«النيوويف» و«الميكروويف»!

«النيوويف» و«الميكروويف»!
حازم شريف

حازم شريف

12:00 ص, الأحد, 5 أكتوبر 03

علي مدار الثلاث سنوات الماضية.. بدا واضحا أن ثمة رياح تغيير عاتية تهب علي الحزب الوطني، تكاد تعصف به من جذوره، لتقتلعها، وتبدر مكانها بذور توجهات سياسية جديدة، اصطلح تدريجيا علي تسميتها بموجة الفكر الجديد “New Wave Of Thinking.

كما أمكن – تدريجيا أيضا – استجلاء بعض الخصائص والسمات التي تميز هذه الموجة الجديدة من التفكير. أولها أن النواة المحركة لها تضم في أغلبها مجموعة كبيرة من الكوادر الشابة، بجانب بعض المسئولين الحزبيين، الذين عرف عن بعضهم – بحكم الثقافة والخبرات والتكوين – نزعتهم التعددية الليبرالية.

وثانيها، أن مجموعة الفكر الجديد تتبني توجها معلناً نحو توسيع قاعدة المشاركة السياسية والاعتماد علي الشباب في تشكيل تنظيمات الحزب السفلية والفوقية، فيما يبدو أنه محاولة لملء الفراغ السياسي الذي تم تركه لسنوات طويلة مرتعا خصبا لتيارات تتراوح ما بين الشيفونية والنازية والأحادية.

وسواء رأي البعض – أو لم ير- في ذلك مجرد يافطة شكلية لا أساس لها في أرض الواقع، إلا أن ثمة ما يدعو للاعتقاد أن جزءا لا بأس به من مجموعة النواة يتمتع بحسن النية والرغبة في ذلك، ولو حتي بقدر محدود.

أما ثالث هذه السمات فيتمثل في محاولة إقرار وترسيخ حقوق المواطنة ومبدأ عدم التمييز كضمان أساسي للولاء والانتماء للوطن، سواء رأي البعض في ذلك أيضا مجرد توجه شكلي أم يتجاوزه إلي المضمون.

أما رابع خصائص الموجة الجديدة، فهو تبنيها لمفهوم حكومة الحزب كبديل لمفهوم حزب الحكومة الذي ساد لسنوات طويلة، ليس فقط منذ بدء نشأة الأحزاب الحديثة في مصر – للمرة الثانية- علي يد الرئيس السادات في تجربته المعروفة باسم الديمقراطية المقيدة- أو المتدرجة كما يحلو للبعض تسميتها- ولكنه تقليد يعود بجذوره إلي مرحلة الحزب الواحد في التجربة الناصرية، التي كان فيها الاتحاد الاشتراكي مجرد أداة لإظهار التأييد الشعبي للسلطة التنفيذية.

وهذا التغير السابق – الذي نجحت الموجة الجديدة في إقراره إلي حد كبير- يمتد تأثيره علي مستوي المضمون، ليمس صلب علاقات القوي والنفوذ والمصالح المتشابكة بين الحكومة والحزب، فترتبط مصالح أعضاء الحكومة بالحزب، وليس مصالح أعضاء الحزب بالحكومة.

كل هذا يبدو جميلا.. لولا ما نستشعره من بوادر للخطر، تتجلي فيما يمكن أن نطلق عليه تعامل البعض مع الموجة الجديدة أو «النيوويف» بمنطق «الميكروويف»، أي علي أنها تمثل تيارا صاعدا بسرعة الصاروخ، يكفل الانضواء تحته لأصحابه أيضا الصعود بسرعة الصاروخ، وهو منطق يجد روافده في الثقافة السياسية الانتهازية السائدة، والتي طالما صاحبت تجربة الحزب الواحد.

وخطورة منطق «الميكروويف» أنه يمكن أن يحول «النيوويف» تدريجيا – في حالتنا هذه- إلي مجرد شكل، مضمونه هو ذات مضمون «الأولد ويف» إن جاز التعبير.

باختصار.. ركوب الموجة أخطر كثيرا عليها مما تواجهه في أرض الواقع من عقبات وصخور، إلا أنه قد يكون – وفي حالتنا هذه أيضا – أشد خطورة علي أصحابه المعتنقين لنظرية «الميكروويف».

فليس من اعتاد الاغتراف من أموال الرفض بمقدوره أن يصبح ليبراليا، ولا من جبل علي التمرغ في ثروات النفط بمقدوره أن يصبح ليبراليا، ولا من شب علي أن يكون «عصفورة» يتلمس أخبار الرفاق والزملاء من هنا وهناك ليس لوجه الله، وإنما لوجوه أخري.. هذا ليس بامكانه أن يصحو فجأة من النوم ليبراليا. لا لشيء سوي لطبيعة تعارض وتنافر المصالح، بين أن تكون ليبراليا أو نفطيا، بين أن تقبل بالتعددية إلي أقصي مدي أو إلي حدود برميل البترول، بين أن تؤمن فقط بحرية ممارسة العقيدة لا بحرية الاعتقاد من الأساس، بين أن تكون ديماجوجيا أو تعتنق الحوار والاستماع لرأي الآخر.. فانت لا تستطيع أن تستمر في السير علي الحبل في هذه الحالة لأكثر من بضعة بوصات، تتعثر قدماك بعدها تحت وطأة الاختيار – الذي قد يفرضه عليك أحد الفريقين رغم أنفك – أو الاندحار الذي قد يدفعك دفعا إليه، تواطؤ جماعات المصالح المتعارضة عليك.

وحينها ستفقد كل شيء.. المصالح القديمة والموجة الجديدة وربما الأكثر جدة.

أما الموجة الجديدة فنأمل إلا تفقد زخمها وطاقة حركتها واتجاه بوصلتها -المعلن علي الأقل- بفعل ما يثيره أصحاب منطق الميكروويف من غبار أثناء رحلة صعودهم السريع، بنفس قدر ما نأمله في ألا تصاحب هؤلاء في رحلة العودة إلي القاع من جديد بنفس السرعة الصاروخية للصعود.