هل آن أوان عودة برنامج «الطروحات الحكومية» إلى احتلال صدارة مشهد سوق المال مجددًا فى ظل استقرار الأوضاع بالبورصة المصرية التى تشهد تحسنًا ملحوظًا على مستويات قيم التداولات وحجم السيولة المتاحة بجانب دخول شريحة من المستثمرين مجددًا للسوق ؟
تساؤل طرح نفسه بقوة على مائدة مناقشات ملفات البورصة، عقب سعى الجمعية المصرية للأوراق المالية «إكما» نحو لقاء هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، لمناقشة عودة برنامج الطروحات الحكومية مجددًا، وفقا لما نشرته «المال» الأسبوع الماضى.
البرنامج الذى عُقدت عليه آمال كبيرة من جانب قطاع سوق المال أطلق فى مارس 2018، عبر إعلان الحكومة نيتها فى طرح حصص بنسب مختلفة من 23 شركة حكومية منها 14 شركة تقيد للمرة الأولى و9 شركات مقيدة فى البورصة مسبقًا سيتم طرح حصص اضافية منها.
إلا أنه لم يتم تنفيذ سوى خطوة وحيدة فقط عقب عام من إعلانه وهى طرح حصة إضافية من شركة الشرقية للدخان بنسبة %4.5 فى مارس 2019، ثم تم تأجيله عدة مرات لظروف مختلفة منها أزمة الأسواق الناشئة التى أثرت على البورصة المصرية، ومنها جائحة فيروس كورونا المستجد الذى أوقف الحياة لمدة أشهر متواصلة.
فيما تم تعديل برنامج الطروحات الحكومية مرة أخرى ليتضمن طرح حصص 4 شركات بالبورصة ضمن المرحلة الأولى من البرنامج، تشمل شركات الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وأبوقيرللأسمدة، وسيدى كريرللبتروكيماويات بجانب الشرقية للدخان الذى تم تنفيذه، فيما تشمل المرحلة الثانية من برنامج الطروحات الحكومية طرح نحو 10 شركات جديدة منها 8 شركات تعدينية وصناعية، إلى جانب شركة «إى فاينانس» وبنك القاهرة.
وأكد خبراء البورصة أن عودة برنامج الطروحات الحكومية أمر يجب مناقشته بجدية فى الفترة الراهنة، على أن يتم اتخاذ قرار سريع ببدء تنفيذ البرنامج مجددًا، وذلك للاستفادة من الظروف الإيجابية التى تعيشها البورصة فى الفترة الراهنة.
فيما اختلف فريق من الخبراء حول مدى ملاءمة الفترة الراهنة لبدء برنامج الطروحات الحكومية، نظرًا لتفضيل البعض للانتظار لمعرفة مدى الآثار المترتبة على توابع فيروس كورونا خلال الفترة المقبلة.
يُذكر أن البورصة المصرية شهدت آخر طرح فى فبراير الماضى، عبر طرح %28 من أسهم شركة أميرالد للاستثمار العقارى، بمعدلات تغطية للطرح العام بلغت 17.7 مرة، بكمية أسهم مطلوب شراءها بلغت 61.972 مليون سهم، وبلغ معدل تغطية الطرح الخاص لأسهم الشركة 1.3 مرة، بكمية أسهم مطلوبة قدرها 89.116 مليون سهم.
محمد ماهر: عودة الثقة أبرز النتائج
من جانبه، قال محمد ماهر، الرئيس التنفيذى لشركة برايم القابضة للاستثمارات المالية، ورئيس مجلس ادارة الجمعية المصرية للأوراق المالية «إكما»، إن البورصة المصرية تمر بمرحلة استقرار وتحسن ملحوظ على مستوى قيم التداولات والسيولة المتاحة بالسوق، لافتًا إلى أن البورصة بحاجة شديدة إلى الطروحات الحكومية.
وأضاف أن عودة برنامج الطروحات الحكومية سيعزز من فرص تنشيط مجال الاكتتابات والطروحات من القطاع الخاص، سيكون بمثابة رسالة طمأنة وتشجيع للشركات الخاصة الراغبة فى القيد فى البورصة.
وأوضح أن الجمعية ستسعى إلى وضع عودة برنامج الطروحات الحكومية على رأس أولويات السوق خلال الفترة المقبلة، من خلال مباحثات مرتقبة مع وزير قطاع الأعمال العام.
وأشار إلى أن خطوة برنامج الطروحات الحكومية هى الخطوة المتبقية عقب الموافقة على تخفيض ضريبة الدمغة وتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية مؤخرًا، وبعض الإعفاءات الضريبية الأخرى، مؤكدًا أن السوق بحالة عطش شديد لنماذج جديدة تجذب سيولة أكبر من خارج السوق.
يُذكر أن وزارة المالية أقرت إعفاء الأجانب من ضرائب الأرباح الرأسمالية نهائيًا، وتأجيلها للمقيمين حتى بداية 2022، بالإضافة إلى خفض ضريبة الدمغة لـ 1.25 فى الألف بدلاً من 1.5 فى الألف لغير المقيمين، ونصف فى الألف بدلًا من 1.5 فى الألف للمصريين، بجانب الإعفاء الكامل من ضريبة الدمغة للعمليات الفورية لتنشيط حجم المعاملات اليومية، مع تخفيض الضريبة على توزيعات الأرباح للنصف لتصل لـ%5 على الشركات المقيدة بالبورصة.
وأكد أن ظروف جائحة فيروس كورونا المستجد ساهمت فى تخوف العديد من الشركات الخاصة من اللجوء للبورصة سواء كآلية تمويل أو أداة مناسبة للتخارج، وتأجيل قرارات الطرح انتظارًا لما ستسفر عنه تطورات جائحة كورونا.
ياسر عمارة: الظروف مواتية للنجاح شريطة الإدارة الجيدة
من جانبه، قال ياسر عمارة، رئيس مجلس إدارة شركة “إيجل” للاستشارات المالية، إن الحكومة أضاعت فرصًا كثيرة لتنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، كانت ظروف السوق مواتية من حيث قدرته على استيعاب الطروحات جمعيًا فى توقيتات متقاربة.
وأضاف أن تأجيل الطروحات الحكومية عدة مرات لا يرجع لقدرة السوق من عدمه، ولكنه يعود إلى الخلل الواضح فى ملف الطروحات ذاته الناتج عن دخول عدة جهات فى إدارة وتنظيم الملف، سواء من خلال نقل إدارة الملف من الوزارات المعنية إلى شركة “إن آى كابيتال” – بنك الاستثمار الحكومي- ثم نقلها إلى بنوك الاستثمار الخاصة.
وأوضح أن الفترة الراهنة ملائمة ومناسبة لعودة الطروحات الحكومية مجددًا، لإستغلال الحالة الايجابية التى تعيشها البورصة سواء على مستوى قيم التداولات، أو دخول مستثمرين جدد أو الإجراءات المؤسسية التى اتخذتها الهيئة العامة للرقابة المالية وإدارة البورصة مؤخرًا.
وأشار “عمارة” إلى ضرورة دخول هيئة الرقابة المالية والبورصة المصرية فى لجنة إدارة الطروحات لما يمتلكاه من قدرات كبيرة على نجاح الطروحات، مشددًا على أن البورصة فى حالة جيدة تسمح بوضع ملف عودة برنامج الطروحات على رأس أولويات الحكومة.
وأكد أن مبادرات البنك المركزى فى توفير تسهيلات ائتمانية وقروض بنكية بأسعار فائدة مخفضة ساهمت فى تأجيل لجوء الشركات الخاصة إلى البورصة كأداة تمويلية، مشيرًا إلى أن جائحة كورونا عززت اتجاه الشركات للتمويل من خارج البورصة.
وتابع : “أنه من أجل تحفيز القطاع الخاص مجددًا وتشجيعه للطرح فى البورصة خلال الفترة المقبلة، يجب تقدم الحكومة للأخذ بزمام المبادرة والبدء فى تنفيذ برنامج الطروحات، مشددًا على أن تكون الشركات التى سيتم طرحها جديدة كليًا على السوق.
واقترح أن تقدم الحكومة باقة متكاملة لإنعاش نشاط الاكتتابات والطروحات، من خلال تسهيل إجراءات القيد والطرح والرسوم، مطالبًا بحسن إدارة الملف من قبل لجنة الطروحات، لافتًا إلى أنه لا يوجد داع للتأجيل فى ظل توافر سيولة بالسوق.
إيهاب السعيد: مطلوب استغلال ارتفاع قيم التداولات والسيولة وعودة المستثمرين مجددًا
فى سياق متصل، قال إيهاب السعيد، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، والعضو المنتدب للفروع بشركة أصول للسمسرة، إن الظروف مستقرة فى السوق خلال الفترة الراهنة، ومن ثم فإنه يجب استغلال تلك الحالة الإيجابية فى البدء بالطروحات الحكومية مجددًا.
وأضاف أن الحكومة مطالبة بسرعة اتخاذ القرار وتنفيذه حتى تقطف ثمار حالة الاستقرار التى تعيشها البورصة، مؤكدًا أنه يجب البدء بطرح شركة أو اثنتين بشكل سريع، فى ظل أنه كان من المفترض انتهاء إجراءات تجهيز الطروحات.
وأوضح أنه يعتزم طلب مناقشة عودة برنامج الطروحات الحكومية مجددًا على مائدة اجتماع مجلس إدارة البورصة المقبل، تمهيدًا لمخاطبة الحكومة حال قرر المجلس ذلك.
وأشار إلى أن الفترة الراهنة شهدت عودة مستثمرين للتواجد فى البورصة المصرية مجددًا، بالإضافة إلى حالة التعطش التى تسيطر على السوق لأى طرح لشركة جديدة بالسوق، بجانب عدم وجود أى أزمات سواء اقتصادية أو صحية رغم استمرار جائحة كورونا.
وأكد أن تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية يُعد سبيلا جيدا للغاية أمام الحكومة لتمويل عجز الموازنة، مشيرًا إلى أن الحكومة كانت تستهدف تحصيل نحو 80 مليار جنيه من برنامج الطروحات فى فترة ما قبل كورونا.
ولفت إلى أن قيام الحكومة بتنفيذ برنامج الطروحات سيشجع القطاع الخاص على التفكير فى استخدام البورصة كأداة تمويلية مرة أخرى عقب ابتعادها عن المشهد خلال الفترة الماضية.
مصطفى فوزى: يجب دراسة موقف الأجانب قبل اتخاذ القرار فى ظل توابع «كوفيد-19»
من جانبه قال مصطفى فوزى، رئيس مجلس إدارة شركة بايونيرزلتداول الأوراق المالية، إن الربع الأول من عام 2020قد يكون مناسبًا لبدء برنامج الطروحات الحكومية مجددًا، نظرًا لعدم تواجد الأجانب المحتمل فى أية طروحات فى الوقت الراهن.
وأضاف أن الأجانب قد يفضلوا عدم المشاركة فى أى اكتتابات حتى تتضح الرؤية بشأن توابع وباء فيروس كورونا المستجد، مطالبًا بعدم بدء الطروحات فى الفترة المتبقية من عام 2020.
وأوضح أنه يجب استغلال الفترة الراهنة فى إصلاح الهيكل المالى للدولة، ومنظومة الضرائب، مؤكدًا أن الانتظار سيحمى الشركات من انخفاض التقييمات.