الظلم ضد المرأة فى مصر- مشاهدات

توفيق اكليمندوس

10:03 ص, الأحد, 17 يناير 21

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

10:03 ص, الأحد, 17 يناير 21

لا أتحدث هنا انطلاقًا من مرجعية حقوقية ولا نسوية، أو غربية أو عالمية. لست ضد هذه المرجعيات على المستوى الشخصى، ولكننى أدرك أن الكثيرين منا يرفضها، ولا أريد طبعًا هدم مجتمع ولا إعادة ترتيبه بالكامل، ولا أريد هدم الأسس التى قامت عليها العائلة المصرية بل أريد تقويتها، أريد أن أقول كلامًا يقبله المحافظون منا وهم كُثر.

وكلامى هذا ليس وثيقة اتهام ضد الرجال، بل إدانة لثقافة ذكورية يشترك الرجال والنساء فى إعادة إنتاجها، ففى الكثير من الحالات التى تعرفتُ عليها أو سمعتُ عنها شخصيَّا يقاوم الرجل، أو بمعنى أدقّ الأب، الظلم الذى يلحق ببنته، ويحدّ منه. وهذه الثقافة الذكورية ليست بنت الدين، بل تنافيه وتنافى مقاصده.

أبدأ مثلًا بموضوع التعليم ومن يحصل عليه ومَن له الحق فى تكملته. ليس سرًّا أن تكاليف التعليم ارتفعت جدًّا فى مصر، وأن هناك عائلات لا تقدر على دفعها أو على تمويل التعليم لكل أبنائها وبناتها، ولا سيما إن غاب الأب وتوفّاه الله مبكرًا. أغلب العائلات المصرية ستضحى بتعليم البنات؛ لأسبابٍ بعضها لم يعد قائمًا. منها مثلًا أن المرأة المتزوجة لا تحتاج إلى العمل، وهذا غير صحيح اليوم.

والمشكلة أن البنت هى دائمًا من يتم حرمانه من التعليم، حتى لو كانت متفوقة فى دراستها، على عكس أخيها. الحجة الرئيسة؛ وهى بالغة القوة فى مجتمعنا، أن الرجل الذى لم يتعلم لن يستطيع الزواج، أو على الأقل الزواج من متعلمة، على عكس المرأة غير المتعلمة فهى تستطيع الزواج من متعلم، ولكن هذا الوضع القائم فى مجتمعنا وثقافتنا يفترض أنه لا فارق بين أم متعلمة وأم غير متعلمة فيما يتعلق بتربية الأبناء، وهى قضية محورية، وهذا الفرض واضح العوار.

وطبعًا حرمان بنت متفوقة من التعليم لأسباب مالية يتسبب فى خسارة كبيرة لعائلتها وللمجتمع. وكون هذا القرار ضروريًّا فى أحوالٍ لا ينفى عنه كونه ظالمًا ظلمًا مبينًا.

والعائلات التى تواجه ضائقة -ولا سيما إن غاب الأب مبكرًا- تميل إلى إجبار بناتهن على الزواج مبكرًا. عرفت أحوالًا كثيرة خُيّرت فيها البنت التى لا تبلغ العشرين من عمرها بين الزواج إن شاءت وتكملة التعليم، أو ترك التعليم والعمل فى وظائف لا تحتاج إلى شهادات، لتشارك فى تمويل تعليم أخيها- حاول أن تتأمل الوضع من منظورها هى قبل أن تندد بغضبها وقسوتها.

وحتى لو لم تكن هناك ضائقة فإن سلوك العائلة فى غياب الأب لا يتغير.. تجبر البنت على الزواج بدعوى سترها. وفى أحوالٍ ليست بالقليلة تفشل هذه الزيجة وتعود البنت إلى بيت أهلها مطلَّقة، ولو معها أولاد من هذه الزيجة الأولى فإن فرصها فى زواجٍ آخر قليلة. فالرجل المصرى لا يحب مَن لها «ماضي» مع رجل، حتى لو كان هذا الماضى حلالًا.

ونستطيع أن نخوض فى الزيجات التى تعتبر عمليات بيع رقيق لميسور مُسنّ، وفى الحالات التى يتم حرمان البنات فيها من حقهنّ الشرعيّ فى الميراث بحجج سخيفة، وما إلى ذلك من صنوف الظلم «الطبيعي» فى مجتمعنا. ونستطيع أن نندد بتربية يومية قائمة على فكرة أن المرأة خادمة الذكر لا تعصى أمرًا له- سواء كان هذا الذكر أخاها أو زوجها. ليس من الضرورى أن يقال هذا صراحة ولكن أسلوب عمل البيت وطبيعة الأوامر والتكليفات وتوزيع المهام.. كل هذا يكرس هذا المفهوم.

يلاحظ أن المرأة- الأم تحديدًا- تلعب- إراديًّا أم لا- دورًا هامًّا فى إعادة إنتاج هذا الظلم، فهى محافِظة أكثر من الرجل فيما يبدو، وتحب الذكور من أبنائها حبًّا يُعميها عن الظلم اللاحق ببناتها.