القائد الأعظم محمد على جناح 2

12:51 م, الأثنين, 5 مارس 18

جريدة المال

المال - خاص

12:51 م, الأثنين, 5 مارس 18

انفصال الباكستان ضرورة لا محيد عنها

هذه الضرورة حاول ساسة الهند جميعًا أن يتجنبوها أو يتجاهلوها فلم يفلحوا، لأنها لم تكن قابلة للتجنب أو التجاهل.

وشارك عديدون فى المحاولات الكثيرة المتعددة لتلافى هذا الانفصال، منهم هنود برهميون أو بوذيون أو جينيون، ومنهم هنود مسلمون سنّة وشيعة، بل ومنهم إنجليز، حتى صار يحسب من حسن الشهادة للزعماء التنويه بأنهم بدأوا حياتهم السياسية أنصارًا لوحدة الهند، ولكنهم قاوموا ضرورة لا محيد عنها.

كان إيمان الجماهير فى هذه القضية سابقًا لتفكير الزعماء.

كان إيمان الجماهير بضرورة الانفصال أقوى من كل رأى أو رغبة أو هوى.

ولهذا تساوى منطق محمد على جناح وشعور أتباعه، وتلاقى تفكيرة العملى وغيرتهم القبلية، ولذلك لم تكن به حاجة إلى إثارة شعور أو إلى التحفيز، وحسبه الكلمة الصريحة التى تلاقت مع إيمان الجماهير.

كان معظم المتابعين لمشكلات الهند يتخيلون أن مسألة الباكستان متمخضة عن قلة انشقت عن الكثرة فى وطنها، ولذلك لم يهتدوا إلى الرأى السديد.

فلم تكن الهند قط وطنًا واحدًا بأى معنى من معانى الوطنية.. فالمواصلات منقطعة أو متعذرة، والأنهار لا تصل إلى كل الأجزاء، ولم تكن وسائل المواصلات تقوى على أمطار الشتاء، بل ولم تكن الحاجة ماسة إليها فى غير الشتاء.

ولم يكن سكان الهند من جنسٍ واحد، ولا يتكلمون لغة واحدة… فمنهم الآريون والسود، ومنهم قبائل من المستوحشين يبلغون ما يزيد على العشرين مليونا، وبلغت اللغات واللهجات المتداولة فى الهند نحو مائتين وخمسة وعشرين لغة ولهجة، أكثرها لا يكتب بحروف.

والمشهور فيما يسوق الأستاذ العقاد- أن الطبقات فى الهند أربع تشمل طائفة المنبوذين وهم نحو ستين مليونًا يحرّمون على أنفسهم الاتصال بهم.

وعن كل طائفة من الطوائف الأربع الكبرى تتفرع على كل منها عشرات الطوائف التى تنطوى كل منها على نفسها فى مسائل العبادة والزواج والمعيشة، وتتعصب أيّما تعصب لتقاليدها.

والراجح من كلمة الطائفة فى الهند وهى فارونا Varuna- أنها فاصل بين أجناس تختلف بالدم والسلالة. وقد بلغ من تقديس هذه الفوارق أن مجرد إشاعة عزم الإنجليز على إلغاء الحواجز بين الطبقات، كان من أسباب العصيان المشهور فى سنة 1857.

التعصب الدينى

التعصب للعقيدة فى الهند أصعب أنواع التعصب، لأنه لا يقوم فقط على تباعد الآراء، وإنما على تباعد العادات الاجتماعية، ومن أعسر الأمور تعديلها لأنها تتعلق بعقيدتهم فى الحياة الأبدية. فمن وُلد مثلاً من طبقة المنبوذين يُعد قضاءً أبديًّا يسبق مولده ويلاحقه بعد وفاته.

ويورد الأستاذ العقاد أن البرهميين تذمروا بشدة حين أمرت الحكومة الهندية بإلغاء «السوتى».. وهو إحراق النساء مع أزواجهن المتوفين، ولما صدر الأمر بإلغائه سنة 1829 هبت عاصفة من السخط على الحكومة وطلب البرهميون إلغاء هذا القرار، ويُقَاس على ذلك ما هو أقل من ذلك مجافاة للشعور والعاطفة الإنسانية.

وقد ظن كثيرون أن تحريم أكل الحيوان لجأ إليه البرهميون رحمة بالحيوان، ولكن الواقع أنه سُنّة تقليدية نشأت مع الاعتقاد بتناسخ الأرواح، وأن الأحياء قد تحل فيهم أرواح أخرى على سبيل العقاب.

وقد قال جناح فى تلخيص هذه المشكلة: «نحن نأكل البقرة وهم يعبدونها، فكيف نتفق على نظام ؟!».

ولهذا وغيره من الاعتبارات الاقتصادية والجغرافية والعاطفية صارت العقيدة قوام الأمة فى الهند، وتحولت الصلة الدينية إلى صلة قومية.. فقيل مثلاً فى السيخيين إنهم بعقيدتهم أصبحوا أمّة.. وقس على ذلك نشأة الإسلام أو القومية الإسلامية.

الإسلام والاستعمار

جاءت سياسة الاستعمار بجملة من هذه الفوارق، فقد تسلل إلى الهند وليس من عقيدة تقاومه أقوى من الأمة الإسلامية، فقرّ فى أخلاد المستعمرين أن الخطر يأتيهم من هذه الناحية، فعمدوا على إضعاف المسلمين وإقصائهم عن الوظائف الكبرى والصغرى، بينما كان المسلمون بحكم عقيدتهم عازفين عن الاشتغال بأعمال المصارف، وعدم تملك الأراضى التى وإن كانت غير مملوكه لأحد، إلاَّ أنها متروكة للزراع وللجباة. فلما أصدر الإنجليز قانونا بتمليك الجباة وجَعْل الزراع أُجراء فى أرضهم، لضمان تحصيل الضرائب، اجتمع على المسلمين الحرمان من الوظائف ومن تملك الأرض مما رتب عزلة بين المسلمين وغيرهم فى الحياة الاجتماعية.

وكتب اللورد «النبرو» عما يعتبره عداءً فقال : «ليس فى وسعى أن أغمض عينى عن اليقين بأن هذا العنصر الإسلامى عدو أصيل العداوة لنا !».

وعلى ذلك قامت سياسة المستعمر على التفرقة بين المحكومين، وجهر بذلك بعضهم والصحافة التى كتب أحدهم يقول : «فرق تسد»، وأن هذا الشعار يجب التزامه فى إدارتهم للهند.

* * *

وقد أدت كل هذه العوامل، إلى صيرورة المسلمين أمّة مستقلة تفصلها عن الهنديين كل معالم القومية.

وكانت دعوة «طيلاق» الذى سبق غاندى هى تخليص الهند من كل من الإنجليز والمسلمين على السواء.

أما غاندى فقد قُتل لمجرد تسامحه فى معاملة المسلمين، وكان قاتله من جماعة كثيرة الأشياع ترى أن الحل الأمثل لمشكلة الأجناس فى الهند، هو استئصال تلك الأجناس.

ولم يكن هذا الشعور شعورًا موقوتًا أو طارئًا، وإنما قام على فصل الهند والإسلام، وأشاع البعض أن المسلمين ما هم إلاَّ مغيرون أغاروا على القارة الهندية كما أغار من قبلهم كثيرون كالإغريق والسيثيين والمغول والمجوس، وقد انطوى هؤلاء إلاَّ المسلمون الذين بقوا فى الهند طائفة منفصلة رافضة بعقيدة التوحيد كل هوادة فى قبول الشرك.

هذا ولم تفلح كل محاولات الامتزاج بين المسلمين والبرهميين رغم معيشتهم فى أرض واحدة، وظل المسلمون عبر القرون يولّون وجههم شطر الكعبة فى مكة، وينفردون بشريعتهم ونظام إدارتهم ولغتهم وأدبهم وأضرحتهم وأوليائهم.

وشهد الأستاذ «لونيا» مدرس التاريخ وعلم السياسة بكلية «هولكار» فى كتابه عن تطور الهند شهد بأن للمسلمين الفضل فى تعليم البرهميين مبادئ المساواة.

وعلى ذلك فإن انفصال الباكستان والهند، كان ضرورة لا محيد عنها برغم كل ما بُذل من جهود البعض لتلافيها.

جريدة المال

المال - خاص

12:51 م, الأثنين, 5 مارس 18