لا أحد يعلم يقينًا متى ظهرت أسطورة “المسند أبو ذنب” الأول؟ والمسند هو لقبه مثل (الشيخ ومولانا)، وما وصفه به خاصته الأوائل ومن شهدوا خصوصيته! أما “أبو ذنب” فكان تسميته؛ لجلائه ارتكاب العباد للذنوب والسيئات كالكذب والنميمة والقتل والسرقة والزنا والربا! فكان “يرى” العضو فى المُذنب، وقد طلع منه ذنَب أو ذيل صغير! كاليد والفم، والعين، والفرج، والرجل! فكان يتتبع المذنب على استحياء ويكاشفه خفية بذنبه ويطلب منه التوبة والأوبة والاستغفار… إلخ. وتدريجيًّا عندما شاع جلاؤه البصرى سماه خاصته بـ”أبو ذنب”، فهو يرى مصدر الذنب ودليله.. أو ذيله!
كان الجلاء البصرى والسمعى قدرات نفسية يُعتقد أنها تتيح للأشخاص رؤية أو سماع أشياء غير مادية أو روحية، وعرف تاريخ التصوف الإسلامى أعلامًا لهذا الجلاء تحت مسمى الكرامات، مثل رابعة العدوية المتوفاة فى 801م، والحلاج المتوفى 922م، والجيلانى المتوفى 1166م، والرفاعى المتوفى 1182م، وابن عربى المتوفى 1240م، حيث ربط الأوائل ظهور الكرامات بالتدين والتصوف والمجاهدة الروحية.
غير أن ذلك لم يكن حال “المسند أبو ذنب” الأول! الذى كان من حواريى الشاعر حماد عجرد، أبرز مريدى رابعة العدوية مع بشار بن برد! وكحواريٍّ للشاعر المذكور لم يظهر فى أى مخطوطة أو رواية أو كرامة منسوبة لرابعة! ولكنه كان رجلًا من آحاد الناس اختبأت كنيته الحقيقية فى لقبه! فكان صاحب صمت وصيام عميقين، تأمل نافذ، خيال نشط، إيمان مطلق بالغيبيات وسر “كن”، ومن مروّضى الحدس ومراقبة الإشارات.
لا يعلم أحد بداياته فى “رؤية ذنَب الذنب” فى أعضاء المذنبين! ولكنه عُرف عندما شاع الصلاح والتوبة والاستقامة بين مجموعة من أهل حيه، ثم مدينته، ثم القرى التى يزورها.
لم يجاهر أبو ذنب قط برؤيته أذناب الذنوب فى أعضاء الناس! ولكن تكاتُف الناس عليه لمعرفة سر مكاشفتهم بسيئاتهم، منعًا من رميه بالخبل والعزل، جعله يلمّح لأذناب الذنوب! وحفظًا من مريديه لمساندته لهم فى تقويم حياتهم حفظوا السر، وكوّنوا “جماعة الذنوبية” التى تهدف لاستمرار تقويم ذواتهم وخاصتهم.
ورمزت جماعة الذنوبية للمسند أبو ذنب “بالذئب” الملك الحقيقى للغابة، أقوى حيوان على الأرض، ولكنه لا يعلم قوته! فهكذا كان أبو ذنب من أكابر الواصلين، ولكنه لا يعلن أو يعرف قوته بين الكبار، ويكتفى بتقويم كل من يرى ذنَب ذنبه! فزينت جماعة الذنوبية عمامتهم بذيل ذئبى قصير جدًّا؛ دلالة على تغلبهم وتوبتهم من ذنوبهم، أو على أكتافهم ليتذكروا حملهم ذنوبهم فلا يعودوا لها.
لا يوجد للمسند أبو ذنب تلاميذ أو مريدون! ولا يوجد لجماعة الذنوبية كتب أو طقوس أو مبانٍ! ولكنهم يسيحون فى الأرض بحثًا فى المتون وتلمسًا لظهور جديد لشخصية المسند أبو ذنب! فلا خلافة أو إرث فى الجماعة الذنوبية! لكن “رؤية أذناب الذنوب” منحة وجلاء بصرى فردى جدًّا يعتمد على الطبيعة الخاصة لصاحب الصمت العميق، والتأمل النافذ، والخيال النشط، والإيمان المطلق بالغيبيات وسر “كن”، ومروّضى الحدس ومراقبة الإشارات، فكانت مهمتهم محاولة التأسى بممارسات أبو ذنب فى الصمت والتأمل والغوص فيمن لاح فى مسلكهم من البشر أمارات المروق أو الخطأ؛ لمحاولة نصحهم ووعظهم وردعهم عن الزلل.
تتناقل بعض روايات الخاصة من جماعة الذنوبية ظهور شخصيات “المسند أبو ذنب” معاصِرة للرفاعي، والجيلاني، وابن عربي، والحلاج! ونظرًا لكونه من آحاد الناس ومن أتباع أو حواريى تلاميذ الأكابر (مثل ابن الفارض، الشبلي، البهائي، التيجاني)، وسنّة شخصيته فى عدم الإعلان وحفظ جماعة الذنوبية للسر، فلا وجود له فى أى تاريخ أو توثيق أو روايات! فقط تستمر جماعة الذنوبية عبر القرون برمز ذيل الذئب (الذى تحوَّل لذهب أو فضة) يرصع هامتهم أو أرديتهم خفية ورمزًا.
مع القرن العشرين، ظهر الروحانيون الغربيون وأعلام الميتافيزيقا بعيدًا عن الكرامات والتدين والتصوف مثل إدجار كايس، وهيلينا بلافاتسكي، وإيمانويل سويدنبرج، وروزاليند بيرك، وكلهم زعموا امتلاكهم قدرات الجلاء البصرى والسمعى لخواص عندهم لاهتمامهم بالجوانب الروحية كالتأمل، واليوجا، والصوم، وتدريبات الطاقة والصمت العميق، والتركيز الذهني… إلخ.
لا توجد أى إشارة أو مرجعية أو دليل على أن هؤلاء الأفراد من جماعة الذنوبية أو أحفادهم أو حواشيهم أو أتباعهم! ولكن تشير بعض الروايات لظهور أشخاص مختلفين ببعض الدول يدّعون رؤية هالات داكنة لأفراد معينين يتبين لاحقًا أنهم مخالفون لأمر ما! وأخيرًا تواصل بعض مريدى جماعة الذنوبية عبر الإنترنت بأن هناك شخصًا بكازاخستان يرى زوائد فى أعضاء معينة بأشخاص معيّنين، يتبين أنهم استخدموا العضو الظاهرَ به الزائدةُ فى أمر أو فعل خطأ! لم يفصح مَصدر الرواية عن اسم هذا الشخص أو جنسيته! ولكنه أضاف لجلائه، “رؤيته” ترابط ظل شخصٍ ما بأحدهم، كما لو كان ذنَبه أو ذيله، ويتبين لاحقًا أنهما شركاء فى جُرم أو خطأ!
استرعانى احتمالية الظهور الحديث للمسند أبو ذنب، احتمالية أدقّ لو زار مصر؟ ماذا سيرى؟ من؟ يعملون ماذا؟ مع من؟ أخاف على مصر وما حولها من المسند أبو ذنب! فحتى مع وجود بعض من جماعة الذنوبية بيننا على استحياء، إلا أنهم مطمورون تحت ركام الأذناب والذنوب، ولحسن الحظ أن الجماعة تروّج لمؤامرة اغتيال المسند فى كازاخستان، بعد تدخُّل التكنولوجيا فى إذاعة السر، وانتهاء عصر الأكابر، وشيوع تجارة الذنوب! فلربما ينقذ الاغتيال أذناب الذنوب من الأفاقة، وتدبير مذبحة القلعة لجماعة الذنوبية المصرية!
* محامى وكاتب مصرى