الموجات المتتالية والسلالات المتحورة لـ«كورونا» ترفع أعداد الجوعى فى العالم إلى 3 مليارات نسمة

مجلة نيتشر فود: انعدام الأمن الغذائى بسبب الوباء يكلف اقتصاد البلاد النامية خسائر بنحو 30 مليار دولار

الموجات المتتالية والسلالات المتحورة لـ«كورونا» ترفع أعداد الجوعى فى العالم إلى 3 مليارات نسمة
خالد بدر الدين

خالد بدر الدين

7:11 ص, الثلاثاء, 27 يوليو 21

تتوقع مجلة نيتشر فود (الغذاء الطبيعى) «نات فود» جورنال البريطانية فى دراسة حديثة نشرتها هذا الشهر أن يؤدى استمرار انتشار الموجات المتتالية والسلالات المتحورة لـ«كورونا» إلى ارتفاع أعداد الجوعى والأفراد غير القادرين على شراء وجبة صحية إلى حوالى 3 مليارات نسمة على مستوى العالم .

وترى مجلة نات فود الشهرية الأونلاين المتخصصة فى الغذاء من الإنتاج إلى الاستهلاك مرورا بالتصنيع والتوزيع أن الأزمة الاقتصادية فى العديد من الدول وانعدام الأمن الغذائى وعدم توفر الطعام الصحى بين الأمهات والأطفال بسبب وباء كورونا سيكلف اقتصاد العالم خسائر مرتقبة تقدر بحوالى 30 مليار دولار ولاسيما فى الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.

وذكرت وكالة بلومبرج أن التضخم فى أسعار الطعام سيضر بالاقتصادات النامية والبلاد الفقيرة حيث قفزت أسعار الغذاء على مستوى العالم بأكثر من %34 خلال النصف الأول من العام الجارى بالمقارنة بنفس النصف من العام الماضى وربما ترتفع أكثر خلال الشهور المقبلة إذا ساءت الظروف المناخية فى أوروبا وأمريكا الشمالية وأثرت سلبا على المحاصيل الزراعية هناك.

هبوط الشوفان الأمريكى

ويتوقع المزارعون الأمريكيون على سبيل المثال انخفاض محصول الشوفان الذى يستخرج منه الدقيق خلال الموسم الحالى إلى 41.3 مليون بوشل ليسجل أدنى مستوى منذ عام 1866 أى منذ 155 عاما بسبب ظروف الجفاف وارتفاع درجة الحرارة هذا الصيف فى الولايات المتحدة برغم أن وزارة الزراعة الأمريكية كانت توقعت فى بداية العام حوالى 53 مليون بوشل وبالمقارنة مع ذروة الإنتاج التى بلغت 1.15 مليار بوشل فى موسم 1961/1960.

ويعد الهبوط المتوقع لمحصول الشوفان أحدث مثال على هبوط إنتاج المحاصيل الغذائية هذا العام بسبب الظروف المناخية السيئة من ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الجفاف فى السهول الأمريكية مما أدى أيضا إلى ارتفاع الأسعار الآجلة للقمح والكانولا إلى أعلى مستوى تقريبا فى تاريخها وسط نقص الأمطار على الحدود الأمريكية الكندية التى تنمو فيها هذه المحاصيل وتعانى أيضا كندا من ظروف الجفاف التى من المتوقع أن تقلص محصول الشوفان هذا العام بأكثر من %15 لينزل إلى حوالى 269 مليون بوشل بالمقارنة بالعام الماضى.

ارتفاع حاد فى أسعار المواد الغذائية

وسجلت أسعار العديد من المواد الغذائية زيادات واضحة على مستوى العالم طوال الـ 12 شهر الماضية بقيادة زيت فول الصويا الذى حقق أكبر نسبة ارتفاع بلغت %124 والذرة %62 والسكر %47 والقمح %22 واللحوم %21 واللبن البودرة %20 والأرز حوالى %8.

ومع ذلك فقد تراجعت أسعار الغذاء العالمى فى يونيو الماضى لأول مرة منذ أكثر من عام فقد انخفض مؤشر الفاو لتكلفة الغذاء بحوالى %2.5 من أعلى مستوى بلغه منذ 9 سنوات ولأول مرة منذ مايو 2020 ولكنه مرتفع بحوالى %17 عن شهر مايو الماضى.

تفاقم انعدام الأمن الغذائى بسبب الظروف المناخية وكورونا

وحذر عارف حسين الخبير الاقتصادى فى بر نامج الغذاء العالمى التابع للبنك الدولى من أن الظروف المناخية غير المواتية تعمل مع وباء كوفيد 19 على تفاقم انعدام الأمن الغذائى وارتفاع الأسعار مما سيؤدى إلى دفع ملايين من الناس إلى هاوية الجوع والبؤس.

وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» ارتفاع تكلفة واردات الغذاء التى توفر الطعام لحوالى %80 من سكان العالم إلى حوالى 1.7 تريليون دولار هذا العام من 1.5 تريليون دولار فى عام الوباء بسبب ارتفاع تكلفة الشحن وأسعار الوقود.

لكن حصة الاقتصادات الناشئة من هذه الفاتورة سترتفع خلال العام الجارى بأكثر من %20 بالمقارنة مع زيادة %6 فقط للدول الغنية وسيعانى سكان البلاد الناشئة أيضا من أن تكلفة الطعام تمثل أكبر نسبة من إنفاق الأسرة فى البلاد النامية والتى انخفض دخلها كثيرا بسبب كورونا الذى أدى إلى إغلاق العديد من الأنشطة الاقتصادية منذ بداية العام الماضى وحتى الآن.

زيادة تكلفة واردات الغذاء العالمية

قالت منظمة الفاو إن تكلفة واردات الغذاء العالمية من المتوقع أن تبلغ مستوى قياسيا بسبب ارتفاع أسعار السلع وزيادة الطلب خلال الوباء ولاسيما أن نمو تجارة المنتجات الزراعية أثناء الجائحة أظهر الطبيعة غير المرنة لاستهلاك الغذاء وارتفاع الأسعار منذ أواخر عام 2020 مما يزيد المخاطر على الدول الأكثر فقرا المعتمدة على الواردات.

ولذلك قدمت مجموعة البنك الدولى بأذرعه التمويلية المتعددة حوالى 157 مليار دولار لمكافحة وباء كورونا فى أكبر استجابة للأزمات فى تاريخها بعد أن تسبب مرض كوفيد 19 فى خسائر فادحة فى الأرواح والأنشطة الاقتصادية لعدة ملايين من الناس فى البلدان النامية لمواجهة الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة خلال الخمسة عشر شهرا الماضية منذ أبريل 2020 عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن كورونا وباء عالمى وحتى نهاية الشهر الماضى بزيادة نسبتها أكثر من %60 عن مستواها خلال فترة الخمسة عشر شهرا السابقة على الجائحة.

ويتوقع خبراء البنك الدولى أن تستعيد نحو %90 من الاقتصادات المتقدمة مستويات نصيب الفرد من الدخل التى كانت سائدة قبل الجائحة بحلول عام 2022 فى حين أن نسبة لا تتجاوز %33 تقريبا من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية قد تحقق مثل هذا التحسن بعد أن قفز معدل الفقر المدقع على مستوى العالم فى عام الوباء للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما ووقوع حوالى 100 مليون نسمة فى هاوية الفقر المدقع.

النساء أكثر عرضة لفقدان الوظائف من الرجال بسبب كورونا

وأعلنت منظمة العمل الدولية الأسبوع الماضى أن كورونا أضر بالنساء أكثر من الرجال فيما يتعلق بفقد الوظائف ومن المرجح أن يتعافى قطاع التوظيف بالنسبة للرجال فقط هذا العام ليعود إلى مستويات 2019 بينما تعرضت النساء أكثر من الرجال للتسريح أو تقليل ساعات العمل خلال فترات القيود الاقتصادية والاجتماعية لمكافحة الجائحة لا سيما فى قطاعات مثل الضيافة والسياحة والطيران والخدمات الغذائية والتصنيع لتتكبد نساء كثيرات خسارة فادحة فى الدخل.

وقالت المنظمة إنه على الرغم من أن نمو الوظائف المتوقع هذا العام بالنسبة للنساء يفوق مثيله للرجال إلا أنه لن يكون كافيا لإعادة النساء إلى مستويات التوظيف التى كانت سائدة قبل الجائحة حيث تم الاستغناء عن %4.2 من وظائف النساء على الصعيد العالمى أو ما يعادل 54 مليون وظيفة مقارنة بحوالى %3 من توظيف الرجال.

وأدى فيروس كورونا إلى تفاقم مستويات الجوع وسوء التغذية فى العالم والتى تدهورت بشدة العام الماضى حيث قفز عدد من يعانون سوء التغذية إلى حوالى 768 مليونا أو ما يعادل %10 من سكان كوكب الأرض وبزيادة 118 مليونا مقارنة بعام 2019 وذلك بعد أن ظل العدد دون تغيير تقريبا طوال الخمس سنوات التى سبقت ظهور الوباء.

كورونا يطيح بهدف القضاء على الجوع بحلول 2030

وجاء فى تقرير حالة الأمن الغذائى والتغذية فى العالم والذى أصدرته منظمة الأمم المتحدة للعام الحالى أنه وفقا للاتجاهات الحالية فإن هدف التنمية المستدامة المتمثل فى القضاء على الجوع بحلول عام 2030 لن يتحقق مع وجود فجوة من الجوعى تقدر بما يقرب من 660 مليون شخص فى البلاد النامية وهذا يعنى أن القضاء على هذه المستويات المرتفعة من الجوع المزمن سيستغرق سنوات إن لم يكن عقودا.

وارتفع عدد من لا يستطيعون الحصول على الغذاء الكافى على مدار عام الوباء بواقع 320 مليونا ليصل إلى 2.37 مليار نسمة ويعادل ارتفاع فى عام واحد السنوات الخمس السابقة مجتمعة ومن بين 768 مليون شخص يعانون من سوء التغذية، يعيش 418 مليونا منهم فى آسيا و282 مليونا فى أفريقيا و60 مليونا فى أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبى. لكن %21 من سكان أفريقيا يعانون سوء التغذية لتمثل أكبر نسبة مئوية بين قارات العالم.

وزراء مالية بدول أفريقية يطالبون زعماء مجموعة العشرين باستثمارات 30 مليار دولار

وطالب العديد من وزراء المالية بدول أفريقية منها غانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج ونيجيريا فى خطاب مفتوح إلى زعماء مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى خلال شهر يوليو الجارى من تلك الدول الثرية زيادة الدعم لحملات التطعيم من كوفيد19 فى الدول الأشد فقرا وتخصيص ما لا يقل عن 30 مليار دولار من أموال جديدة من صندوق النقد الدولى لاستثمارات فى أفريقيا لمساعدة بلدان القارة فى مكافحة الجوع والفقر وتأثيرات الجائحة وتغير المناخ.

وأعلن برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة أن انعدام الأمن الغذائى الحاد قفز بنسبة %74 هذا العام إذ أدت زيادات أسعار الغذاء الأخيرة إلى تفاقم الضغوط الحالية بسبب تداعيات وباء كورنا والصراعات وتغير المناخ مما أدى بدوره إلى أن عددا قياسيا يبلغ 270 مليون شخص يعانون هذا العام أو معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائى الحاد الذى يعنى نقص فى الغذاء يهدد الأرواح أو مصادر الرزق أو كليهما.

وعلى سبيل المثال، ارتفع متوسط أسعار طحين القمح فى شهر يونيو الماضى فى لبنان التى تعانى من أزمة سياسية واقتصادية حادة بمعدل سنوى يبلغ %219 مع تسارع الاضطرابات الاقتصادية بينما زادت أسعار زيت الطهى %440 مقارنة بما كانت عليه قبل عام فى حين صعدت أسعار المواد الغذائية العالمية فى الأسواق الدولية بمعدل سنوى %33.9 فى يونيو.

%9 من سكان العالم ينامون جوعى كل ليلة

وأشار برنامج الغذاء العالمى الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضى إلى أن حوالى 690 مليون شخص أو حوالى %9 من سكان العالم، ينامون جوعى كل ليلة ويستهدف البرنامج هذا العام مساعدة 139 مليون شخص فيما يمثل أكبر عملية فى تاريخه رغم أن الجوع العالمى ظل يتراجع لعشرات السنين غير أنه يشهد ارتفاعا متواصلا منذ عام 2016.

وارتفعت أسعار المواد الأولية بسبب زيادة تكاليف شحنها على مستوى العالم لتشهد أسعار الغذاء أعلى مستوى من التضخم منذ أكثر من 10 سنوات حيث زادت تكلفة نقل الحبوب من المحيط الهادى إلى آسيا إلى 55 دولارا هذا العام من 25 دولار للطن العام الماضى وارتفع سعر شحن القمح من البحر الأسود إلى آسيا إلى 65 دولارا من 35 دولارا للطن خلال نفس الفترة.

ارتفاع أسعار العقود الآجلة للذرة فى شيكاغو %90

وقفزت أسعار العقود الآجلة للذرة فى شيكاغو هذا العام بحوالى %90 مقارنة بالعام الماضى وكذلك أسعار فول الصويا والقمح بحوالى %50 و%30 على التوالى مقارنة بالعام الماضى وهذا بسبب ارتفاع أسعار الوقود وأزمة سلسلة التوريد والطلب العالمى القوى الغير متوقع بسبب كورونا.

وساعد استمرار ظهور سلالات متحورة من فيروس كورونا، ولاسيما دلتا الذى انتشر فى أجزاء عديدة من آسيا ومنع وصول البحارة لبلادهم على قطع سلاسل التوريد العالمية حيث تنقل السفن حوالى %90 من التجارة العالمية.

سلالة دلتا تغزو أكثر من 124 دولة

وانتشرت سلالة دلتا فى أكثر من 124 دولة وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية وتصريحات مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكى لتشكل %83 من الإصابات الجديدة فى الولايات المتحدة التى تتصدر العالم فى عدد الإصابات التى تجاوزت 34.5 مليون حالة وحوالى 611 ألف ضحية ليصل الإجمالى العالمى إلى 194 مليون إصابة ومايزيد عن 4.1 مليون وفاة لتتزايد المخاوف من تأثير دلتا على مسار تعافى الاقتصاد العالمى.

وأصبحت أوروبا أول منطقة على مستوى العالم تتجاوز حاجز 50 مليون حالة إصابة بفيروس كورونا حيث أدى دلتا إلى ارتفاع قياسى فى عدد الإصابات التى بلغت مليون حالة جديدة كل ثمانية أيام كما سجلت 1.3 مليون وفاة منذ بدء الجائحة.

أزمة طواقم البحارة تعطل الإمدادات

وظهرت أزمة طواقم البحارة لتعطل إمدادات كل شيء من السلع الخام إلى الأغذية والإلكترونيات مما يهدد تدفق شحن المحاصيل الزراعية والسلع الاستهلاكية وغيرها مما جعل قباطنة السفن غير قادرين على تدوير الأطقم المنهكة وحوالى 100 ألف بحار تقطعت بهم السبل فى البحر خلال الشهور الماضية مما ذكرهم بعام الوباء أثناء ذروة عمليات إغلاق العديد من الأنشطة الاقتصادية .

وأدت الفيضانات المميتة فى العملاقين الاقتصاديين الصين وألمانيا إلى مزيد من تمزيق خطوط الإمداد العالمية التى لم تتعاف بعد من الموجة الأولى للوباء مما يعرض تريليونات الدولارات من النشاط الاقتصادى الذى يعتمد على هذه الخطوط للخطر.

النقد الدولى يتوقع خسائر 15 تريليون دولار

وكان صندوق النقد الدولى أعلن الأسبوع الماضى أنه يتوقع أن يخسر الاقتصاد العالمى قرابة 15 تريليون دولار خلال الفترة من 2020 إلى 2024 بسبب وباء كورونا برغم أن الحكومات فى العالم أنفقت منذ ظهور كوفيد 19 حوالى 16 تريليون دولار لتقديم الدعم المالى أثناء الجائحة كما زادت البنوك المركزية على مستوى العالم ميزانياتها العمومية بقيمة مجمعة قدرها 7.5 تريليون دولار.

وتوقع الصندوق أن تستغرق هذه الأزمة الصحية سنوات بالنسبة لمعظم الدول والتى ستعانى أيضا من ارتفاع التضخم وأسعار السلع الخام والمنتجات الزراعية والتى سيتفاقم تأثيرها على الدول متوسطة ومنخفضة الدخل لتعانى من نقص الإنفاق الاجتماعى والصحى على المدى القصير على الأقل.