تشير عدة دلائل إلى نجاح العقوبات الغربية فى النيل من الاقتصاد الروسى عبر خنق أدواته النقدية والمالية، وفق ما تراه ليزا هاسلداين الكاتبة فى مجلة «ذا سبيكتيتور» البريطانية.
وقالت هاسلداين فى مقالتها إن الاقتصاد الروسى يتجه نحو أعمق ركود له منذ العام 1991، وذلك وفق أحدث تقييم للحكومة البريطانية حول ما إذا كانت العقوبات قد نجحت، و«خنقت آلة بوتين الحربية» على حد تعبير ليز تروس وزيرة الخارجية البريطانية.
وأوضحت هاسلداين أنه وباعتبارها الأداة الغربية غير العسكرية الأكثر فاعلية للضغط على الكرملين، كانت العقوبات الاقتصادية تحت المجهر منذ البداية: هل هى فعالة؟ هل تستهدف الأشخاص المناسبين؟ هل يمكن أن توقف بالفعل نظام بوتين؟
وأشارت هاسلداين إلى أنه قد ورد فى الشهر الماضى فقط أن روسيا ضاعفت إيراداتها من الوقود الحفرى منذ فبراير من خلال بعض الحسابات التى جمعت ما يصل إلى 62 مليار يورو (حوالى 53 مليار جنيه إسترليني)، مستفيدة من الأسعار العالمية التى يحركها النقص الناجم عن العقوبات. بحلول نهاية مارس بدا أن الروبل استعاد قيمته قبل الحرب.
تعرضت أحدث جولة من عقوبات الاتحاد الأوروبى لانتقادات فى بعض الزوايا بسبب فرض حظر جزئى على النفط الروسى. قال النقاد إنهم لن يفعلوا ما يكفى لعزل بوتين بنجاح عن شريان الحياة الذى يصنع المال النفطى.
فهل تنجح العقوبات إذن أم لا؟
وترد هاسلداين على هذا السؤال بقولها: «أجل تشير الدلائل على الأرض إلى أن العقوبات بدأت تؤتى ثمارها بالفعل، وفقًا لوسائل الإعلام الروسية، حيث انخفضت احتياطيات الذهب فى البلاد بنسبة 20% بين فبراير ومارس، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ صيف العام 2019، إذ يشترى البنك المركزى الذهب لتحقيق الاستقرار فى الروبل وتمويل الحرب».
وبشكل ملموس أكثر، صدر تشريع جديد فى الأول من يونيو الجارى بشأن رفع الحد الأدنى الوطنى للأجور والمعاشات بنسبة %10. وفقًا لمجلة Izvestiya الروسية، توقفت بعض البنوك الروسية أيضًا عن الإعلان عن أسعار الفائدة على قروضها استجابةً لسعر الأساس المرتفع الذى حدده البنك المركزى.
على الرغم من أن الصحف لن تعترف بذلك، من الواضح أن كلا الإجراءين يمثلان استجابة لارتفاع التضخم، وارتفاع تكلفة المعيشة للروس العاديين. تشير التقارير المتناقلة إلى أن أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى بدأت فى الارتفاع بشكل حاد.
وتابعت هاسلداين: «يبدو أن الحكومة الروسية بدأت تدرك أن أدواتها تنفد عندما يتعلق الأمر بإخفاء هذا عن الجمهور».
فى إعلان استثنائى فى الـ 23 مايو المنصرم، قال رئيس غرفة الحسابات بالبرلمان الروسى أليكسى كودرين، إن البلاد تدخل مرحلة «بيريسترويكا» (كلمة روسية تعنى إعادة هيكلة) ثانية، مع مرور عامين على الأقل من الصعوبات الاقتصادية.
سيكون هناك انخفاض فى الدخول والرواتب الحقيقية المتاحة للإنفاق، مع توقع أن تصل البطالة إلى ذروتها فى خريف هذا العام.
وصف كودرين المأزق الحالى للبلاد بأنه «بيريسترويكا» ثانية، وستكون كلمات كودرين دقت ناقوس الخطر للروس، الذين لا يزال الكثير منهم يتذكرون الظروف الاقتصادية القاسية التى جلبها سقوط الاتحاد السوفيتى قبل ما يزيد قليلا عن ثلاثين عاما.
حتى صحيفة «برافدا» التى تدعم الكرملين دائمًا بدت مرعبة، ووصفت كلمات كودرين بأنها «مخيفة إلى حد ما».
يبدو أن خطة الحكومة الروسية هى محاولة إعادة هيكلة الاقتصاد مع الحفاظ على مستويات المعيشة بشكل مصطنع، على أمل أن يُدرك أقل عدد ممكن من الروس حقيقة وضع البلاد.
تواصل القوى الغربية تشديد الخناق على العقوبات، ولكن يبقى السؤال متى نرى مدى وسرعة إلحاق الضرر بالاقتصاد الروسى بطريقة أو بأخرى، والتى لن يكون الكرملين قادرًا على الحفاظ على الصحة الاقتصادية؟ وهذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.