انحدار الذوق والتذوق

10:51 ص, الخميس, 28 يناير 16

جريدة المال

المال - خاص

10:51 ص, الخميس, 28 يناير 16

أدرك ضعفى الكامن لمنطقة وسط البلد.. أحببت شوارعها وحواريها الضيقة التى تنفذ مباشرة من شارعيها الرئيسين  قصر النيل، وسليمان باشا مكثت 6 سنوات من عمرى فى عمارة الأيموبيليا قلب القاهرة النابض كان ذلك فى سبعينيات القرن الماضى، نزهتى المفضلة النزول لرؤية الفترينات الأنيقة والتى تتغير أسبوعيا على يد فنانين من أقسام الديكور كل منهم يتفنن فى تقديم ابتكارات من المستحيل عدم تأملها، ذوق لا يخرج عن إطار ما حوله من عمارة أصيلة ورصيف منخفض تدق عليه المرأة بالكعب العالى رشيقة أنيقة تنظر فى اطمئنان الى ما حولها غير آبهة من الكعبلة والوقوع فى بلاعة والللا حفرة، أو سلك كهرباء سهوا عليه، أى كارثة والسلام يتكسر لك  فيها أى عضو من جسمك مما يحدث الآن فى أيامنا السودا التى يسيطر فيها على الذوق فى البلد بعض من هم لم يروا فى حياتهم حيطتان بجانب بعضهما بنفس اللون إذ حين انتهى الدهان رشوا أى لون تانى ولا عمرهم شافوا منظر جميل أو عمل فنى.

لم يتأملوا أن فى الفراغ جمال يملؤه الضوء والخضرة الطبيعية، مغيبين عن جمود وسآلة الورد الصناعى، ورقة الورد الطبيعى.  أن من يتصدى لهذه الأعمال الجمالية التى ستعطى النكهة المتفردة  لشكل البلد وأبعادها المعمارية تدخل فى صميم البيئة الحاضنة  والتربية ثم التعليم  وأخيرا التخصص الفنى فى تنشئة الذوق وخواصه وليس الفهلوة  حين يأمر المديرـ بتنفيذ عمل فنى  لواحد   محاسب  ـ  لأنه أوفرأو لسبوبة ما.

التذوق جزء منه موهبة كامنة تتحرك بالمشاهدات المتواترة للجمال ثم الدراسة ضرورة ملحة إذا كانت الوظيفة هى فرض الذوق العام.

فى الماضى كان فيه احترام «للبنى آدم »وبالتالى احترام لصيانة الذوق الفنى الراقى، للارتقاء بالمواطن بنظر المختصون الى كل ما يحمل نظرية تكافؤ النسبة والتناسب والانسجام اللونى والحركى لأماكن تراعى حجم البنى آدم فلا ينبعج ويتلوى أو يطأطئ الرأس من فتحات ما أنزل الله بها من سلطان أو القفز على وزرة ناتئة وكله ماشى. هذه المهازل لم ترد عند البناة الأولين انظر وراءك ستجد فطرة الإنسان للجمال فى النسب الصحيحة والانسجام اللونى، مفطورة فى العمارة الأثرية القديمة، والأدوات اليومية فلا يمكن أن نصيد «وعلا» بسهم طوله نصف متر !  ولا يمكن أن يدخل بابا عرضه أيضا نصف متر انظر الى العمارة القديمة ستجد الجمال المتكامل فى العمارة الفرعونية والقبطية والعربية هى الخاصية والعلامة التى تسحب السائح.. والبصمة المعمارية لتحمل اسم «مصر»، لتتفرد عن البلاد الأخرى، تميز كامل لأساليب البناء لدولة عن الأخرى.

الآن ستجد العجب من خنفشارية النسب وخزعبلية الألوان، وترخصها.     
                                                                       
نتذكر الحملة التى قامت على فيس بوك والتريقة المريرة على تمثال رأس نفرتيتى المشوه فى مدينة قنا أدت الى تغييره بتمثال يحترم النسب والجمال، شعب يحمل الطبقات الحضارية الأكثر إلهاما وتذوقا من أى فنى لا يحمل  لقب فنان تشكيلى.

 مهزلة معبد الكرنك دهنوه بلاستيك عند صيانته ؟!. ولصقوا ذقن توت عنخ آمون بالصمغ لم يتكبدوا سؤال الدول المتقدمة فى مجال ترميم الآثار !!
أما وسط البلد الآن وقد انقلب الى سوق لمحال شعبية تفتقر الى الذوق كواجهة حضارية للقاهرة وعلى الأبواب الفخمة للعمارات القديمة أقيمت دكاكين عشوائية، ألى أين هذا البلد إذا لم يتم اختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب، وليس العكس؟

جريدة المال

المال - خاص

10:51 ص, الخميس, 28 يناير 16