نشعر في كل مناسبة دينية يحتفل بها الشعب المصري أن لدينا فقرًا كبيرًا في السينما الدينية أو الفيلم الديني، الذي يتم عرضه على جميع القنوات الفضائية في ذلك الوقت، بسبب عدم إنتاج أفلام دينية منذ السبيعينات وحتى الآن؛ حيث كان آخر فيلم ديني قدم للجمهور “الرسالة” إخراج الأردني الراحل مصطفى العقاد، وقام ببطولته الفنان عبد الله غيث.
أصبحت الافلام الدينية التي تعرض في كل المناسبات الدينية متكررة لا جديد فيها، وهذه الأفلام بعضها تحدث عن النبي محمد، ومنها من حكي تاريخ الدين الاسلامي منذ بدايته بشبه الجزيرة العربية. كأفلام هجرة الرسول الذي شارك في بطولة الفيلم الفنانة ماجدة، يحيى شاهين، وإيهاب نافع، وشارك في تأليفه حسين حلمى المهندس وعبدالمنعم شميس، وأخرجه إبراهيم عمارة، وفيلم من عظماء الاسلام وانتجته ماجدة ايضا واخراج نيازي مصطفى وقامت ببطولته الفنانة الراحلة كريمة مختار كراوية إضافة لأفلام مثل “الشيماء” وهو اضخم انتاج ديني قدم للمشاهدين في تاريخ السينما المصرية، وقام ببطولته الراحل احمد مظهر وسميرة احمد وكوكبة من الفنانين واخراج حسام الدين مصطفى ، وكذلك فيلم فجر الاسلام ايضا اخراج صلاح ابو سيف.
يتحدث بعض النقاد السينمائيين والفنانين عن الأسباب وراء غياب الفيلم الديني عن السينما المصرية منذ فترة السبيعينات وحتى الآن، إضافة لدور الرقابة والأزهر الشريف في ظهور فيلم ديني جديد للجمهور، وكذلك رؤيتهم للرسائل والقضايا الدينية المطلوب تقديمها في أي عمل سينمائي ديني الفترة المقبلة.
مدحت العدل : الفيلم الديني يحتاج لميزانية ضخمة
قال الكاتب مدحت العدل إن فكرة تقديم فيلم ديني اسلامي مميز صعبة جدا، لانها تحتاج لميزانية مادية ضخمة من شركة الانتاج التي تنوي تقديم هذا العمل الديني.
مؤكدا أن شركة العدل جروب لا تستطيع انتاج عمل سينمائي ديني ضخم تتجاوز تكلفته 100 مليون دولار، حتي يظهر بصورة متطورة ومميزة ومختلفة عن الافلام الدينية التي قدمت في فترة السبيعينيات.
واضاف العدل اننا لو قدمنا فيلما دينيا حاليا يجب ان نهتم بعلماء المسلمين مثل الخوارزمي وابن رشد وغيرهما ونقدمهم بالصورة السليمة للعالم، لاسيما ان الاسلام المقدم صورة عنه سيئة بسبب داعش الارهابيين وغيرهم من الشخصيات المسيئة للدين.
ولفت الى ان النهضة التي عاشتها اوروبا منذ سنين طويلة كانت بسبب الاسلام في ذلك الوقت هو ما لا يعرفه الكثيرون.
وتابع قائلا انه فكر سابقا في تقديم عمل ديني مع قناة ازهري عن علماء الاسلام الصحيح مثل ابن رشد والخوارزمي كل عالم في حلقة وكان صعب انتاج هذا العمل.
لافتا انه حينما قدم مسلسلا دينيا مثل الداعية منذ سنوات حقق نجاحا كبيرا، لانه كان يريد ان يقدم خطوة فنية اخرى بعده في الدراما او السينما، لكن الازمة الحقيقية تتمثل في صعوبة انتاج عمل ديني ضخم من خلال شركات خاصة مثل العدل جروب وغيرها.
واكد مدحت العدل انه حاليا يتم الاساءة لشخص الرسول الكريم؛ لذلك يجب الرد على هؤلاء الاشخاص، من خلال العلم واظهار صورة الاسلام الصحيحة، وليس من خلال مقاطعة منتجاتهم الفرنسية التي يعمل بمصانعها الكثير من المصريين ، فذلك اسلوب ساذج ولن يفيد بشيء.
رامي عبد الرازق : فيلم الرسالة جمع بين كل الافلام الدينية السابقة
قال الناقد السينمائي رامي عبد الرازق ان الفيلم الديني من اكثر الامور الجدلية بالنسبة له ، فالفيلم الديني هو في الاساس فيلما سينمائيا تاريخيا والوقائع التي يستند عليها من المفترض انها وقائع تاريخية بالاساس ، مشيرا انها حقيقية ولايمكن تاليفها في هذه النوعية من الافلام لانه مفترض تحري المصداقية من الحدث فهو جزء من السياق العام الذي شكل ظهور ونمو العقيدة ومحاربتها وصراعها حتى تسيدت لذلك الشق الاكبر في هذه الافلام هو التاريخي وياتي الجزء الديني من خلال الجانب المعنوي او النفسي حينما يتم التحدث عن فترة ظهور الاسلام ، فتظهر هذه الافلام صمود المجموعة الاولى في الاسلام ضد الاضطهاد وحينما يتم التحدث عن الفتوحات الاسلامية سنرى اشخاصا تحاول نشر العلم والنور في وسط يفتقد لذلك في هذه الحقبة الزمنية القديمة ، وذلك جزء كبير منه حضاري واخلاقي بدرجة اكبر من كونه دينيا .
واضاف ان الدين الاسلامي في رايه لايحوي على قصص مثل الديانة المسيحية واليهودية التي تقوم في الاساس على القصص ، لافتا الى اننه توجد قصص في القران الكريم لكن محدودة وقليلة مقارنة بالموجودة في العهد القديم او الحديث، لذلك يشجع ظهور الفيلم التاريخي الذي يتناول جانب ديني من خلال ظهور العقيدة الاسلامية وانتشارها او جوانبها الايجابية او الرد على الدعاوى التي تقول ان انتشار الاسلام كان بحد السيف وهي من اكثر الافكار التي يجب طرحها سينمائيا في الفترة التي نعيشها حاليا .
وتابع عبد الرازق قائلا يجب طرح قضية انتشار الاسلام بحد السيف هل ذلك حدث ام انه انتشر بناء ان هذه العقيدة كانت فيها قدر كبير من الحضارة والتحضرلذلك لاقت هوى وقبول من الشعوب التي افتقدت لهذه الحضارة وتوحدت خلف عقدية تدرك انها ستصل بها لهذه الحضارة التي كانت تفتقدها .
واشار ايضا الى ان هذا النوع من القضايا لم تطرح وهي اهم من قضايا ظهور الاسلام وباسمك اللهم وكل الامور التي استهلكت في 10 افلام تاريخية والمسلسلات الدينية ، ووقت ظهورها لم يكن هناك ارهابا او فوبيا من الاسلام لذلك فكرة التاكيد على مجموعة المسلمين الاوائل كان ظريفا في تلك الافلام ، لكن القضايا التي يجب طرحها حاليا يجب ان تهتم بان هذه العقيدة كانت متحضرة جدا وان كل الشعوب التي امنت بها اختلفت حضاريا .
ويضيف ان المنتجون يفكرون في تقديم افلام عن غزوة مؤتة وخالد بن الوليد واشياء ليس لها علاقة بالواقع التاريخي والحضاري التي ارتبطت بهذه الفترة على مستوى العالم وماقبل القرون الوسطى .
وعن دور الازهر الشريف والرقابة قال انه مفترض ان يكون لهم دورا في الفيلم الديني ، ودور الرقابة ياتي بعد صناعة العمل الفني ولايجب ان ترفض فكرة فيلم او شخصية من البداية باستثناء شخصية الرسول الكريم ، لكن هناك جوانب في التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية تحتاج لالقاء الضوء عليها للانعكاس الفني على الفترة الحالية ، حتى لايتهم الاسلاميين بالارهاب.
وذلك منوط به الازهر الشريف لانه يجب عليه اكتشاف مثل هذه الافكار لانه بالطبع لديه ايمان كبير بتاريخ الحضارة الاسلامية ، لكن هناك تحفظ شديد وتعالي ايضا وتركيزا على قضايا بعينها لدرجة انه يشعر ان الازهر يتحسس مسدسه كلما اشيع عن تقديم فكرة عن مرحلة معينة من مراحل التاريخ الاسلامي ، وهناك فرق بين ان يكون حامي للعقيدة وان يكون حامل راية التنوير التي جاءت بها العقيدة ، فالازهر يمارس دور حارس العقيدة بصرامة .
واكد ايضا اننا نحتاج لطرح قضايا واسئلة هامة حاليا باننا هل نحتاج لفيلم تاريخي ام ديني يشبه افلام الكنيسة من اجل الطقوس الخاصة باللاهوت او حملات التبشير ، ام نحتاج لفيلم تاريخي يلقي الضوء على جوانب هذه العقيدة ومدى تحضرها مؤكدا اننا في احتياج شديد لذلك الفيلم التاريخي الذي يتحدث عن جوانب مضيئة في هذه العقيدة أي تاريخ ظهور العقيدة والحضارة الاسلامية وانتشارها في المنطقة .
ويرى رامي عبد الرازق ان فيلم الرسالة الذي قدمه الراحل مصطفى العقاد يجمع فيه كل الافلام الدينية التي قدمت قبله سواء الشيماء او عظماء الاسلام وغيرها ، لانه انضجهم سينمائيا واكثر احتكاكا بالتاريخ مقارنة بتفاصيل ” شلت يدي وتكسير الاصنام ” وكل الافيهات التي انتشرت بعد طرح تلك الافلام ، منوها انه بعد فيلم الرسالة لم يقدم فيلما دينيا تاريخيا ناضجا يحمل خطاب حداثي ومعاصر لما تعانيه العقيدة الاسلامية من اتهامات في العصر الحالي .
واستطرد قائلا ان المصطلح والمشاريع بهذه النوعية ليست مطروحة سينمائيا وللنقاش على المستوى الانتاجي ، فمن 10 سنوات سمعنا عن نية المنتج السبكي لتقديم فيلم عن غزوة مؤتة بطولة الفنان تامر حسني ولم نعي وقتها هل تلك اشاعة ام حقيقة ، وكان المشروع التاريخي الذي كان سيتناول جانبا دينيا خالد بن الوليد ولم يكتب له النور وذلك افضل لاننا نتحدث عن قائد عسكري يحمل كثير من العنف والدموية ، ونحن لانريد ان نقدم هذا النوع من الخطاب الديني في الفترة الحالية ، لذلك في رايه لم يظهر فيلما دينيا معاصرا يقدم الخطاب الديني بشكل جيد في سياق تاريخي مقنع خاصة ان التاريخ جزء كبير منه موثقا بالمعلومة والسنة لذلك تكون المصداقية اكبر .
وعن تطور شكل الملابس والاكسسوارات في الفيلم الديني القادم قال : ارى ان فيلم الرسالة لو شاهدنه حاليا سنجد انه كان متظورا بدرجة كبيرة على مستوى الملابس والاكسسوارات والديكورات والمجاميع لذلك لايمكن ان يتم انتاج فيلم مثل الرسالة في الوقت الحالي يحتاج لملايين الدولارات لانتاج فيلم سينمائي كبير مثله ، لذلك مشكلة الشكل والصورة ابسط ازمات الفيلم الديني او التاريخي لتقديمه حاليا لان هذه الامور يمكن حلها بالجرافيك قائلا ” استطاعوا ان ينفقوا ملايين على الفيل الازرق لذلك الامر سهل للغاية ” في هذه الناحية تحديدا .
وكشف ان الزمن تطور كثيرا وهناك تاريخ عريض من التنوير والثقافة والتحضر لم تقترب منه السينما بتاتا من تاريخ العقيدة الاسلامية ، لكن من ينوط بهم ان يقدموا هذه المشاريع ابعد مايكون عن هذا الفكر ولن تجد من يستمع لها .
أيمن سلامة: فكرة “الجمهور عاوز كده” مرفوضة شكلًا ومضمونًا.. ولو وجد فيلم ديني جيد سيقبل عليه
ويرى المؤلف أيمن سلامة ان من يسأل عن غياب هذه النوعية من الأعمال السينمائية منذ سنوات المنتجون الذين قرروا ان يبتعدوا عن هذه النوعية من الافلام وعدم تحمسهم لها.
وأكد انه قد يكون ذلك بسبب عدم اقبال الجمهور عليها، وأنه يريد مشاهدة افلام معينة لكن فكرة ان الجمهور “عاوز كده” فكرة مرفوضة شكلا ومضمونا، لأنه دائمًا وأبدًا تظهر أعمال فنية معينة مختلفة عن النوعية السائدة، ويجمع عليها المشاهدون ويحبون مشاهدتها.
واستطرد قائلا: إن فكرة الجمهور عاوز كده ادت لوجود افلام هابطة في فترة السبيعينيات والثمانينيات، إضافة لانتشار أفلام العري والمخدرات لكن الجمهور”مش عاوز كده”، وإنما يريد مشاهدة فيلم سينمائي جميل يشاهده، ولو وجد فيلم ديني مميز يقدم شخصية مرموقة في التاريخ الاسلامي او حتى في التاريخ المسيحي بالطبع سيقبل على مشاهدته.
ولفت سلامة إلى أن القضايا التي يمكن مناقشتها في فيلم ديني تاريخي في هذا الوقت تتوقف حسب الشخصية التي يقوم بكتابتها فيه، فمثلًا شخصية عمر بن الخطاب تتحدث عن العدل وخالد بن الوليد نتحدث عن الشجاعة.