تتوقع جيتا جوبيناث رئيسة الخبراء الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى ارتفاع خسائر الاقتصاد العالمى خلال العامين الجارى والمقبل إلى 12.5 تريليون دولار بسبب الركود الناجم عن وباء فيروس كورونا الذى انتشر فى أكثر من 200 دولة وأودى بحياة نصف مليون شخص.
وقالت إن هناك درجة مرتفعة من الشكوك تحيط بهذا التوقع الذى تكتنفه مخاطر صعودية ونزولية لاسيما أن ظهور أنباء متفائلة عن ابتكار أمصال وأدوية لعلاج مرض كورونا المستجد (كوفيد 19) وتعهد الحكومات بدعم اقتصاداتها يساعد على سرعة التعافى من الركود غير أن حدوث موجات أخرى من العدوى بالفيروس سيؤدى إلى زيادة الإنفاق على مكافحة الوباء وتقييد أسعار الفائدة والظروف المالية مما يجعل الديون العالمية تتفاقم أكثر وأكثر.
وذكرت وكالة “بلومبرج” أن التدابير المالية التى أعلنتها العديد من حكومات العالم والتى تبلغ حاليا حوالى 11 تريليون دولار ارتفاعا من 8 تريليونات فى أبريل الماضى ساعدت على تخفيف التأثيرات السيئة التى تعرضت لها الشركات والعمال بسبب الوباء الذى تسبب فى إغلاق المصانع والشركات معظم الشهور الماضية وحظر حركة الناس مما أدى إلى هبوط الطلب وضعف الحركة الشرائية.
وتابعت: ”لكن النفقات الطارئة التى خصصتها هذه الحكومات لمواجهة “كورونا” دفعت نسبة الديون العالمية الناتج الاقتصادى العالمى إلى أكثر من %100 لأول مرة كما جاء فى تقرير النظرة المستقبلية الذى أصدره صندوق النقد الدولى مؤخرا حيث أكد فيه أن الزيادة فى هذه النسبة اقتربت من 19 نقطة مئوية لتتجاوز بكثير ما حدث فى عام 2009 أثناء الأزمة المالية العالمية” .
وخفض صندوق النقد الدولى نظرته المستقبلية للاقتصاد العالمى الذى ضربه الوباء هذا العام لدرجة أنه يتوقع ركودا أعمق و تعافيا أبطأ مما أعلن عنه منذ شهرين ليقلص توقعات النمو إلى %3 العام الجارى و إلى %5.4 فى 2021 بسبب تفاقم العدوى من مرض (كوفيد 19) الذى أصاب ما يقرب من 10 ملايين حالة حتى الآن .
وحذر الصندوق من أن يشهد هذا العام أكبر ركود منذ الكساد العظيم، كما أعلن عن تزايد تشاؤمه من حدوث صدمة فى المعروض العالمى نتيجة الغلق السابق و حظر العمل وضعف الطلب بسبب التباعد الاجتماعى وغيرها من تدابير السلامة الأخرى، علاوة على أن استمرار الإغلاق فى الدول التى تكافح الوباء سيؤدى إلى هبوط النمو أكثر وأكثر.
وتقترب خسائر الاقتصاد العالمى المتوقعة من الوباء هذا العام من أزمة الكساد العظيم خلال ثلاثينات القرن الماضى التى بلغت %10 من الناتج الاقتصادى العالمى، كما أكدت جيتا جوبيناث التى ترى أيضا أن حدوث المزيد من العدوى بالفيروس خلال العام المقبل سيقلص أكثر النمو العالمى إلى حوالى %0.5 بدلا من %5.4 المتوقعة حاليا.
ورغم أن اقتصادات عديدة بدأت تستأنف النشاط الاقتصادى فإن السمات الفريدة للإغلاقات والتباعد الاجتماعى والحظر أثرت سلبا بدرجة غير مسبوقة على الاستثمار والاستهلاك لأن العالم لم يتجاوز الأزمة حتى الآن وفى ظل هذه الضبابية الكثيفة يتعين على صناع السياسات أن يلزموا الحذر أثناء مكافحة الوباء و بذل الجهود لتحقيق التعافى بالسرعة المطلوبة.
ويقول صندوق النقد الدولى إن الركود الحالى هو الأسوأ منذ الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الماضى، عندما انكمش الناتج العالمي%10 بينما أعلنت “جوبيناث” أن الدعم المالى البالغ 11 تريليون دولار وبر امج التوسع النقدى الهائل المقدمة من البنوك المركزية ساعدا على منع إفلاسات واسعة النطاق ولكن هناك حاجة لمزيد من الدعم الحكومى.
وتلقت الاقتصادات المتقدمة ضربات عنيفة على نحو خاص، حيث بات من المتوقع أن ينكمش الناتج الأمريكى %8 وناتج منطقة اليورو 10.2 % خلال العام المقبل وهى تكهنات أسوأ بما يزيد على نقطتين مئويتين مقارنة مع توقعات أبريل الماضى، كما جاء فى تقرير الصندوق الذى يتوقع أيضا أن ينكمش اقتصاد البرازيل %9.1 والمكسيك %10.5 والأرجنتين %9.9 خلال العام الجارى.
أما الصين فهى صاحبة الاقتصاد الرئيسى الوحيد المتوقع أن يحقق نموا هذا العام بحوالى %1 بعدما استأنفت الشركات النشاط فى أبريل الماضى بفضل قدرة بكين على احتواء الوباء وباتت الإصابات الجديدة محدودة للغاية، بينما يتوقع الصندوق انكماش اقتصاد الهند بحوالى %4.5 هذا العام مقارنة مع توقعه فى أبريل الماضى والذى توقف عند نمو قدره %1.9 بفضل عدم انتشار العدوى من كورونا فى ذلك الوقت .
وتوقع صندوق النقد الدولى فى التقرير الحالى أن ينكمش الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة أفريقيا جنوبى الصحراء %3.2 هذا العام بسبب تداعيات كورونا ليتجاوز تقدير سابق بلغ الانكماش فيه %1.6 بينما يتوقع أن ينكمش الناتج الإجمالى لجنوب أفريقيا، أكثر اقتصادات القارة تقدما، %8 هذ العام ارتفاعا من %5.8 فى توقعات أبريل الماضى.
وتفرض حكومة جنوب إفريقيا إغلاقا عاما صارما منذ أواخر مارس الماضى لكبح انتشار “كورونا”، مما قوض الإنتاج فى عدة قطاعات رئيسية مثل التعدين والتجزئة، وألحق أضرارا إضافية باقتصاد كان بالفعل فى حالة ركود ومازال الإغلاق الشامل قائما، لكن تقرر تخفيف بعض القيود للسماح باستئناف العمل ببعض القطاعات الرئيسية.
وبالنسبة لنيجيريا، أكبر مصدر إفريقى للنفط، توقع الصندوق انكماشا اقتصاديا كبيرا أيضا، ليتراجع الناتج الإجمالى إلى %5.4 هذا العام بعد توقع سابق أن ينكمش بنسبة %3.4 فى الوقت الذى تواجه فيه نيجيريا متاعب اقتصادية إضافية من تراجع حاد فى أسعار النفط الخام.
وقالت حكومة نيجيريا إنها تتوقع أن ينكمش الاقتصاد %3.4 هذا العام لكن وزير المالية قال الشهر الماضى إن الاقتصاد قد ينكمش بما يصل إلى %8.9 فى 2020 ضمن تصور لأسوأ الاحتمالات، بينما ترتفع تكاليف المعيشة فى نيجيريا ارتفاعا مطردا لدرجة أن معدل التضخم السنوى ارتفع فى مايو للشهر التاسع على التوالى ليصل إلى %12.4 مسجلا أعلى مستوى منذ عامين.
ومن المتوقع أن يهبط حجم التجارة العالمية فى السلع والخدمات بحوالى %11.9 هذا العام بسبب توقف حركة الطيران والشحن للحد من العدوى، علاوة على ضعف الطلب من المستهلكين وسياسة البقاء فى المنازل، كما أن أكثر من %90 من دول الاقتصادات الناشئة والنامية من المتوقع أن تتعرض لانخفاضات واضحة فى دخل الفرد هذا العام.
ويقدم صندوق النقد الدولى سيناريوهين لوباء كورونا يفترض فى الأول حدوث موجة ثانية من العدوى فى بداية العام المقبل مما سيؤدى إلى تعطل النشاط الاقتصادى المحلى ولكن بنصف حجم الخسائر التى حدثت هذا العام ولكن تأثير ذلك سيكون أشد فى الاقتصادات الناشئة عن المتقدمة بينما يفترض السيناريو الثانى انتعاشا بأسرع من المتوقع وهذا يعنى أن الناتج العالمى سيكون العام المقبل أفضل بحوالى نصف نقطة مئوية مما سيكون عليه العام الجارى.
خالد بدر الدين