»المجنون الأخضر«.. لوحة الخرافة الشعبية

»المجنون الأخضر«.. لوحة الخرافة الشعبية
جريدة المال

المال - خاص

11:57 م, الأثنين, 16 يونيو 08

 
كتبت ــ ميادة الدمرداش:
 
حققت لوحة »المجنون الأخضر« شهرة واسعة بين أعمال الفنان عبدالهادي الجزار الأخري، ولفت الأنظار كرسام سيريالي ذي روح مصرية أصيلة، ورغم اشتراك »المجنون الأخضر« مع غيرها من لوحات الجزار وبعض معاصريه من فناني جماعة الفن المعاصر في التفاصيل الشعبية الغرائبية، فإن لهذه اللوحة شخصية خاصة استمدتها من تركيز تفاصيلها واختزالها بكثافة في وجه المجنون وكفيه، ومن ألوان اللوحة القوية والغربية في آن، ومن مهارة توزيع مساحات الظل والضوء بما يخدم غموض موضوعها.
 
تكمن أهمية »المجنون الاخضر« في استلهامها الثقافة المصرية ورموزها الصميمة وتأسيسها فناً محلياً له شخصيته المميزة في وقت ساد فيه الفن الاوروبي الناعم وقد رسمها الفنان في بداية خمسينيات القرن الماضي واستمد فكرتها من واقع حي السيدة زينب الذي كان يسكنه في صباه، ومن المجاذيب، والدراويش الذين يرتدون الأحجبة والتمائم، فهذا المناخ الغرائبي المكتظ بمفردات السحر والدجل والشعوذة هو المنطلق الأساسي الذي استخدمه الجزار في معظم لوحاته ليربط بين ما هو واقعي وما هو خرافي، الا انه له تأثير علي واقع بعض الفئات الشعبية من البسطاء الذين يعتقدون في هذه الخرافات.
 
وتعتبر لوحة »المجنون الاخضر« التي تجسد »بروفيل« أو وجهاً جانبياً لشخص حليق الرأس ملامح وجهه حادة يرتدي قميصا أحمر يظهر طرفه العلوي فقط في اللوحة ووجهه ورأسه يأخذان اللون الأخضر ويخرج من جانبي رأسه ذراعان مقوستان يرسمان بكفيهما علامة خمسة وخميسة وفي منتصفهما العين الحاسدة وأمام عيون المجنون تيمة اشبه بشاهد القبر، وتحتوي الألوان الصارخة التي استخدمها الجزار في تلك اللوحة علي دلالات قوية، فاللون الاحمر للقميص هو لون الدم و اللون الاخضر للوجه هو لون طقسي يحيل الي المتصوفة.
 
وتعكس اللوحة وعي صاحبها بضرورة ربط الفن بالحياة ونبذه للمفردات والتفاصيل الفنية التقليدية كما تعكس قلقه من المجهول  الذي فضل أن يجسده بلوحاته ليخرجه من طابعه الخفي ويكسبه طبيعة مادية تقلل من خطورته، و»المجنون الأخضر« من أوائل لوحات الجزار التي احدثت صدمة للمتلقين ومتذوقي الفن التشكيلي آنذاك ووصفها النقاد بـ »المسببة للذهول«، فهي من ناحية حداثية التنفيذ والتقنية التشكيلية وفي الوقت نفسه لا أثر للكلفة فيها والادعاء والتقليد أو التعالي علي المتلقي كما انها عبرت تماما عن الروح المصرية رغم حداثة أسلوبها الذي امتزجت فيه العناصر السيريالية بالرمزية بالتعبيرية بشكل يصعب معه نسب اللوحة لأحد هذه المناهج بمفرده.
 
عبد الهادي الجزار من مواليد الإسكندرية، تلقي دروسه الفنية الأولي علي يد الفنان والمفكر حسين يوسف أمين، ودرس وعمل كاستاذ مساعد بكلية الفنون الجميلة، وكان من اعضاء جماعة الفن المعاصر، عرف بفنه الصادم وميله للرموز الشعبية والأجواء الموحية، وتوفي عن عمر يناهز الأربعين عاماً بعد فوزه بجائزة الدولة التشجيعية.
جريدة المال

المال - خاص

11:57 م, الأثنين, 16 يونيو 08