تشهد منطقة شرق القاهرة ظاهرة لافتة للغاية فى الآونة الأخيرة، وهى تزايد الإقبال على إنشاء مدن طبية متكاملة، تضم كل التخصصات العلاجية، إلى جانب جامعات متخصصة فى القطاع.
ومع انتشار تلك الفكرة إنشاء المدن الطبية، خاصة فى منطقة شرق القاهرة، فلم تعد الخدمات الطبية مقصورة فقط على إنشاء مستشفيات جديدة، وإنما التوجه نحو طرح أراضٍ بالكامل من قبل الهيئة مخصصة لإنشاء مدينة طبية متكاملة، تحتوى على عيادات طبية فى جميع التخصصات، وعدد من المستشفيات والصيدليات، وغيرها لتصبح بيئة متكاملة طبية.
من هنا جاءت التساؤلات حول مستقبل هذه المدن فى مصر الفترة القادمة، ومستقبل السياحة العلاجية أيضًا، وأهم مواصفات هذه المدن، وأبرز الخدمات والمميزات التى يمكن أن تقدمها، وهل مصر تحتاج إلى إنشاء مشروعات جديدة.
شهدت منطقة شرق القاهرة خلال الفترة الأخيرة ظهور مدن طبية جديدة، على غرار شركة المصريين للرعاية الصحية، التى حصلت على قطعة أرض على مساحة 140 فدانًا بهدف إنشاء مدينة طبية متكاملة باستثمارات 23 مليار جنيه.
كما كشفت «المال» مؤخرًا على حصول شركة «إن إتش إم سي» على قطعة أرض أخرى بمساحة 72 فدانًا لإنشاء مدينة طبية متكاملة، فيما طرحت هيئة المجتمعات العمرانية أرضًا لإنشاء مدينة طبية بمساحة 30 فدانًا فى الشروق.
بداية، أوضح الدكتور خالد سمير، رئيس مجلس إدارة، العضو المنتدب لشركة تشاور للاستشارات؛ أن وجود تكامل جغرافى طبى لا يمكن أن يأتى بالفائدة الحقيقية على المريض وعلى عموم الشعب، سواء كانوا مرضى أم أصحاء إلا من خلال وجود مدن طبية متكاملة.
وأضاف سمير لـ«المال»: نقصد بالمدن الصحية هى إنشاء منطقة معينة يتم تحديد الخدمات الطبية التى ستقدم داخلها، بحيث يؤدى فى النهاية إلى تكامل وليس تنافسًا، بمعنى أن كل منطقة يتم توزيع النشاط الخدمى بها، أى نطاق محدد جغرافيًا، ويتم تخصيص خدمة مستقلة لكل مبنى بحيث يؤدى فى النهاية إلى التميز، الذى يأتى من خلال تميز التمريض والأطباء، وأيضًا العاملين المساعدين فى تخصص واحد.
وأشار «سمير» إلى أن بذلك يمكننا إنشاء مجموعة متخصصة من المستشفيات ذات الخدمة الواحدة تؤدى فى النهاية إلى تكامل وتخفيض فى التكاليف، وإلى زيادة هوامش الربحية، كما تؤدى فى الأساس إلى جودة عالية للخدمة الطبية نتيجة تكرار نفس النوع من الخدمات.
وتابع «سمير»: نحن فى سبيلنا من خلال شركاء متخصصين وشركات إلى تقديم تصور متكامل إلى رئيس الوزراء عما يطلق عليه «certificate of need» وهى شهادة الاحتياج، بمعنى أنه لكى نحقق هذا النوع من النجاح فى المدن الصحية يجب أن يصدر لها قانون فيما يخص الرخص الطبية لمنع تكرار الاستثمار فى القطاع الصحى بنفس التجهيزات الطبية.
وأكد «سمير» أن بهذه الشهادة يمكننا أن نحافظ على الأموال العامة أو الخاصة للاستثمار فى المجال الطبى، وإعادة توزيع الاستثمارات بطريقة صحية تحقق على المدى المتوسط فى خلال السنوات الخمس القادمة، توزيع خدمة طبية سليمة جغرافية؛ تكون النواة الحقيقية الفعالة لتطبيق قانون التـأمين الصحى الشامل.
كما أشار إلى وجود استثمارات فى مجال شراء أجهزة التشخيص المكلفة للغاية، سواء الأشعة أو الأورام أو خلافه، ووجود أعداد أكبر من الاحتياج وتركيزها فى مناطق معينة مثل القاهرة الكبرى، فى حين أن مناطق الصعيد والمناطق الحدودية وخلافها جميعها تفتقر إلى هذا النوع من الخدمات.
واعتبر أن شهادة أو رخصة الاحتياج بمثابة شهادة ضرورية، وواجبة التنفيذ بأسرع وقت، لتحقيق عدة فوائد أولاها هى توطين الخدمة الطبية، إذ يحتاجها كل المواطنين لتحقيق نجاح فى مجال التأمين الصحى، ثانيها تحقيق استخدام مثالى للأموال العامة أو الخاصة، ثالثها أن توطين الخدمة الطبية يحقق تصورا جيدا للحماية وبرامج منع انتشار الأمراض، وبرامج الوقاية قبل تحقيق العلاج الفعال.
ويرى «سمير» أن الدولة المصرية تحتاج إلى 10 مدن طبية يتم توزيعها جغرافيا بطريقة تتناسب مع التوزيع السكانى، وتختلف حجم كل مدينة صحية عن الأخرى وفق التجمع السكانى.
خالد سمير: تكلفة المشروع الواحد تتراوح من 4 إلى 20 مليار جنيه.. ومصر بحاجة إلى 10 مدن
كما لفت إلى أن المدن الصحية فى أقل تقدير تكلفتها لن تقل عن 4 مليارات جنيه، والمدن الكبيرة ستصل إجمالى استثماراتها إلى تقريبًا 20 مليار جنيه.
كما تابع: نعتقد ونؤمن بضرورة كل هذه الأموال، وهى مستثمرة من القطاع الخاص المصرى المحلى أو الأموال الآتية من الخارج فى شكل استثمارات أجنبية مباشرة، وبذلك نحقق إيجابيات كثيرة من ضمنها توطين الأكفاء ومنع هجرتهم إلى الخارج، وذلك يشمل الأطباء والتمريض والتخصصات المساعدة.
وقال جون سعد، خبير الضرائب والاستثمار، إن مصر تعتبر من أهم الأسواق فى منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالاستثمار فى مجال الرعاية الصحية المتكاملة، سواء فى توافر الأيدى العاملة الماهرة أو القدرة على توفير كل المعدات اللازمة.
وأكد «سعد» أن الموقع المثالى لمصر يؤهلها للقيام بدور رائد فى السياحة العلاجية بمنطقة الشرق الأوسط، من خلال إقامة مدن طبية تضم التخصصات العلاجية والترويج لها فى أسواق الخليج العربى وآسيا وشمال إفريقيا واستغلال تنافسية تسعير الخدمة فى مصر، والتى تنخفض بشكل كبير عند مقارنتها بالأسواق الإقليمية والمجاورة.
وتطرق لمثالية اختيار إقامة مدن طبية متكاملة فى منطقة شرق القاهرة، التى تتسم بقربها من مطار القاهرة، والذى ييسر حركة القادمين من الخارج؛ بخلاف قربه من شواطئ العين السخنة والبحر الأحمر بما يوفر إمكانية راحة المريض فى فترة التعافى.
وأكمل بأن منطقة شرق القاهرة تتسم بتزايد أعداد تأسيس الفنادق لتقديم خدمات الضيافة، كما أنها قريبة من محافظات الوجه البحرى بجانب محافظات الصعيد؛ ومن العاصمة الإدارية الجديدة التى ستضم مشروعات سكنية عديدة.
وطالب «سعد» الشركات المهتمة بإنشاء هذا النوع من المشروعات بضرورة الدخول فى شراكات معرفية مع مقدمى الخدمة بالخارج والجامعات الأجنبية لتقديم مستوى جديد بالرعاية الصحية يعزز تنافسية السوق المصرية، وإطلاق تخصصات حديثة تقلل من ظاهرة سفر المصريين للعلاج بالخارج.
ودعا الجهات الحكومية لتوفير أنسب آليات الدعم لتلك المشروعات، ومنها تخفيض قيمة بيع الأرض وتيسير إجراءات استيراد المعدات، إلى جانب تقديم قروض بنكية بفائدة ميسرة.
وفى ذات السياق، كشف الدكتور حسن القلا، رئيس شركة المصريين للرعاية الصحية، فى تصريحات خاصة لـ«المال» على هامش مؤتمر التطوير العقارى الخامس، والذى نظمته شركة «المال جى تى إم»، عن رأيه فى الاستثمار فى قطاع الخدمات العلاجية، قائلاً إن أغلى ما تمتلكه مصر هو العنصر البشرى، مع العلم بأن هناك عاملين رئيسيين فى تكوين الرأسمال البشرى، وإضافة قيمة له وهو التعليم والصحة.
وأضاف أن هدفنا كشركة هو تطوير التعليم منذ دور الحضانة وحتى الجامعة، لافتًا إلى أنه جار تدشين شبكة من الجامعات فى صعيد مصر.
وتابع أننا نستهدف تطوير التعليم المهنى والتقنى لفتح مسارات تعليمية أمام الطلاب المصريين غير القادرين على دخول الجامعات المعتادة، وذلك من خلال الجامعة التكنولوجية التى قمنا بإنشائها بالشراكة مع البنك الأهلى المصرى.
وعن مجال الصحة، قال «القلا»: إن شريحة كبيرة من المصريين يلجأون إلى خارج مصر للحصول على الرعاية الصحية، مشيرًا إلى أن السياحة العلاجية حول العالم وحركة المرضى تصل لمليارات الدولارات، مؤكدًا أن نصيب مصر من السياحة العلاجية متدنٍ جدًا، رغم أننا نمتلك أكبر قوة بشرية مهيأة ولدينا الكفاءات الطبية للحصول على نصيب أكبر من السياحة العلاجية.
وأشار إلى أن الوافد بغرض السياحة العلاجية يحتاج إلى مستوى رعاية صحية لا يقل عن الموجود ببلده وبأسعار أقل، مضيفًا أن شرق القاهرة منطقة بكر، ويمكن تخطيطها بما يتماشى مع هذه المعايير، خاصة فى ظل أعمال التطوير والجهود التى تقوم بها الدولة المصرية فيما يتعلق بتطوير النقل لتسهيل الحركة.
وتابع أن منطقة شرق القاهرة يصب فيها عدد السكان إلى 4.5 مليون مواطن، ومن المتوقع أن تصل إلى 10 ملايين نسمة خلال الأعوام المقبلة، لذلك فأى مشروع سيتم تدشينه سيحقق نجاحًا نظرا لهذه الكثافة السكانية.
ولفت إلى أن شركته تمتلك قطعة أرض على مساحة 140 فدانًا، وهى أكبر مساحة مخصصة لبناء صرح طبى ومدينة طبية متكاملة فى العالم، وتضم كل التخصصات الإكلينيكية والحرجة، وكذلك 16 معهدًا متخصصًا، إلى جانب معاهد البحوث ذات الفكر المختلف التى تهدف إلى التنقل من طب الأعضاء إلى طب الخلايا، بمعنى أنه عن طريق الخلايا الإنسانية يتم التنبؤ بالأمراض المستقبلية.
وقال إنه على سبيل المثال سيتم إجراء تحاليل منفصلة لكل مريض سكر داخل المدينة الطبية الجديدة، لمعرفة سبب الإصابة، مؤكدا اكتمال دراسة كل التفاصيل للمدينة الطبية، مشيرا إلى قضاء 90 يوما لمعرفة انعكاس ضوء الشمس على حجرات المرضى.
حسن القلا: تعتمد على استخدام التكنولوجيا الحديثة و«الروبوت» لأول مرة
وشدد «القلا» على أن المدينة الطبية تعتمد على استخدام التكنولوجيا الحديثة، كما سيتم استخدام الروبوت لأول مرة فى مصر بمدينة طبية، منوهًا إلى أن رأس المال المدفوع تمت تغطيته بالكامل، وسيتم طرح اكتتاب للأسهم فى البورصة الشهر الحالى.
كما أوضح «القلا» أن عملية الإدارة هى من الفرائض المفقودة فى المنظومة الطبية بمصر، وأنهم حريصون منذ اللحظة الأولى على أن يتواكب هذا الصرح مع المعايير اللازمة من بنية أساسية مهيأة لتقديم الخدمة، ومنظومة الإدارة المتكاملة بالإضافة إلى إعداد الكوادر البشرية.
وأضاف أن الشركة تتولى تدريب الكوادر من خلال جامعاتها منذ العام الدراسى الأول، وبمعاونة خبراء أجانب وحتى استلامهم العمل بالمدينة الطبية، لافتًا إلى أن الشركة تعاقدت مع أكبر مركز طبى فى العالم للعمل فى المدينة الطبية لمدة 7 أعوام منذ بداية افتتاحها، على أن يتم إحلال الكوادر المصرية بنسبة %20 فى كل عام إلى أن تصل إلى %100.
كما لفت إلى أن إجمالى تكلفة مشروع «كابيتال ميد» تصل إلى 21 مليار جنيه، تمثل القروض %70 منها، والباقى تمويلت ذاتيا، ومساهمات متنوعة، مشيرًا إلى أن افتتاح الجزء الأول بالمرحلة الأولى للمشروع بعد 18 شهرًا، موضحًا أن الشركة تلقت عروضًا من كيانات خارجية للمساهمة فى تكلفة المدينة الطبية، لكن المساعى تتركز على أن يتملك المصريون جزءًا منها عبر الاكتتاب بما اعتبره يضمن أن أسعار الخدمة المقدمة ستكون منخفضة مقارنة بدخول شركات كمساهمين.
وأوضح أن رأسمال الشركة المدفوع حاليًا 401 مليون جنيه، ومساهمة الأفراد ستكون لاعبًا فى زيادته إلى 800 مليون. وأكد بدء الأعمال بالمشروع من خلال تولى شركة رواد الهندسة الحديثة إنشاء أول مستشفى بطاقة 100 سرير، وبتكلفة أعمال 1.5 مليار جنيه؛ فيما تتولى ذراع المقاولات بشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية إنشاء المبنى الإدارى.