تشهد الهند استمرار أزمة السيولة النقدية، الأمر الذي يرفع تكاليف الاقتراض قصير الأجل فوق سعر الفائدة الرئيسي، ويشكّل مخاطر على الاقتصاد الذي يحتاج إلى التمويل الرخيص لمواصلة تعافيه.
بعد الارتفاع في الأسابيع الأخيرة، صعد المتوسط المرجح لتكاليف الاقتراض قصير الأجل، وهو المعدل الذي يراقبه بنك الاحتياطي الهندي من كثب، فوق سقف معدل الفائدة لديه البالغ 6.75%. كما تجاوزت العائدات على أذون الخزانة لأجَل عام، عوائد الدين الحكومي لأجَل 10 سنوات، وهو أمر غريب غالباً ما يرتبط بحدوث خلل في سوق السندات.
تشير أزمة نقص السيولة إلى الصعوبات التي تواجه النظام المالي، وبدء تراجع شهية الإقبال على شراء السندات، وارتفاع تكاليف التمويل تماماً، إذ وقف بنك الاحتياطي الهندي تشديد السياسة النقدية وسط تراجع ضغوط الأسعار.
لكن الاقتصاديين يقولون إن الوضع قد يستمرّ لبعض الوقت، إذ لا يزال البنك المركزي مصمماً على محاربة التضخم، ومن المتوقع أن يقدّم دعماً للسيولة على المدى القصير فقط.
أزمة السيولة النقدية
قالت جورا سين غوبتا، الخبيرة الاقتصادية لدى “آي دي إف سي فرست بنك”: “مع تجاوزنا لدورة رفع أسعار الفائدة، ستكون إدارة السيولة الآن محور التركيز الرئيسي للسياسة النقدية… ما دام موقف السياسة النقدية يتمثل في سحب التسهيلات، فمن المرجح أن تظل ظروف السيولة ضيقة”.
انخفض مؤشر يقيس النقد الفائض الذي تودعه البنوك لدى بنك الاحتياطي الهندي إلى 484 مليار روبية (5.9 مليار دولار) من أعلى مستوى بلغ 9 تريليونات روبية عام 2022، إذ نفّذ البنك المركزي سلسلة من رفع أسعار الفائدة وسحب السيولة لمواجهة التضخم.
تراجع الطلب على السندات السيادية
في حين نتجت أزمة التمويل الأخيرة بشكل رئيسي عن تشديد بنك الاحتياطي الهندي السياسة النقدية، فإن تراكم الفائض النقدي لدى الحكومة والتوزيع غير المتكافئ للسيولة بين البنوك ساهم في تفاقم الأوضاع، حسبما قال غوراف كابور، كبير الاقتصاديين لدى “إندوسلند بنك”.
تشعر سوق السندات بالفعل بالأزمة، إذ ارتفعت عائدات الأوراق التجارية لشركات التمويل غير المصرفية لمدة ستة أشهر بمقدار 10 نقاط أساس منذ بداية مايو. وشهد مزاد السندات السيادية يوم الجمعة تراجع الطلب، إذ بلغت نسبة العرض إلى التغطية 2.6 مرة، حسب مصرف “آي سي آي سي آي بنك”.
يعكس الارتفاع المفاجئ في سعر الفائدة لليلة واحدة التوزيع غير المتكافئ للأموال بين البنوك الأكبر والأصغر، مما يغذي التقلبات في سوق المال ويساهم في تخصيص ائتمان أقل كفاءة، حسب سوميا كانتي غوش، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى “ستايت بنك أوف إنديا”
إذا استمرت أزمة السيولة في التفاقم، فقد تشكل مخاطر على الاقتصاد الذي حقق نموّاً قويّاً منذ الوباء، لكنه يواجه حاليا عقبات ناجمة عن تباطؤ الطلب العالمي ونشوب موجة حر تهدد القطاع الزراعي المزدهر في البلاد.
قال سومياجيت نيوجي مدير لدى شركة “إنديا ريتنغ آند ريسشيرش”: “تعكس أسعار الفائدة المرتفعة تشديد السيولة وظروف التمويل الضبابية التي تواجه الشركات ذات الوضع الائتماني الأضعف”.
أضاف: “قد تجد مثل هذه الشركات صعوبة في ظل ظروف تمويل صارمة ومستدامة، مما يؤدي إلى أحداث ائتمانية متجمعة. قد تؤدي الروابط البينية أيضاً إلى انتشار العدوى، مما قد يؤثر في الاقتصاد الأكبر”.
إبقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة
لكن في الوقت الحالي، يقول الاقتصاديون إن بنك الاحتياطي الهندي سيتوقف على الأرجح عن استخدام أدوات ضخ السيولة القوية لخفض معدلات الفائدة بحدّة، إذ قد يرغب في إبقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة نسبيّاً لكبح جماح التضخم وتوفير الحماية للعملة المحلية.
من المتوقع أن يعتمد البنك المركزي في البداية على اتفاقيات إعادة شراء السندات المتغيرة الأطول أجلاً والتدخل في سوق النقد الأجنبي لتخفيف ضغط التمويل، كما قال سين غوبتا من “آي دي إف سي” ، مضيفاً أن توزيعات الأرباح الكبيرة المتوقعة من جانب بنك الاحتياطي الهندي للحكومة ستساعد أيضا على توفير مزيد من السيولة.
“في ما يتعلق بضخ السيولة الدائمة، نعتقد أن بنك الاحتياطي الهندي لن يحاول ذلك ما دامت السياسة النقدية لم تتجه بعد إلى الحياد” حسبما كتب المحللون الاقتصاديون لدى “آي سي آي سي آي سيكوريتيز برايمري ديلرشب”، بينهم أ.براسانا، في مذكرة بحثية، في إشارة إلى الخيارات المتاحة، بما في ذلك شراء بنك الاحتياطي الهندي للسندات في السوق المفتوحة وخفض الاحتياطي الإلزامي.