انتخابات أوروبية لا تجيب على تساؤلات.. لكن تفتح أبوابا

طارق عثمان

9:57 ص, الأحد, 2 يونيو 19

طارق عثمان

طارق عثمان

9:57 ص, الأحد, 2 يونيو 19

على عكس العادة، لم تُجب انتخابات البرلمان الأوروبى، التى أُجريت فى الأسبوع الأخير من مايو، على أى من الأسئلة الرئيسية فى أوروبا الآن.
من ناحية، فاز الحزبان الكبيران فى البرلمان – ممثلا الكتل اليمينية واليسارية الأهم فى أوروبا – بأكبر عدد من المقاعد، ومن ثَم احتفظا بموقعهما الرائد فى البرلمان. ولكنه جاء نصراً منقوصاً، فالاثنان، مع بعضهما، لا يسيطران على أغلبية حاكمة فى قرار البرلمان. والواضح أن نجاحهما كان بحكم سعة تواجدهما فى الدوائر الانتخابية، وليس نتيجة لأفكار وخطاب سياسى جذاب.

من ناحية أخرى، نجحت أحزاب أقصى اليمين فى الحصول على تمثيل واضح، أكبر بكثير مما كان لها فى البرلمان المنتهية مدته. لكن هذا النجاح جاء باهتاً.. لا هو ساحق لأحزاب أخرى ولا هو قادر على فرض رؤى أصحابه. ولكنه نجاح يفتح أمام قادة هذا التيار فرصة للعب دور أكبر، ليس فقط فى بلادهم، ولكن أيضاً على الساحة الأوروبية ككل.

الشىء نفسه حدث من الأحزاب الليبرالية وبينها الـ (greens) – الأحزاب التى تضع المخاطر البيئية فى قلب أجنداتها السياسية. حصلت على أكبر تمثيل لها فى تاريخ البرلمان الأوروبى، ولكن ذلك جاء من نجاح مدوّ فى ألمانيا (وهى ذات تمثيل كبير فى البرلمان)، ولكن بلا أى صدى فى شرق أو وسط أو جنوب أوروبا.

والمحصلة أنها نتائج قابلة لقراءات متعددة…هى استمرار للأحزاب التقليدية، هى نجاح للثائرين القادمين من أقصى اليمين، وهى فوز لليبراليين فى مكان محدد من القارة. ومعنى كل ذلك: أن نتائج الانتخابات تعبير عن الاختلافات الجوهرية فى فكر وشعور ورغبات ومخاوف المجتمعات الأوروبية. هى تعبير عن الانقسام الأوروبى، أكثر منها عن أى التقاء فكرى فى القارة.

هذه الانقسامات تفتح أبواب نقاشات ومفاوضات التكتلات المهمة فى السياسة الأوروبية، ووراءها مصالح اقتصادية، وخلف الاثنين البيروقراطية الأوروبية (سواء فى بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبى، أو فى العواصم الكبرى) ستستغل كل ذلك لتعظيم مكاسب، خاصة فى المناصب السياسية الكبرى التى ستتحدد فى الأشهر المقبلة، سواء فى المفوضية الأوروبية أو الأذرع المالية التابعة لها، أو فى البنوك التنموية الأوروبية.

لكن توزيع المناصب، والمحاصصات السياسية بين العواصم، وغيرها من دواخل البيروقراطية الأوروبية لن يقدم جديداً للناخب الأوروبى. على العكس، أغلب الظن أن الانقسامات فى الاتجاهات والرؤى والطموحات والمخاوف بين أجزاء القارة ستتفاقم، بينما السياسة الأوروبية منشغلة بتوازناتها.
هذا الحال يغلق باباً ويفتح آخر.

الانقسامات، والبحث عن حلول وسط، غالباً، ستغلق الباب أمام أى سياسى أوروبى يجد نفسه فى موقع قيادى فى المفوضية الأوروبية المقبلة. ذلك أن المفوضية، من قبل ومن بعد، أداة للتنسيق بين العواصم الأوروبية، ولخلق قوة دفع للعمل الأوروبى الجماعي. لكنها تجد نفسها عاجزة عن خلق فرص أو توحيد مواقف اذا كانت العواصم الأوروبية، وخاصة الكبرى منها، فى موقع فكرى مختلف. وهذا هو الحال.

فى المقابل..هذه الانقسامات، والدوران فى متاهات البيروقراطية والتوازنات السياسية، تفتح الباب أمام زعيم شعبوى قادم من أقصى اليمين، وغير عابئ بالقواعد والبروتوكولات التقليدية للعمل فى بروكسل ودوائر الاتحاد الأوروبي.

ليس معنى ذلك أننا أمام احتمالية شخصية تمثل دور دونالد ترامب فى بروكسل. لكننا، لا شك، أمام فراغ فى القيادة الأوروبية، جزء منه راجع إلى نوعية قيادة إنجلا ميركل الهادئة فى برلين، وهى على كل حال فى مرحلة تسليم المقاليد إلى قيادة جديدة من حزبها، وجزء راجع إلى ضياع المبادرة وقوة الدفع من ماكرون فى باريس. لكن الفراغ حاصل وواضح، وعامل رئيسى فى التشرذم السياسى للقوة الأوروبية (خاصة فى الوسط السياسى، ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار). والفراغ، دائماً، يدعو من يملؤه.

سالفينى (الزعيم السياسى الأبرز فى إيطاليا الآن) ومارى لوپان فى فرنسا (الناجحة بلمعان فى الانتخابات الأخيرة) يطمحان لملء ذلك الفراغ. وكلاهما من قلب أقصى اليمين. السؤال الآن: هل سيبرز، من المفاوضات والمحاصصات السياسية فى الأشهر المقبلة، سياسون من الوسط، يحملون افكاراً براقة تستطيع أن تأخذ قوة الدفع من أقصى اليمين، وتستطيع، فى الوقت نفسه، أن يكون لها صدى فى شمال وغرب القارة، وأيضاً فى شرقها وجنوبها. إجابة هذا السؤال ستحدد اتجاه الريح فى السياسية الأوروبية فى المستقبل القريب. إذا لم يحدث، سنرى أبواباً تُفتح أمام أقصى اليمين.

  • كاتب مصرى مقيم فى لندن