يعاني قطاع السلع الفاخرة من رياح عكسية في 2023 من شأنها تقييد النمو المذهل الذي تحقق خلال 2022، وفقًا لما يراه رشيد محمد رشيد، الرئيس التنفيذي لشركة “ميهوله للاستثمار” القطرية المالكة لدار الأزياء الإيطالية “فالنتينو” ودار الأزياء الفرنسية “بالمان” والعلامة التجارية الإيطالية Pal Zileri، وسلسلة المتاجر الفاخرة التركية Beymen.
وبحسب رشيد الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس الإدارة في “فالنتينو” و”بالمان”، فإن قطاع السلع الفاخرة شهد سنوات مرنة للغاية قاومت الآفاق القاتمة للأسواق في فترة ما بعد الجائحة لدرجة تحقيق نمو استثنائي في 2022 تراوح بين 12 إلى 20% (التفاوت وفقا للعملة).
وأوضح رشيد في مقابلة مع “تلفزيون بلومبرج”: “لقد دخلنا عام 2023 مع توقعات بأن القطاع سينمو على الأرجح بنسبة 10%.. لكن رأينا لاحقا علامات قوية للغاية على أن الأمر سيكون أسوأ بكثير.”
الصورة ليست وردية
ولفت إلى أن هناك عدة عناصر تؤثر على السوق بشكل سلبي، على رأسها السوق الأمريكي الذي يتباطأ بالنظر إلى حقيقة أن متاجر التجزئة “تعاني بحق” في هذه الفترة فضلا عن حقيقة تراجع الإنفاق.
وتابع: “الصورة ليست وردية كما هو متوقع في الصين، توقعنا عودة الاستهلاك الصيني بقوة عقب إنهاء الإغلاق لكن هذا لم يحدث إذ هناك انتعاش بطيء هذا العام” في الطلب على السلع الفاخرة.
وأضاف أن أوروبا لا تزال تستقبل الكثير من السياح “لكن في ظل ارتفاع أسعار الطيران والفنادق نرى أن السياح ينفقون على الإقامة والمطاعم، ولا يتبقى الكثير لإنفاقه على السلع الفاخرة”.
واستطرد: “بالتأكيد هذا السوق سيحقق نموا أقل من 10% في 2023”.
وكانت دراسة لشركة Bain & Company الأمريكية للاستشارات قد توقعت في يونيو الماضي أن ينمو سوق السلع الفاخرة الشخصية (التي تتضمن الحقائب والملابس والساعات والمجوهرات) بنسب تتراوح بين 5 إلى 12% في عام 2023، بعد عام قياسي في عام 2022، على الرغم من الظروف الاقتصادية غير المؤكدة.
صورة قاتمة تُنعش الاندماجات
وحسب بلومبرج، أثارت الصورة القاتمة نسبيا للقطاع شهية الاندماجات والاستحواذات في الولايات المتحدة، في حين قالت “رويترز” إن شركات السلع الفاخرة تبحث في الاندماجات عن تنويع مصادر الإيرادات في ظل تباطؤ الطلب وضبابية الأفق الاقتصادي.
وفي أغسطس الماضي، وافقت شركة الأزياء الفاخرة الأمريكية “”Tapestry (المالكة لعلامات تجارية من بينها “كوتش” و”كيت سبيد”) على الاستحواذ على شركة “كابري هولدينجز” (الشركة الأم لمتاجر مايكل كورس) في صفقة بقيمة 8.5 مليار دولار.
كما استحوذت شركة مستحضرات التجميل الأمريكية “إستي لودر” Estée Lauder على شركة “توم فورد” في صفقة بقيمة 2.8 مليار دولار.
وفي يوليو الماضي، وافقت مجموعة السلع الفاخرة الفرنسية “كيرينغ” (المالكة لعلامات تجارية شهيرة من بينها “جوتشي” و”إيف سان لوران”) على شراء حصة 30% في “فالنتينو”.
ومن المتوقع أن يتم إغلاق الصفقة بحلول نهاية عام 2023.
وجاءت الصفقة في أعقاب استحواذ “كيرينغ” على شركة العطور الراقية Creed ضمن ما قالت رويترز إنه مساعي للمجموعة الفرنسية لزيادة حجمها وتقليل اعتمادها على العلامة التجارية الكبرى “جوتشي” التي فقدت قوتها في السنوات الأخيرة وفشلت في مواكبة انتعاش منافسيها بعد الوباء.
لكن رشيد يؤكد أن السياق المتعلق بصفقة “كيرينغ” و”فالنتينو” مختلف.
“ميهوله” تقارع العائلات الأوروبية العريقة
وفقا لبيان سابق، وافقت كيرينغ على شراء حصة 30% من فالنتينو مقابل 1.7 مليار يورو نقدا من شركة “ميهوله” المدعومة من العائلة المالكة القطرية، مع خيار شراء 100% من الأسهم في موعد أقصاه عام 2028.
وكانت “ميهوله” قد استحوذت على “فالنتينو” عام 2012 من صندوق الأسهم الخاصة “بيرميرا” مقابل حوالي 700 مليون يورو.
وتأسست فالنتينو في روما عام 1960 على يد فالنتينو جارافاني، وهي واحدة من أكثر دور الأزياء الإيطالية الفاخرة شهرةً عالميًا.
ويقول رشيد محمد رشيد إن الصفقة لا تعبر عن أية مخاوف لدى “ميهوله” ولا تأتي في سياق التصاعد الكبير للاندماجات التي يشهدها القطاع حاليا.
وأوضح:” ليس هذا بالضبط ما سعينا إليه.. الاندماجات من شأنها خلق شركات أكبر وبالتالي يكون لها تأثير أكبر وأكبر في هذه الفترة”.
واستطرد: “الاندماجات بين الكيانات الكبرى لا تتعلق فقط بالأرقام والعلامات التجارية .. هناك عنصر “الثقافة” الذي يجب أن يكون متوافقا”.
ولفت إلى أن “ميهوله” تطمح للعب دور طويل الأجل في سوق السلع الفاخرة، وقد حققت من خلال “فالنتينو” نموا قويا في السنوات العشر الأخيرة.
وقالت رويترز في وقت سابق إن الصفقة تمهد الطريق أمام العائلة المالكة القطرية للعب دور بارز في سوق السلع الفاخرة التي تهيمن عليها تقليديًا الشركات العائلية الأوروبية.
وتمتلك فالنتينو 211 متجرًا تديرها بشكل مباشر في أكثر من 25 دولة، وقد سجلت إيرادات بلغت 1.4 مليار يورو في عام 2022.
وأوضح رشيد: “قبل الصفقة كانت فالنتينو تخطط لطرح عام أولي سعيا لمزيد من “التنظيم المؤسسي” فضلا عن جذب مواهب أفضل لبناء كيان أكبر وأكثر تأثيرا.. لكن وجدنا أن استثمارات كيرينغ كفيلة بتحقيق الهدفين”.
وكانت “رويترز” قد نقلت عن مصدر مقرب من الصفقة إن الاتفاق بين كيرينغ وميهوله تم في أقل من 3 أشهر إذ بدأ رؤساء المجموعتين المحادثات في مايو الماضي.
كيان أكبر وتأثير أكبر
وتتضمن الصفقة بنودا تتيح لشركة كيرينغ الحصول على حصة أكبر في فالنتينو على مدى السنوات الخمس المقبلة ربما تصل إلى الاستحواذ الكامل، وفي المقابل تتيح لـ”ميهوله” أن تصبح أحد المساهمين في شركة كيرينغ، وهو أمر مرجح حدوثه جدا وفقًا لرشيد.
وقال رشيد: “إن الهدف الحقيقي هو تحقيق المزيد من التكامل معًا، ولكن في الوقت نفسه، توسيع أفق الاستثمار في السلع الفاخرة”.
وتابع: “حققنا نموا مذهلا في 10 سنوات ونسعى إلى تحقيق نموا مماثلا في العقد المقبل ولكن بشكل مختلف.. نسعى لأن نكون أكثر تاثيرا في السوق”.
وأوضح: “كيرينغ هي قصة نجاح كبيرة في تطوير وتنمية العلامات التجارية للسلع الفاخرة خلال العشرين عاما الماضية .. لقد قاموا بعمل رائع ولديهم علامات تجارية مذهلة ويمتلكون رؤية جيدة ويتمتعون بقيادة قوية تدير مجموعة صلبة”.
وتبلغ القيمة السوقية لشركة كيرينغ 67 مليار يورو.
السوق الأكثر جاذبية
وقال رشيد إن سوق السلع الفاخرة شهد نموا في العشرين عاما الماضية جعل منه أحد أكثر القطاعات جاذبية في العالم.
وتهيمن شركة لويس فويتون “إل في إم إتش” على السوق بصفتها أكبر صانع للسلع الفاخرة في العالم، وقد وصلت قيمتها السوقية إلى 500 مليار دولار في 2023 لتصبح أول شركة أوروبية وصولاً لهذه النقطة الفارقة، فيما يحتل برنار أرنو رئيس مجلس إدارة الشركة المركز الثاني بين أغنى أغنياء العالم بثروة تقدر بـ 161 مليار دولار.
ومع ذلك عبرت لويس فويتون عن بعض الضغوط في وقت سابق من هذا الشهر، إذ أكدت أن الطلب على الشمبانيا سوف يتراجع في عام 2023 في ظل التأثير السلبي للتضخم على شهية المستهلكين.
وتتوقع دراسة Bain & Company أن يصل حجم سوق السلع الفاخرة إلى ما بين 530 إلى 570 مليار يورو بحلول عام 2030، أي أكثر من ضعف حجمه في عام 2020.
جدير بالذكر أن رشيد محمد رشيد كان يتقلد منصب وزير التجارة والصناعة في مصر خلال الفترة من 2004 إلى عام 2011، ويقول عبر حسابه في “لينكد إن” إن النمو الصناعي السنوي في البلاد خلال فترته تجاوز 20% في حين تضاعفت قيمة الصادرات السنوية ثلاث مرات.
وقد تقلد عام 2000 منصب رئيس شركة يونيليفر في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وتركيا.
وهو أيضا مؤسس مجموعة “السارة” للاستثمار، وشركة “بدايات” المتخصصة في دعم ريادة الأعمال الإبداعية في منطقة البحر المتوسط.