مسرحية «الطوق والأسورة» تنافس على جوائز «قرطاج» (صور)

تغوص "الطوق والأسورة" فى عالم الجنوب، وحولها الدكتور سامح مهرجان من قالب الرواية للقالب المسرحي

مسرحية «الطوق والأسورة» تنافس على جوائز «قرطاج» (صور)
سلوى عثمان

سلوى عثمان

6:04 م, الأحد, 8 ديسمبر 19

تشارك مسرحية “الطوق والأسورة” من إنتاج فرقة مسرح الطليعة، ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج المسرحية بتونس، يقدم ليلتي عرضا ضمن فاعليات المهرجان، ويشارك ضمن المسابقة عروض من العديد من الدول منها: لبنان، سوريا، كوت ديفوار، الأردن، الإمارات، العراق.. وغيرها من الدول.

تاريخ الطوق والأسورة

مسرحية ” الطوق و الأسورة” قدمت للمرة الأولى في الدورة الثامنة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 1996، وحصل مخرجها ناصر عبد المنعم على جائزة أفضل إخراج في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهى الجائزة الأولى لمصر في المهرجان.

 وتمت إعادة إنتاج العرض في عام 2018 ضمن الاحتفال باليوبيل الفضي للمهرجان التجريبي.

كما شاركت مسرحية “الطوق والأسورة” ضمن العروض المتنافسة على جائزة سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي بمهرجان المسرح العربي الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح في يناير 2019.

وحصل العرض على جائزة أفضل مسرحية عربية، لتصبح أول جائزة لعرض مصري في المهرجان العربي، وتم عرضها بهذه المناسبة كعرض الافتتاح في أيام الشارقة المسرحية بدولة الإمارات.

كما شاركت في شهر أغسطس الماضي  بالمهرجان القومي للمسرح المصري بدورته  الـ12.

أسباب إعادة تقديم المسرحية بعد 25 عاما

عالم الجنوب، ذلك العالم شديد الجمال والخصوصية، والمليء بالخرافات والثوابت، والمصاب بالتصديق حتى لاكثر الأشياء غرابة وغير منطقية، والقاسي على آهله بقدر ما هم قساه على بعضهم.

من أكثر الروائيين الذين صاغوا حكايا الجنوب هو يحيي الطاهر عبد الله، وهو أحد المبدعين الذين ماتوا في شبابهم فترك إرثا صغيرا ترك في نفوس الجميع آثرا كبيرا ومؤثرا، فكان ينسج خيوط رواياته بحنكة شديدة وخصوصية لا يضاهيها فيها أحد.

وهذه الخصوصية والفرادة جعلت مسرحية “الطوق والأسورة” التي أعدها للمسرح الدكتور سامح مهران واخرجها ناصر عبد المنعم، من المسرحيات التي يمكن أن تقدم على مدار سنين دون أن يمل منها الجمهور ، وهو ما حدث بالفعل فتم إعادة إنتاج هذه المسرحية بمناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي لــ”المهرجان الدولى المسرح المعاصر والتجريبي” لتعلن أنها يمكن أن تقدم بعد عشرات السنين وتلقي نجاحا وتنال جوائز ، وتقدم فى مهرجانات أخري متتالية ومنها ” قرطاج ” الأن.

الطوق والأسورة يغوص في عالم الصعيد

تدخل مكان العرض لتجد أماكن التمثيل وكأنها تلاحقك، فأنت جزء من مستطيلين داخل مستطيل كبير، وعلى يمينك ويسارك وأمامك وخلفك أماكن يؤدي فيها الممثلين أدوارهم.

وكأن المخرج قبل العرض يفرض عليك ذهنيا أن تكون جزءًا من هذا العرض، لتصبح بالضرورة جزءا من هذا المجتمع المقدس للخرافات، المبجل لرجل الدين المحاك حوله الأساطير الباطلة ، والمشبع بالأكلاشيهات ، القاهر للمرأة ، والطارد للشباب بسبب الفقر.. وغيرها من الأوبئة المجتمعية.

ويجد المتفرج نفسه أمام أحداث تقع حوله بطريقة متتالية وكأنها تلاحقه وكأن ديكور العرض وضع ليمتص المتفرج داخله ، ليصدمه النص صدامات متلاحقة، لتفتح أنوار الصالة ، ويترك المتفرج مع عقله وقلبه الذان ملئا بالأحداث والمشاعر؛ للتفكير فيما قدم أمامه، والشعور بما يلاقيه أهل الجنوب .

شخصيات المسرحية تنسج خيوط الأحداث

” حزينة ” هي تلك المرأة الصعيدية الفقيرة التي تنتظر عودة نجلها مصطفي من السفر، و” فهيمة ” هي الأبنة ، و ” بشاري ” هو الأب العجوز والزوج الذي نال منه المرض، وفي لحظة يموت رب البيت ، لتجد حزينة نفسها وحيدة ولا تستطع إتمام زيجة أبنتها

تتزوج فهيمة من الحداد بعد تدخل ” الشيخ فاضل ” والتكفل بالزيجة، وتكتشف ” فهيمة ” عجز زوجها الجنسي، فتقرر ” حزينة ”  الذهاب لاحد الدجالين ” الشيخ العليمي ” لفك العمل الذي نال من الحداد ، ورغم ذلك يطلقها الحداد ، وتنجب ” فهيمة ” طفلة ، ثم تموت هذه الأخري فجأة ، وتربي الطفلة فى كنف جدتها لأمها .

مع أن هذه الحكاية تظهر من قرائتها أنها بسيطة جدا ، ويمكن أن تجدها مكررة ، لكنك أمام حالة كاملة من الاختلاف، فالتفاصيل هي الأساس في هذه المسرحية، الضرب في عمق الجنوب أوجد لنا نصا جماليا ومتفردا، يمكن أن تظل تخرج منه مفردات ومعانى وتفاصيل لا تنتهى .

كما أن مسرحية ” الطوق والأسورة ” تعج بالجمل الفلكلورية والتراثية المتداولة دون استخدام العقل في تقييم مدي صحتها، كما تقدم المسرحية بكثير من الدلالات أننا من نصنع آلهتنا على الأرض رغم أن آلهنا في السماء .

فمن وجهه نظر ” بشاري ” زوج ” حزينة ” أنه سيدخل الجنة وسيجد معسل هناك ، ورغم أن حزينة تفجع من موت زوجها إلا أنها تقوم بالنواح عليه بصوت أقرب للغناء والرثاء ، رغم تحذير الشيخ ” فاضل ” لها بحرمانية ذلك ، ومن الأمور التراثية أن المرأة هي السبب في كل عجز أو نقص ، فالحداد كان ضعيفا جنسيا إلا أنه ظل يسب ” فهيمة ” ويتهمها بالبرود، رغم أطاعتها له وتنفيذ كل ما كان يطلبه منها .

تعرية رجل الدين النصف إله

وأكثر الخطوط المرسومة للتعبير عن تقديس رجال الدين في المسرحية هو الخط الخاص بالشيخ ” فاضل ” ذلك الرجل المشاع عنه الحكايات الأسطورية و الأمور التي لا يمكن لعقل تصديقها لو مرت عليه للتفكير فيها كأنه يعبر المياه دون أن يبتل ففي موضع يقال أنه ” العجل في بطن أمه ” وتأتى رؤية أخري لسيدة تراه ” يغرق في شبر مية ” ، ورغم دفاع هذا الرجل عن الدين إل اأنه لا يجد غضاضة فى المطالبة بحقه في ” حورية ” أبنة ” فهيمة بأخر العرض، باعتباره واحد من الذكور الذين كانوا سببا في وجودها .

والشيخ العليمي أيضا دجال ومشعوذ وجهه قبيح وصوته كصوت نهيق الحمار، ومع ذلك تأخذ ” حزينة ” ” فهيمة ” إليه لفك العمل ،ولا يجد الرجل مانع من تحسس جسد ” فهيمة ” ــ التي لا يشبعها زوجها ــ والتحرش بها مع أن يلقب هو الاخر بأنه شيخا .

مصطفى في الرواية يختفى فى المسرحية

كانت شخصية مصطفي في رواية “الطوق والأسورة ” من الشخصيات الأساسية لأنه يعود لبلده مرة آخري ، ولكن في مسرحية اختار د. مهران أن يكون المعبر عن الغائب في حياة كلا منا ؛ فمصطفي ظل حلما ، وظهر ثلاثة مرات فقط على المسرح الأولي عندما تتذكرة فهيمة فى أول الـ مسرحية وهو يحاول إجبارها على أن تسمع كلامه رغم أنها الأخت الكبري ، والثانية عند موتها الحمي فكانت تهلوس وتخيلته أمامها ، وثالث مرة وهو يحاول ضرب الشيخ فاضل والحداد للحصول على نصيبه فى حقه في أبنة أخته المتوفاه وكأنها آرث وليست إنسانا وله كيانه الخاص .

ناصر عبدالمنعم يتحكم فى أدواته لإخراج عمله المسرحى

المخرج هو رب العمل ، واستطاع ناصر عبد المنعم أن يكون كذلك ، فيمكن أن تقوم بتقديم مسرحية من إخراجك لكن من الصعب أن تمتلك أدوات التحكم في هرمونية العرض وإتساقه و أن تكون قاصد لكل حركة وإضاءة وصوت؛ ففي كل مشهد كانت الحركة متناغمة بين الممثلين رغم إنتقال الرؤية بين زوايا القاعة ، والأصوات بالعرض ــ غير الأغاني ــ كانت تعطي دلالات مهمة فمثلا في كل مرة يسمع صوت الغراب ــ نظير شؤم بالثقافة الشعبية ــ تحدث مأسي جديدة في حياة ” حزينة ” ، وفي ليلة دخلة ” فهيمة ” كان صوت مطرقة الحداد على الحديد مستمرة ، وهو يقول لها جمل كـ ” مرة باردة نارها مطفية ” .. وغيرها من الجمل القريبة من مهنته .

ومع هذا الحزن إلا أنه كان هناك مغنيا نوبيا يدخل بين الأحداث ليغنى أغنيات تعبر عن الحالة بين الفرح والحزن والترقب والانتظار ، وكأن هناك رسالة كانت توجه بأن الحياة مهما كانت قاسية سيظل الفن قادرا على إطفاء بعض الحياة والسكينة عليها .

فريقة العمل

العرض عن رواية يحيي الطاهر عبدالله، دراماتورج سامح مهران، ومن بطولة فاطمة محمد على، محمود الزيات، مارتينا عادل، أحمد طارق، أشرف شكري، شريف القزاز، شبراوي محمد، محمد حسيب، سارة عادل،سلمى عمر، سارة مصطفى، نائل علي، غناء كرم مراد، عازف الربابة إبراهيم القط و فرقته، ديكور محيي فهمي، أزياء نعيمة عجمي، رؤية موسيقية جمال رشاد، نحت أسامة عبد المنعم ، ومن إخراج ناصر عبد المنعم.