أعلنت الصين عن خطط تحفيزية تهدف إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وذلك في محاولة لتحقيق هدف النمو الاقتصادي لعام 2024، ويمثل هذا الاتجاه تحولًا كبيرًا عن السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الصين لعقود طويلة.
وذكرت “رويترز” مؤخرا أن بكين تعتزم إصدار سندات سيادية بقيمة حوالي 2 تريليون يوان (284 مليار دولار) هذا العام، وذلك جزئيًا لدعم مشتريات السلع الاستهلاكية ودعم الطفل، مما يعني فعليًا نقل الأموال إلى الأسر والحياة المعيشية.
ويعتبر هذا التحول نحو تحفيز الاستهلاك خطوة مهمة، حيث دعا العديد من الاقتصاديين الصين منذ أكثر من عقد إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، محذرين من أن الصين قد تواجه فترة طويلة من النمو المنخفض، كما حدث في اليابان في التسعينيات، بحسب “رويترز”.
وقال تيان تشين شو، اقتصادي في وحدة الاستخبارات الاقتصادية: “هذا حدث تاريخي، حيث يشير إلى تحول كبير في أسلوب التفكير السياسي”.
ويكمن التحدي في أن نموذج النمو الذي اعتمدته الصين منذ الثمانينيات اعتمد بشكل كبير على الاستثمار في العقارات والبنية التحتية والصناعة على حساب الاستهلاك.
ويقول الاقتصاديون إن هذا النموذج أدى إلى فائض في البنية التحتية والتصنيع، وتراكم ديون هائلة بشكل غير مستدام منذ الأزمة المالية العالمية، حيث تراجعت عوائد الاستثمار.
وفي حين أن الجهود الحالية لتحفيز الاستهلاك من المرجح أن تكون كافية لرفع نمو الصين إلى حوالي 5% في عام 2024، بعد أن أظهرت البيانات الصادرة في الأشهر الأخيرة تراجعًا عن التوقعات، فإنها لا تغير كثيرًا من التوقعات طويلة الأجل.
ولا يزال الإنفاق الاستهلاكي في الصين يمثل أقل من 40% من الناتج الاقتصادي السنوي، وهو أقل بحوالي 20 نقطة مئوية من المتوسط العالمي، أما الاستثمار، فهو أعلى بنسبة 20 نقطة مئوية عن المتوسط العالمي.
ولا يمكن سد هذه الفجوة بين الاستهلاك والاستثمار بين عشية وضحاها، فقد استغرق الأمر من اليابان 17 عامًا لزيادة حصة الاستهلاك من ناتجها الاقتصادي بنسبة 10 نقاط مئوية من أدنى مستوى لها في عام 1991، كما يقول مايكل بيتيس، كبير الباحثين في مركز كارنيغي للصين.
وأضاف بيتيس أن الجهود المالية الحالية “ليست جزءًا من إعادة توازن هيكلي حقيقي”.
ويتابع، إن البنية التحتية الحالية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية مبنية لدعم الاستثمار، وليس الاستهلاك.
وعلى مدى عقود، تعرضت الأسر للضغط بسبب انخفاض أسعار الفائدة، وضعف حقوق العمال والمزارعين، مما ساهم في انخفاض الدخول، بالإضافة إلى شبكة الأمان الاجتماعي الضعيفة.
كما أن النظام الضريبي يشجع على الاستثمار العالي والأجور المنخفضة. فمثلا، يتم فرض ضريبة على المكاسب الرأسمالية بنسبة 20% في الصين، وهي أقل من النسبة في الهند (30%) والولايات المتحدة (37%).
وتعد شريحة الضريبة الشخصية العليا في الصين من أعلى الشرائح في العالم، حيث تصل إلى 45%.
وتحصل الشركات، خاصة في الصناعات الاستراتيجية، على إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى من الحكومات المركزية والمحلية.
ويدخل دعم القطاعات الاستراتيجية، أو ما تسميه بكين “القوى المنتجة الجديدة” مثل السيارات الكهربائية والطاقة الخضراء والروبوتات، ضمن جهود التقدم التكنولوجي التي تعتبرها الصين حيوية للأمن الوطني.