محمود إدريس
تزايد عدد البلاغات المقدمة في الآونة الأخيرة للنيابة العامة، ونالت الأراضي نصيب الأسد منها، وما صاحب ذلك من قيام مقدمي بعض البلاغات بالمبالغة في أسعار هذه الأراضي، علي الرغم من عدم المامهم بأدني قواعد التقييم العقاري أو التثمين، وهو ما ساهم بشكل واسع في إثارة الرأي العام.
وقد أجمع خبراء التقييم العقاري والقانونيون، علي الأضرار الجسيمة الناتجة عن هذه المبالغات السعرية، والتي يذهب إليها بعض مقدمي البلاغات عن عمد لإثارة الرأي العام أو تضليله أو لإلقاء الضوء علي نفسه، وأوضحوا أن أبرز أوجه هذا الضرر، يتمثل في الضغط الجماهيري الواقع علي القاضي وعلي المقيم العقاري، والذي يتسبب في انتقاص جودة العملية التقييمية والتحكيمية، مشيرين إلي تمتع القاضي بخبرات ومناصب تؤهله لتحمل هذا الضغط الجماهيري، علي عكس المقيم غير المعتاد علي العمل تحت ضغط شعبي ينعكس علي عنصر الوقت.
واختلف الخبراء علي الجهة المنوط بها إجراء التقييمات العقارية للأراضي المتنازع عليها، ولكن انحسرت اختلافاتهم ما بين المقيمين العقاريين المقيدين لدي البنك المركزي أو هيئة الرقابة المالية، والخبراء المثمنين، وخبراء تقييم عقاري مقيدين في جداول المحاكم الاقتصادية، وخبراء مهندسين من هيئة المساحة.
قال سلامة غباشي، خبير تقييم عقاري، مقيد في البنك المركزي وهيئة الرقابة المالية، خبير في جهاز المدعي العام، إن عملية تقييم الأراضي محل النزاع في المحاكم يجب أن تتم وفق المادة 20 من قانون البنك المركزي، والتي تنص علي أربع ركائز رئيسية، هي التقييم وقت الشراء، مراعاة معدلات التضخم، حساب التغييرات التي طرأت علي الأرض منذ الشراء، سعر السوق وقت الشراء، وكذلك ينص القانون المنظم للتمويل العقاري رقم 148 لعام 2001 في مادته 22 علي الركائز نفسها، التي تضمنها قانون البنك المركزي مع اختلاف الصياغات.
وأكد عدم جواز مطالبة المستثمر بدفع فروق أسعار الأراضي، وفقاً للتسعير الحالي، موضحاً أن أسعار الأراضي في المعدلات الطبيعية تتضاعف أربع مرات خلال 10 سنوات، هذا إن لم يحدث مالكها أي تغييرات فيها بادخال مرافق أو تمهيد طرق لها أو وسائل نقل، أو بناء مجتمعات عمرانية، وطالب بتيسير الحصول علي الأراضي الصحراوية وتحفيز المستثمرين للاستثمار فيها وتعميرها، لما تمثله هذه الأراضي من كلفة ضخمة علي موازنة الدولة، حال إذا ما قررت استصلاحها بنفسها، بسبب ارتفاع تكاليف البنية التحتية لها والمناطق الموصلة لها، بالإضافة لبناء المجتمعات العمرانية من وحدات سكنية وأخري تجارية وخدمية ومصانع حتي تكون مهيئة تماماً لاستقبال تجمعات بشرية ضخمة، وذلك كله في ظل عدم ضمان وجود طلب من الأفراد، بما يجعل جذب استثمارات القطاع الخاص للمناطق الصحراوية، هدفاً يجب علي الدولة أن تسعي إليه لا أن تحاربه.
وقال إن جميع المستثمرين في أي دولة تعتبر العقود المبرمة مع الدولة، هي أصدق أنواع العقود وأقواها، ومن ثم استحالة الطعن فيها، ولكن مصر ضربت هذه القواعد في مقتل وأصبح الشغل الشاغل لبعض الأشخاص الطعن في صحة أي عقد تم إبرامه مع الحكومات السابقة.
وأشار إلي طريقة أخري يمكن أن يتم علي أساسها تقييم سعر الأرض وقت التخصيص، وهي مشتقة أيضاً من المادة 20 من قانون البنك المركزي والمادة 22 من القانون 148 لسنة 2001، وتعتمد علي تقييم الأرض حالياً دون المرافق والمنشآت، ثم يتم خصم معدل التضخم الصادر عن البنك المركزي عن كل سنة مالية إلي أن يتم الوصول لتاريخ التخصيص، موضحاً أن هذه الطريقة يتم اللجوء إليها حال عدم التمكن من تقييم الأرض وقت التخصيص، وذلك لعدة أسباب، منها: عدم وجود بيوع مقارنة بحيز الأرض المتنازع عليها.
في السياق نفسه، أكد يحيي الدياسطي، مقيم عقاري، دكتوراه في القانون، عدم أحقية أي شخص لتقييم سعر أرض متنازع عليها سوي للخبراء العقاريين المقيدين بهيئة الرقابة المالية والبنك المركزي، ويتم انتدابهما من قبل القاضي نفسه، موضحاً أن أي أسعار للأراضي يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام تعد بمثابة وسيلة ضغط علي القاضي والمقيم العقاري نفسه، علاوة علي ما يسببه ذلك من تضليل للرأي العام، خاصة أن معظم المبادرين بتقييم الأرض غير متخصصين، ويهدفون لتهويل الأمور، سواء لإنجاح القضية أو رغبة في الشهرة.
ولفت إلي أن العديد من مقدمي البلاغات يتعمدون التلاعب في القيمة الحقيقية للأرض، لإثارة الرأي العام، ومن ثم الضغط علي المحكمة لسرعة البت في القضية، وهو ما يؤثر في النهاية علي نزاهة الحكم وصحته لعدم توافر الوقت الكافي لدراسة القضية.
وقال إن مقدمي البلاغات يلجأون لتقييم الأرض في وقتها الحالي، ومقارنتها بسعر التخصيص مع تعمد إهمال تضخم الأسعار في الفترة الزمنية الواقعة بين التاريخين وحجم التطورات التي أجراها مالك الأرض من مرافق وإنشاءات واستثمارات، علي الرغم من أنه وفقاً للقانون يجب تقييم الأرض وقت التخصيص ويقوم بعملية التقييم خبراء تقييم عقاري مقيدون بأحدث جداول البنك المركزي أو هيئة الرقابة المالية، ويعمل الخبراء بطريقة منفصلة ويتم رفع التقرير النهائي للقاضي.
وأوضح أن الأزمة نشأت بسبب تجاهل هيئة المجتمعات العمرانية المقيمين العقاريين والخبراء المثمنين عند منح عقود التخصيص، مما أوجد بيئة خصبة للتلاعب في أسعار التخصيص في بعض الأراضي وليس جميعها، متوقعاً في هذا الإطار صدور أحكام قضائية عديدة في صالح ملاك الأرض، تدعم صحة العقد، مطالباً الرأي العام بتقبل ذلك، مادام أن الحكم قضائياً والجميع يثق في قضاة مصر.
من جانبه، أوضح حمادة صلاح، خبير التقييم العقاري، أن عملية تقييم الأرض المتنازع عليها في أروقة المحاكم، يتم ردها إلي خبير تقييم عقاري، يتم انتدابه من المحكمة الاقتصادية، يتولي عملية تقييم الأرض وقت التخصيص، ويتم الأخذ به في حيثيات الحكم، وطلب من مقدمي البلاغات وبعض الوسائل الإعلامية عدم محاولة تقييم الأرض بشكل عشوائي، لما يسببه ذلك من إثارة الرأي العام، والتأثير سلباً علي تقيمات الخبير، خاصة أنه غير مؤهل وغير معتاد علي العمل تحت ضغط جماهيري، يتمثل في رغبة الجماهير في سرعة عملية التقييم ورفع سعر متر الأرض وقت التخصيص، علي العكس من القاضي في المحكمة، الذي يعتاد العمل تحت ضغط جماهيري مستمر ولا يعير عنصر الوقت أهمية قصوي، ما دام لم ينته من الإجراءات بعد.
وأرجع المشكلة برمتها للقانون المنظم لعمل هيئة المجتمعات العمرانية، والذي اعتبرها هيئة خاصة يسري عليها قانون خاص بها غير القانون العام، وهو القانون الذي يعد خيط الأمل الأخير لكل قضايا التخصيص وإهدار المال العام، المتورط فيها الوزير السابق، أحمد المغربي، ضارباً المثل بعمليات تخصيص الأراضي، فقد أنشأت هيئة المجتمعات العمرانية لجنة خاصة بها، يطلق عليها لجنة التسعير حتي تتهرب من الاستعانة بالمقيمين العقاريين والخبراء المثمنين، وتستطيع التلاعب في قيم الأراضي بمجرد الحصول علي موافقة هذه اللجنة، وهو ما يعطي الفرصة لـ»المغربي« بتبرير موقفه أنه استند في امضائه قرار التخصيص لقرار هذه اللجنة، وتقييمها لسعر الأرض محل التخصيص.
وأوضح عباس عافية، خبير مثمن، محام، أن عملية تقييم الأراضي المتنازع عليها يمكن أن يتم اسنادها لأكثر من جهة من بين مقيمين عقاريين وخبراء مثمنين ومهندسين من هيئة المساحة، ويتم الاختيار من بينهم من خلال النيابة، وطالب »عباس« القضاء بمراعاة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأي دعوي قضائية يتم الفصل فيها.