هل يريد الشعب المصرى ثورة التدريب، أم أن الشعب يحتاج ثورة التدريب؟ الإرادة والاحتياج يحددهما الوعى، فيقظة الوعى أو استيقاظه تستحضر الإرادة لتثور طالبة التجديد، أما تغييب الوعى والتلاعب به وتواكله، فيحتاجون لمن يحجّمهم، لاستنهاض يقظته أولا، لتعرف طريق الإرادة مجددا. فى الحالتين الثورة عمل إيجابى يطلب التجديد والمواكبة والمواءمة لما تسير نحوه الدولة بخطى ثابتة، وسط زخم من الصعوبات والتحديات.
لا خلاف على تمكن قطاع التدريب بمختلف قطاعات العمل بمصر، كونه “نشاطا علميا مخططا يهدف لتنمية القدرات والمهارات وتغيير سلوكيات الأفراد، وتزويدهم بالمعلومات الضرورية لتمكينهم من أداء فعال ومثمر يؤدى لبلوغ أهدافهم الشخصية وأهداف المنظمة بأعلى كفاءة ممكنة” ورغم تضمن التدريب جهة الإدارة والمتدرب والمدرب، إلا أن نجاحه مرهون بنشاط الثلاثة التعاونى لتنفيذ التدريب والاستفادة منه فعلا، وعدم الاكتفاء بحقائب التدريب والشهادات والإضافة للسيرة الذاتية، ولكن يندمج التدريب بشخصية المتدرب لترقيته وتحسينه وتمكينه. يمتد مفهوم نشاط التدريب للحكومة والقطاع العام والخاص، ويفرد له ميزانيات ضخمة، ولكن هل مردوده بحجم استثماراته؟ الحديث غير موجه لبرامج تدريب الشركات الأجنبية بمصر أو المؤسسات المصرية العملاقة أو حتى الكبرى، فهؤلاء واعون لأهمية التدريب لتحسين الأداء، بما يُترجم لربح المنظمة بالنهاية.
المقصود بالمناقشة عوام الشركات والقطاعات الحياتية بمصر كوحدات الحكم المحلى والتعليم والسياحة والمهنيين والإعلام والقانون والمحاسبة والطب إلخ. عندما يستهدف التدريب تغيير سلوكيات الأفراد، فهو جانب محورى لتدريب مفاهيم وأفكار وفهم وسلوكيات الأفراد على استيعاب صور جديدة ومعاملات أقيم وآمن. لا قيمة لتدريب مهنى للقانونيين بدون تدريبهم على قيم العدالة والشفافية والأمانة والضمير المهنى. لا قيمة لتدريب محترف بصناعة النفط بدون تدريب على احترام الآخر، وهكذا. تذخر مصر ببرامج التدريب المتخصص بكل القطاعات، ولكننا نفتقد برامجا لتدريب الإنسان المصري!
إذا توجهت إلى سينما أو جامع أو كنيسة أو مول تجارى أو مطعم أو محطة مترو، ستجد شعبا مدربا بمهنه المختلفة، لا بسلوكه المجتمعى وتعامله مع الآخر أو المرافق مثلا! قد تجد إرشادات استخدام أو تعليمات، ولكن السلوك الجمعى غير مدرب، وبالتالى لا توجد رؤية موحدة أو مجمعة أو سلوك أو وعى توافقى لما يعرف بالمواطنة مثلا، أو المرافق العامة أو أمن الدولة أو حقوق الآخر أو حرية العقيدة أو مفهوم الفن إلخ. الواقع ستفاجأ بأن الشعب المصرى غير مدرب حياتيا إلا فى حدود، كان لها بداية قبل 1952، ثم تحورت بعدها، ثم تطورت مع 1967 و1973 وتضخمت هذه الحدور مع الثمانينيات واستمرت بترهل إلى 2011، لتنفجر أشتاتا وتغرق جغرافيا المكان بسلوكيات غير منضبطة.
الواقع المصرى حاليا، يشهد منظومة تتشكل ببطء صارم لا عودة فيها! قوام هذه المنظومة تأمين وأمن الجغرافيا، تصميم جديد لواقع صعب، ليكون مستقبلا، تاريخا مُشرفا، تطوير جديد للشخصية المصرية، تصميم جديد لعلاقة المواطن بمرافق الدولة، تطوير لعناصر وأدوات الاقتصاد، استعادة لمعنى ودور مصر بالمنطقة، رؤية مستقبلية لـ2030، ولكن مازالت الكثافة السكانية إحدى المشاكل التى لم تعالج أو يعاد توظيفها أو استثمارها بصورة تلائم خطوات هذه المنظومة أو طموح الجمهورية الثانية.
فى تقديرى أن مفهوم التدريب يحتاج لثورة فى المكونات والمنهج والبرنامج، ليضيف «الشعب» ذاته كأحد أنواع المتدربين! تدريب يخصص ويوجه لمكونات الوعى الجمعى للشعب بصورة مباشرة وغير مباشرة. التعليم والدين والإعلام، هى المكونات الحقيقية الوحيدة الجامعة لوعى الشعب ـ خارج تخصصات مهنه أو وظائفه – لأن المكونات الثلاثة هى العناصر المشتركة الحقيقية الجامعة للشعب فى أى مكان بلحظة زمنية محددة! لذلك فهذه المكونات بذاتها تحتاج لثورة فهم وتطوير وتغيير، تنعكس على برامجها التى تنتقل بنعومة لوعى الشعب، وتشكل سلوكياته الحالية غير المنسجمة مع تطور المنظومة المصرية الجديدة.
يتميز الوعى الجمعى المصرى فى 2021، بقدر مرصود من آفات تعليم وإعلام وتدين غير مدرب، ليواكب ما يجرى على الأرض من تغيير! برامج التدريب فى التعليم والإعلام والمؤسسة الدينية مستميتة للحافظ على مكاسب موروثة، لتنطبع على أذهان تحفظ لا تفهم، وتقلد لا تبدع وتشجب لا تنقد! والمحصلة استمرار ذات النتائج مع ازدياد السكان، فيتحول جمود التدريب والمتدرب لكرة ثلج، تزيد مع انتشار السلوك المجتمعى بلا وعى لخطورة المنساقين له!
ثورة التدريب مقابلة لمصطلح (من يحرس الحرس)، فمدربى التعليم والإعلام والدين بدورهم، يحتاجون لعمل مشروع تعاونى لإنقاذ مدربيهم، بتطوير الحقائب التدريبية ومحتواها، فينقذون متدربيهم، فيقدمون للمجتمع سلوكا جديدا، يوائم ما تصبو له مصر قادما.
أخطر ما فى مهمة الإدارة أن تستبصر عن اقتناع حقيقى، أهمية احتياج الشعب لثورة فى تدريبه على الحياة الجديدة، وما يمكن للدولة أن تحققه بفوائد منه، لينعكس هذا الاقتناع بمراجعة وتخطيط وتنظيم برامج وسياسات ورسائل ورموز ومكونات التعليم والدين والإعلام، بثورة تدريبية تخاطب تغيير برامجهم، فتغير بدورها سلوكيات الوعى الجمعى للشعب، من خلال قواعده المشتركة. إن استمرار تنافس البرامج التدريبية للمكونات الثلاثة كما هى، ستزيد من الحالة التى عليها الشعب حاليا تعليميا، وتوعويا، ودينيا! لا تستهن أبدا بخطب الجمعة أو دروس الأحد أو المناهج الدينية أو هوجة التعليم بالإنترنت وتهميش المدرس أو تفريغ المحتوى أو تأثير أغانى المهرجانات وإعدام برامج التوك شو الجادة وإطلاق أثمان المواهب واستبداد كهنة الأخبار والدراما المنحولة إلخ! والنتيجة وعى جمعى مناقض متناقض، يساق فى ساقية، لا شريكٌ فى تقدم دولة.
المهمة صعبة وتنفيذها طويل والثورة دوما مكلفة ولها أعداء، وللأسف الشعب محتاج لثورة تدريبية لرؤية المنظومة الجديدة، لأن إرادته حاليا منغمسة فى مكونات مذبذبة ومُلحنة وموجهة. فيقظة الوعى أو استيقاظه تستحضر الإرادة لتثور طالبة التجديد، أما تغييب الوعى والتلاعب به وتواكله، فيحتاجون لمن يحجّمهم، لاستنهاض يقظته أولا، لتعرف طريق الإرادة مجددا، وهذا ما تحتاجه مصر فى المستقبل القريب، أن يتحول الشعب لمتدرب واعٍ فى التعامل مع مصر الجديدة.
* محامى وكاتب مصرى