باتت الشركات العاملة فى السوق المحلية تستهدف تمويل توسعاتها وسداد التزاماتها من خلال الدخول فى شراكة مع كيانات مالية قوية وصناديق استثمار مباشر، وإدخالها فى هيكل ملكيتها لتعزيز مراكزها المالية.
وساهم ذلك فى إحداث تغييرات ملحوظة فى قائمة الأدوات التمويلية للشركات فى السوق المحلية، فبينما تزايدت عمليات استحواذ كيانات ذات ملاءة مالية قوية مثل البنوك وصناديق الاستثمار على حصص بشركات، تراجعت مقابلها جاذبية كل من التمويل البنكى «القروض» بالإضافة الى استغلال البورصة كأداة تمويلية.
«المال» رصدت تنامى ظاهرة اعتماد الشركات على بيع حصص من أسهمها لكيانات مالية قوية لتمويل توسعاتها وسداد ديونها، متأثرة بالتغيرات الطارئة على الاقتصاد العالمى عقب أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، شهدت السوق المصرية مؤخرًا حركة نشاط كبيرة فى سوق صفقات الاستحواذ، إذ أعلن البنك الأهلى المصرى نيته فى الاستحواذ على حصة غير حاكمة بشركة أمان هولدينج للاستثمارات المالية، بجانب اعتزام ذراعه الاستثمارية شركة الأهلى كابيتال للاستثمار المباشر، الاستحواذ على حصص بشركات دفع الكترونى وأبرزها «ممكن» و»سداد» بالإضافة الى صفقة استحواذ شركة باراديم لوجيستكس المحدودة على %50 من أسهم شركة أسطول للنقل البري، وأيضاً استحواذ بنك مصر على أكثر من %24 من أسهم شركة سى «آى كابيتال» القابضة للاستثمارات المالية.
من جانبهم، أرجع خبراء الاستثمار المباشر والاستشارات المالية بسوق المال، تعاظم لجوء الشركات لخيار بيع حصص من أسهمها لكيانات مالية قوية الى عدة أسباب، أبرزها ارتفاع تكلفة الدين والاقتراض البنكي، واستمرار المخاطر المحيطة بالإقتصاد المحلى والعالمى على حد سواء نتيجة فيروس كورونا المستجد، ومخاوف حدوث موجة ثانية فى فصل الخريف أو الشتاء المقبلين.
وتابعوا أن ظاهرة تنامى شراكة الشركات مع الكيانات المالية القوية تعود أيضًا الى حدوث تغيير فى ثقافة مجتمع الأعمال، إذ زاد الوعى بأهمية تواجد مستثمر ذو ملاءة مالية لدفع عجلة الإستثمار بشكل أسرع وتعظيم حقوق المساهمين، فيما ربط فريق أخر تزايد تلك الظاهرة بحالة التوقف التى سيطرت على الاقتصاد العالمى والتباطؤ فى ظل أزمة جائحة كورونا.
وتوقع الخبراء، زيادة عمليات الاستحواذ سواء الجزئية أو الكلية من قبل مستثمرين ماليين وصناديق استثمار مباشر على حصص بشركات محلية خلال الفترة المقبلة، فى ظل ابتعاد البورصة عن مشهد تمويل توسعات الشركات مع إرتفاع تكلفة الإقتراض وعدم رغبة الشركات فى تحمل ديون جديدة وسط مخاطر جائحة كورونا.
محمد متولى: تكلفة الدين مازالت مرتفعة جدًا وتقييمات المستثمر المالى أفضل
من جانبه، قال محمد متولي، الرئيس التنفيذى لشركة «إن أى كابيتال» القابضة – الذراع الاستثمارية لبنك الاستثمار القومى، إن الفترة الأخيرة شهدت لجوء الكيانات المالية مثل البنوك الى تعظيم دورها فى عمليات الاستثمار المباشر، من خلال تنفيذ صفقات بقطاعات متنوعة سواء رعاية صحية أو تعليم أو تكنولوجيا رقمية.
وأضاف ان زيادة حركة نشاط قطاعات الاستثمار المباشر بالبنوك والجهات المختلفة، ترجع الى انخفاض التقييمات فى أسعار الأسهم المتداولة عن مستوياتها الطبيعية، ومن ثم فإن رغبة الشركات التى تمتلك خططاً توسعية تحولت من الطرح فى البورصة الى الموافقة على دخول مستثمر مالى أو كيان مالى قوى الى هيكل ملكيتها.
وأوضح الرئيس التنفيذى لشركة إن أى كابيتال القابضة – أن تفضيل الشركات للمستثمر المالى يعود إلى أن التقييم سيكون مناسبًا لقيمة الشركة بعيدًا عن تقييمات السوق غير الحقيقية.
وأشار متولي، إلى أن أحد أسباب لجوء الشركات للتمويل من خلال بيع حصص من أسهمها، يعود الى ارتفاع تكلفة الدين أو الاقتراض البنكي، واصفًا أسعار الفائدة وتكلفتها على الاقتراض بأنها «مرتفعة للغاية» رغم اتجاه البنك المركزى لتخفيضها مع بداية أزمة جائحة فيروس كورونا.
وتابع موضحًا أن الظروف أصبحت مهيأة امام صناديق الاستثمار المباشر والكيانات المالية القوية، لضخ أموال لإقتناص فرص استثمارية جاذبة، متوقعًا زيادة نشاط الصفقات خلال الفترة المقبلة.
وعن البورصة، شدد الرئيس التنفيذى لشركة إن أى كابيتال القابضة – على أن السوق عانت جراء انتشار فيروس كورونا والمخاوف المحيطة به، بالإضافة الى تأثرها بطرح شهادات ادخارية بفائدة بلغت %15.
كان بنكا الأهلى ومصر قد أعلنا فى 20 مارس الماضي، عن طرح شهادات إدخارية مدتها عام واحد بعائد ثابت 15 فى المائة يصرف شهريا.
واشترط البنكان، شراء هذه الشهادات من خلال الوسائل الإلكترونية سواء البريد الالكترونى أو الموبايل بانكنج أو الإنترنت البنكى أو الإتصال بمراكز خدمة العملاء أو تطبيقات الواتساب وغيرها، وذلك فى إطار التدابير الاحترازية للحد من تفشى فيروس كورونا.
حسام حسين: ثقافة الاستثمار تتغير نحو تعظيم حقوق المساهمين بإدخال كيانات قوية
من جهته قال حسام حسين، رئيس القطاع المالى بشركة راية القابضة للاستثمارات المالية، ان الفكر الاستثمارى بات مسيطرًا على توجهات قيادات الشركات العاملة بالسوق المحلية، اذ تغيرت ثقافة الادارة نحو تعظيم حقوق المساهمين.
وأضاف ان سعى الشركات لإدخال شريك ذو ملاءة مالية قوية الى هيكل ملكيتها يرجع الى رغبتها فى البحث عن قيمة مضافة لقدراتها الانتاجية والاستثمارية، وهو أمر غير متواجد بالتمويل البنكي.
وأوضح رئيس القطاع المالى بشركة راية القابضة للاستثمارات المالية، ان هناك 3 حالات لقيام شركة ببيع أسهمها أو جزء منها، أولها سبب مالى بحت نابع من عدم الرغبة فى تحمل فوائد أو قروض جديدة، وثانيها رغبة مالكى الشركة فى التخارج بشكل نهائي.
وأوضح حسين، ان الحالة الثالثة والتى قد تكون منتشرة بشكل كبير فى الفترة الراهنة، هى تعظيم العائد الاستثمارى للشركة من خلال تواجد شريك بمواصفات محددة يسمح بزيادة معدل النمو وتسريع مدة تنفيذ الخطط الاستثمارية الأمر الذى يساهم فى تعظيم القيمة السوقية للشركة.
وشدد على انه رغم انخفاض تكلفة التمويل البنكى عقب بدء جائحة كورونا مقارنة بما قبلها الا ان الشركات باتت تمتلك ثقافة استثمارية مختلفة عن الفترة السابقة لكورونا، اذ تستهدف تحقيق التنوع واضافة استثمارات جديدة، وتسهيل آليات التخارج المتاحة امام المستثمرين.
ودلل على تغيير الثقافة الاستثمارية فى الفترة الراهنة، بتوجه بنوك الاستثمار لقيادة عمليات تأسيس شركات جديدة فى مجالات استثمارية متنوعة تحت مظلتها، لتحقيق التنوع المستهدف.
وأشار إلى أن البورصة كانت حل وصفه بالسحرى للشركات لزيادة رؤوس أموالها، الا انه فى ظل الأجواء الراهنة وارتفاع تكلفة القيد والتواجد بالسوق، وزيادة درجة تعقيد الاجراءات الخاصة يسوق المال، باتت البورصة أداة تمويلية غائبة عن المشهد فى الفترة الراهنة.
ولفت حسين، الى ضرورة التركيز على جذب شركات كبيرة للقيد فى البورصة، والقضاء على البيروقراطية والروتين، تخفيض تكاليف القيد والطرح والتواجد فى السوق، من أجل اعادة البورصة لمكانتها الحقيقية كأداة تمويلية جاذبة.
وتوقع رئيس القطاع المالى بشركة راية القابضة للاستثمارات المالية، تحسناً متزايداً فى عملية ضخ الاستثمارات فى السوق المحلية وتحديدًا حجم الاستثمار الاجنبى المباشر، فى ظل توافر فرص استثمارية مميزة محليًا بالإضافة الى حالة الاستقرار والهدوء التى تمر بها مصر رغم حالة القلق والتوترات الجيوسياسية فى المنطقة.
ياسر عمارة : التمويل بالملكية طريق مناسب عن القروض وسط أزمة كورونا
وفى سياق متصل، قال الدكتور ياسر عمارة، رئيس مجلس ادارة شركة ايجل للاستشارات المالية، ان هناك اتجاهاً واضحاً لدى الشركات لعدم اللجوء للتمويل البنكى واستبداله بالتمويل بالملكية «ادخال مستثمر أو جهة مالية لهيكل الملكية»، مرجعًا ذلك الى ارتفاع تكلفة التمويل بجانب ارتباط مبادرات البنك المركزى بظروف زمنية معينة ومتطلبات محددة سلفًا.
وأضاف أن طلب صندوق النقد الدولى بإيقاف مبادرات البنك المركزى المصرى الخاصة بالتسهيلات الائتمانية، قد يدفع الشركات الى الابتعاد عن الاقتراض البنكى خلال الفترة المقبلة، نظرًا لاحتمالات تطبيق سياسة تقشفية فى التسهيلات الإئتمانية الممنوحة للمستثمرين.
وأوضح رئيس مجلس ادارة شركة ايجل للاستشارات المالية، ان هناك حالات لشركات على علم بها قامت بزيادة رؤوس أموالها لسداد مديونياتها البنكية والقروض حتى تتخلص من الفوائد المحملة عليها.
وأشار إلى أن الكيانات المالية سواء صناديق استثمار مباشر أو بنوك تمتلك من الفوائض المالية ما يجعلها تستغل انخفاض تقييمات الفرص الاستثمارية فى تنفيذ عمليات استحواذ فى قطاعات متنوعة، مدللًا على ذلك بقرار البنك المركزى الذى سمح من خلاله للبنوك بزيادة حصصها فى شركات التكنولوجيا المالية دون حد أقصى.
ولفت عمارة، الى ان خيار لجوء الشركات الى الطرح فى البورصة أصبح فى حكم الماضى، لوجود وسائل تمويلية أكثر مرونة وسهولة منها، موضحًا ان الاقبال على القيد فى البورصة خلال الفترة الراهنة بلغ %0 فيما كانت أغلب الطروحات الأخيرة تندرج تحت بند التخارجات وليس زيادة رؤوس أموال.
أيمن أبوهند: حركة الاندماجات والاستحواذات تظهر مع توقف أو تباطؤ السوق
وقـــال أيمن أبوهند، الشــــريك المؤسس بشــركة advisable wealth engines الأمريكية، ان تنامى حركة الاندماجات والاستحواذات مرتبطة بحالة السوق ذاتها، فكلما تباطأت السوق كلما ازدادت عمليات الاندماج والاستحواذات بين الشركات، وهو ما يحدث فى السوق الأوروبية والأسيوية خلال الأيام الراهنة.
وأضاف ان دورة الاندماجات والاستحواذات تبدأ فى الظهور مع الأحداث السلبية التى تسيطر على الاقتصاد، فتبدأ باستحواذات جزئية خلال الشهور الأولى للأزمة الاقتصادية بنسبة تصل لـ %50 من عمليات الاستحواذات المرتبطة بالأزمات الاقتصادية، ثم تتحول الى استحواذات كلية خلال الـ 12 شهر التالية.
وأوضح أبوهند، ان الشركات لا ترغب فى تحمُل ديون جديدة فى شكل قروض بنكية، ومن ثم فإنها تتجه الى خيارات تمويلية أخرى يأتى على رأسها بيع حصص من أسهمها وإدخال مستثمر مالى أو صندوق استثمار مباشر الى هيكل ملكيتها، سواء بهدف تمويل توسعاتها أو سداد مديونياتها.
وأشار الشريك المؤسس بشركة advisable wealth engines الأمريكية، إلى أن أحد أشكال عمليات الاستحواذات المرتبطة بالأزمات الاقتصادية، هو استحواذات الديون، اذ تقوم شركة أو صندوق استثمارى بالإستحواذ على شركة أخرى مقابل سداد ديونها.
ولفت أبوهند، إلى أن قيمة الفرص الاستثمارية فى الفترة الراهنة منحفضة مقارنة بفترة ما قبل جائحة كورونا، مما يساهم فى زيادة حركة الاستحواذات بالسوق المحلية.