 2012 التى تنص على : ” وتمارس الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المقومات الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور ” لتقتصر على الفقرة الأولى فقط فى دستور لجنة الخمسين التى جاء نصها فى المادة 92 ” الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها ” وهذا الحذف يدل على إرادة لجنة الخمسين أن تلغى أى دور للشريعة الإسلامية أو الأخلاق كمقوم من المقومات الواردة فى باب الدولة والمجتمع فى ضبط ممارسة هذه الحقوق والحريات .
8 ـ تم إلغاء المادة 207 من دستور 2012 الخاصة بإنشاء الهيئة العليا لشئون الوقف، وإلغاء المادة 213 من دستور 2012 الخاصة بإنشاء الهيئة العليا لحفظ التراث، وإلغاء المادة 124 الخاصة بإنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد.
ب ـ ينطوى دستور لجنة الخمسين على مواد تخالف الشريعة الإسلامية :
بالإضافة لهذا التقليص للشريعة الإسلامية فى دستور لجنة الخمسين فإنه ينطوى على عدد من المواد التى تحمل مخالفة واضحة للشريعة الإسلامية ومن هذه المواد :
1 – المادة ” 11 ” التى تقرر : ” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور ” وهذه المادة كانت فى دستور 1971 مقيدة بقيد بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ولم تدرج فى دستور 2012 ، وإطلاق المساواة بين الرجل والمرأة فى تلك الميادين يتصادم مع بعض أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالميراث أو من بيده الطلاق وغير ذلك ، ولا يكفى اعتبار عبارة وفقا لأحكام الدستور كافية لإزالة هذا التخوف ، لأنها فضلا عن كونها عبارة غامضة فهى تردنا إلى أحكام متعارضة بمواد دستورية لها ذات الدرجة مثل المادة الثانية الخاصة بمبادىء الشريعة الإسلامية ,والمادة الرابعة التى تقرر : ” ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادىء المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين وذلك على الوجه المبين فى الدستور ” ، والمادة 93 الخاصة بالتزام الإتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر وكثير منها تؤكد المساواة مطلقاً بين الرجل والمرأة .
فأيٍ من أحكام هذه المواد المتناقضة سيتم تقديمه وكلها أحكام دستورية ؟
الإجابة تقدمها لنا المادة 226 الخاصة بتعديل الدستور حيث قررت فى فقرتها الأخيرة ” لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية والمساواة ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات ” وهذا النص يعنى أن مبدأ المساواة غير قابل للتعديل بخلاف مبادىء الشريعة الإسلامية التى لم تذكر فى هذه المادة والتى تصير قابلة للتعديل بالزيادة أو الإلغاء مما يجعلها فى هذا الدستور فى مرتبة أدنى من مبدأ المساواة الذى سيقدم عليها عند قيام المحكمة الدستورية وهى الجهة المنوط بها تفسير الدستور عندما تتصدى لحل هذا التناقض وفقاً للمادة 92 .
2 ـ المادة 226 تجعل هناك إمكانية لإلغاء كل ما يتصل بالشريعة بدستور لجنة الخمسين بينما تجعل مبادىء الحرية والمساواة مبادىء فوق دستورية غير قابلة للإلغاء وهو ما يبين حقيقة موقع الشريعة فى هذا الدستور .
3 ـ المادة 93 تلزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر , وهو ما يعنى التزام مصر بأحكام قد تتعارض مع الشريعة الإسلامية ولا يقال أن ممثل مصر لن يقبل ما يخالف الشريعة الإسلامية لأنه لا يوجد في هذه المادة أي قيد يمنعه من ذلك ,ومن ثم فالباب مفتوح أمام الموافقه على زواج المثليين والشذوذ والحرية الجنسية للأطفال الخ.
3- المادة “155” تعطي رئيس الجمهورية الحق في تخفيف العقوبة أو العفو عنها وتجعل العفو الشامل بقانون وهو ما يعني اعطاء رئيس الجمهورية أو مجلس النواب الحق في العفو عن أحكام القصاص وهو حق أصيل لولي الدم أو المضرور لا يملكه أحد غيرهم وكذلك ما يدخل في احكام الحدود إذا ما طبقت وهو ما لا يجوز فيها الشفاعة أو التخفيف، ولقد سبق أن قدمنا هذا الإعتراض للجمعية التأسيسية الخاصة بدستور 2012 .
4- المادة 74 تقرر “لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب على أساس ديني” وهو ما يعني السماح بإقامة أحزاب الحادية أو للشيوعيين أو عبدة الشيطان بينما يمنع النشاط السياسي وإنشاء الأحزاب على أساس إسلامي فهل الشريعة الإسلامية تسمح بذلك ؟ّ!!
5- المادة 225 تجيز تطبيق القانون بأثر رجعي بعد إقراره في غير المواد الجنائية والضريبية وذلك بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب وهو ما يفتح الباب أمام نزع ملكية قد تثبت بقوانين سابقة أو إلغاء احزاب أو مؤسسات قائمة وفقا لقوانين سابقة أو فصل موظفين أو إلغاء مكافآت بموجب قوانين سابقة بأثر رجعي هو ما لايجوز شرعا.
6- المادة 67 تقرر عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري واكتفت بالزام المحكمة للمحكوم عليه بالتعويض الجزائي بالإضافة للتعويض الأصلي عن الضرر واستثنت المادة من ذلك الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في الأفراد فأحالت تحديد عقوباتها الى القانون ، وكذلك المادة “71” والتي قررت : “لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية ثم رددت ذات الأحكام المذكورة في المادة “67” وإذا كنا نقف دائماً مع حرية الإبداع والفكر والرأي والصحافة والادباء والفنانين وكل أحد من المواطنين فإننا نرى أن هاتين المادتين فتحتا الباب أمام المساس بالأمن القومي,ونشر الأسرار العسكرية أو الطعن والإستهزاء بالأديان والأنبياء وتقويض الأخلاق ونشر الرذيلة ,فبمقتضى هذه المادة لن توقع عقوبة سالبة للحرية على من سرب أسرارا عسكرية أو استهزأ بالرسل والدين أو نشر أفلاما إباحية أو عرض تقديم خدمات جنسية سواء كان ذلك بالنشر في الصحف أو البرامج أو في الأفلام أو غير ذلك وكل هذا لا يتطابق مع أحكام الشريعة في شئ وكان ينبغي أن يضاف للإستثناءات المذكورة في هاتين المادتين المساس بالأمن القومي وبالأديان والرسل والأخلاق ويترك للقانون تحديد العقوبات وللقضاء العادل الفصل في الإتهامات.
جـ- هل وضع الشريعة تعزز؟ وهل الرجوع لتفسير المحكمة الدستورية كاف؟:
المتأمل في كل ما سبق يجد بدون أدنى عناء أن وضع الشريعة الإسلامية في دستور لجنة الخمسين قد تراجع بما يفتح الباب للإلتفاف عليها بينما كان وضع الشريعة قد تعزز في دستور 2012م بما يسمح بترسيخها.
لكن هناك من ينتمي لحزب النور من يؤكد على أن وضع الشريعة قد تعزز فى دستور لجنة الخمسين بعد طول تأمل فيه وأن ما تقرر في الديباجة من أن المرجع في تفسير مبادئ الشريعة هو ما تضمنته مجموع أحكام المحكمة الدستورية في هذا الشأن كافٍ جداً!!!!!!.