ظلت أسرار مومياء الملك أمنحتب الاول مخبأة تحت اللفائف وقناع الوجه الجنائزي حتى تم الكشف عنها مؤخرًا في الدراسة العلمية التي نُشرت اليوم الموافق 28 ديسمبر 2021 في مجلة فرونتيرز في الطب للدكتور زاهي حواس عالم المصريات الشهير ووزير الآثار الأسبق والدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة.
واستخدمت الدكتورة سحر سليم ود. زاهي حواس تقنية أشعة متطورة من التصوير المقطعي المحوسب وبرامج الكمبيوتر المتقدمة لفك اللفائف من على مومياء أمنحتب الأول بشكل رقمي آمن ودون الحاجة إلى لمس المومياء، فكشفت الدراسة المصرية لأول مرة عن وجه الفرعون وعمره وحالته الصحية، إضافة إلى العديد من أسرار تحنيط المومياء وإعادة دفنها.
مومياء الملك أمنحتب الأول القناع الجنائزي هي إيقونة حفل موكب المومياوات الملكية المهيب لنقلها من المتحف المصري بالتحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط في أوائل أبريل من هذا العام.
الملك أمنحتب الأول هو ابن الملك أحمس قاهر الهكسوس والذي تولي عرش مصر بعد والده وحكم البلاد لمدة واحد وعشرين عاما (من 1525 إلى 1504 قبل الميلاد في الأسرة 18).
وتم العثور على مومياء الملك أمنحتب الأول عام 1881 في مخبأ الدير البحري الملكي في الأقصر، حيث قام كهنة الأسرة الحادية والعشرين بإعادة دفن وإخفاء مومياوات العديد من الملوك والأمراء لحمايتهم من لصوص المقابر.
وبعد نقلهم إلى القاهرة، تم فك اللفائف عن كل المومياوات الملكية، وذلك في الفترة ما بين 1881 1896 عدا مومياء الملك أمنحتب الأول، فهي المومياء الملكية الوحيدة التي لم يتم فك اللفائف عنها في العصر الحديث، وذلك حفاظا على جمال المومياء المغطاة بالقناع الجنائزي وبأكاليل الزهور الملونة.
وظل وجه صاحب هذه المومياء والمعلومات عنه حبيسة اللفائف وخلف القناع الملكي حتى كشفت عنها الدراسة العلمية التي نشرت مؤخرا في المجلة العلمية Frontiers in Medicine المرموقة عالميا بواسطة الدكتور زاهي حواس عالم الاثار الشهير مع الدكتورة سحر سليم أستاذ الأشعة بكلية الطب بجامعة القاهرة.
وفحص العالمان المصريان مومياء الملك أمنحتب الأول باستخدام جهاز التصوير المقطعي المحوسب والموجود في حديقة المتحف المصري بالقاهرة، حيث استخدم العالمان المصريان التقنيات الحديثة للأشعة المقطعية في إزاله اللفائف عن مومياء الملك أمنحتب الأول بشكل افتراضي آمن بواسطة برامج الحاسب الآلي وبدون المساس بالمومياء، فهذه التقنية تحفظ المومياء سليمة بدون لمس عكس الطريقة القديمة في فك اللفائف بشك فعلي والذي كان يعرضها للتلف.
وأوضح الدكتور زاهي حواس أن هذه الدراسة نجحت ولأول مرة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة عن إزاحة اللفائف بواسطة الكمبيوتر عن وجه الملك أمنحتب الأول والذي اتضح أنه يشبه بشكل كبير والده الملك أحمس الأول والمحفوظة في متحف الآقصر.
كما حددت الدراسة بشكل دقيق عمر الملك أمنحتب الأول وقت الوفاة وقدرته بـ ٣٥عاما، كما أنبأت الدراسة عن الحالة الصحية الجيدة للملك فلم تظهر أي أمراض أو إصابات بالمومياء تنبئ عن سبب الوفاة.
وكشفت الدراسة معلومات مثيرة عن طريقة تحنيط الملك أمنحتب الأول المميزة، حيث اتضح أن وضعية تقاطع الساعدان على جسد مومياء الملوك (التي تسمى الوضعية الآوزيرية) بدأت بمومياء الملك أمنحتب الأول، فهذه الوضعية الآوزيرية لم تر في من سبق الملك المنحتب الأول، واستمرت بعده في ملوك المملكة الحديثة.
وأشارت الدكتورة سحر سليم إلى أن الدراسة أثبتت أن المخ لا يزال موجود في جمجمة الملك أمنحتب الأول فلم تتم إزالة المخ في عملية التحنيط، عكس معظم ملوك المملكة الحديثة مثل توت عنخ آمون ورمسيس الثاني وغيرهما، حيث تمت إزالة المخ ووضع مواد تحنيط وراتنجات بداخل الجمجمة.
كما كشفت صور الأشعة ثلاثية الأبعاد الدقيقة في الدراسة عن وجود 30 تميمة في داخل المومياء وبين لفائفها، كذلك عن وجود حزام أسفل ظهر مومياء الملك مكون من 34 خرزة من الذهب.
وكشفت الدراسة التي قام بها الفريق المصري الخالص عن التقنية الدقيقة للمصريين القدماء في صناعة القناع الجنائزي للمومياء ووضع الأحجار الثمينة عليه.
وكشفت الدراسة ولأول مرة عن أسرار معالجة كهنة الأسرة 21 للمومياوات الملكية لأعادة دفنهم في الخبيئتين الملكيتين في وادي الملوك والدير البحري، فأثبتت الدراسة العناية الفائقة التي أولاها كهنة الأسرة 21 في إعادة دفن مومياء الملك أمنحتب الأول والحفاظ على الحلي الذهبية ووضع العديد من التمائم بداخل المومياء مما يعيد الثقة في حسن نوايا في مشروع إعادة دفن المومياوات الملكية للحفاظ عليها عكس المزاعم التي أثيرت عن أن الهدف كان لسرقة الحلي والنفائس من مومياوات الملوك القدامى لإعادة استخدامها لملوك الأسرة الـ 21.
جدير بالذكر أن دكتور زاهي حواس والدكتورة سحر سليم قاما باستخدام الأشعة المقطعية لفحص أربعين مومياء ملكية من المملكة الحديثة في مشروع المومياوات الملكية التابع لوزارة الآثار المصرية والذي بدأ منذ عام 2005 ومستمر إلى الآن.
ومن النتائج المهمة لهذا المشروع الكشف عن أسرار مقتل الملك رمسيس الثالث في مؤامرة الحريم ومقتل الملك سقنن رع في معركة حرير مصر من الغزاة الهكسوس مما يدل ذلك على أن علوم الآثار الحديثة بأيادي الخبراء المصريين يمكنها إعادة كتابة التاريخ.